الوقت- بعد الإنتصارات المتتالية للجيش السوري على الجماعات الإرهابية بفضل الدعم الإيراني و الروسي و مساندة قوات المقاومة، سارعت السعودية وحلفاؤها الإقليميون و الدوليون و على رأسهم أمريكا لتدارك الوضع، خصوصاً بعد القرار الذي اتخذه إجتماع (فيينا 2) بضرورة إصدار قائمة موحدة بجماعات المعارضة السورية غير المسلحة من أجل إشراكها في المحادثات السياسية الرامية إلى تسوية الأزمة في هذا البلد.
ولمواجهة هذه المستجدات قررت الرياض إستضافة مؤتمر للمعارضة السورية في أواسط الشهر المقبل، حسبما أعلن مبعوث الأمين العام الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
وسارعت الخارجية الأميركية إلى الاعلان بأنها ستحضر هذا المؤتمر بهدف تمكين المعارضة السورية من الخروج بموقف يدعم مفاوضاتها المستقبلية مع حكومة الرئيس بشار الأسد. ومن المقرر أن يضم المؤتمر نحو ثلاثين جماعة بينها ما يسمى "جیش الاسلام" و"الجيش الحر "و"أحرار الشام" و"جیش الیرموك".
وجاءت هذه التطورات بعد أن أدركت واشنطن و كل الذين راهنوا معها على إسقاط حكومة الأسد بأن الكفّة باتت تميل لصالح روسيا و إيران و سوريا سياسياً و عسكرياً على الساحتين الإقليمية و الدولية. و يبدو أيضاً أن الدول الإقليمية التي دعمت الجماعات الإرهابية و في مقدمتها قطر و تركيا و السعودية أضحت تخشى على مصير حركة "أحرار الشام" التي تصنفها موسكو بأنها جماعة إرهابية، فيما تسعى واشنطن إلى إظهارها على أنها جزء من الحل و ليست جزء من المشكلة.
وطبقاً لبيان إجتماع (فيينا 2) تم التأكيد على أن كافة الجماعات التي إصطفت إلى جانب تنظيم "داعش" هي جماعات إرهابية، وهو ما أثار قلق الدول الداعمة لحركة "أحرار الشام" التي شكّلت مع "جبهة النصرة" ما يسمى "جیش الفتح" الذي لعب دوراً هامّاً في السيطرة على محافظة إدلب قبل نحو أربعة أشهر.
وتسعى السعودية إلى منع إدراج "أحرار الشام" ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، رغم الأدلة الميدانية التي تؤكد إرتكاب هذه الحركة التكفيرية الكثير من الجرائم البشعة بحق الشعب السوري و قواته المسلحة و التي وثّقتها لجنة التحقيق الدولية -مقرها في جنيف- ومنها جريمة التطهير العرقي للمكوّن الكردي في مدينة (تل أبيض) بمحافظة الرقّة شمال شرقي سوريا بالإشتراك مع جماعات إرهابية أخرى بينها تنظيم "داعش".
وفي وقت سابق أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها باشرت بالإتصال بقادة المعارضة السورية الذين يؤمنون بضرورة التخلص أولاً من الجماعات الإرهابية كمقدمة لعمل مشترك ينهي الأزمة السورية على أساس الإنتخابات.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكد في وقت سابق أيضاً عزم بلاده مواصلة العمل لتهيئة الظروف المناسبة لوقف إطلاق النار في سوريا بموازاة العملية السياسية. و أشار لافروف إلى لقاء (فيينا 2) قائلا: "إتفقنا على الخطوات الأساسية لإطلاق حوار سياسي قبل يناير/ كانون الثاني المقبل، و أكدنا بأن مستقبل سوريا سيحدده السوريون أنفسهم تماشياً مع مقررات (جنيف 1)، وهذا الأمر ينطبق على مصير الرئيس الأسد".
يأتي هذا في وقت أعرب فيه مبعوث الأمين العام الخاص إلى سوريا عن أسفه لسعي بعض أطراف المعارضة المسلحة لعرقلة محاولات وقف إطلاق النار الشامل في البلاد، مشيراً إلى أن العمل جارٍ لتحقيق هذا الأمر قبل بدء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة "المعتدلة".
ويعتقد الكثير من المحللين بأن صعوبات كثيرة ستواجه مؤتمر المعارضة السورية الذي تعتزم السعودية إستضافته، أبرزها الخلافات الكبيرة بين أطراف هذه المعارضة في شقيها السياسي والعسكري، إضافة إلى تعدد الولاءات بين مختلف تشكيلات المعارضة.
أخيراً ومن خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول أن أمريكا و حلفاءها الإقليميين و الدوليين لا يبحثون عن حل جذري للأزمة السورية و الذي يكمن بوقف شامل لإطلاق النار و إجراء الإنتخابات لأنه لا يتماشی مع مصالحهم و أجنداتهم الخاصة، و لهذا يتوقع المراقبون أن لا يخرج مؤتمر المعارضة السورية الذي ستستضيفه الرياض بنتائج إيجابية لإن الجماعات التي ستحضره -في حال إنعقاده- تسعى هي الأخرى وراء مصالحها و لاتريد التوصل الی حل ينهي إراقة الدماء لأنها ترى وجودها في بقاء هذه الأزمة. و لسنا بحاجة هنا للتأكيد على أن من يريد الإستمرار بهذا النمط من التفكير و السلوك الشاذ لن يحصد إلاّ الخيبة و الخسران في نهاية المطاف.