الوقت- بينما توصل إقليم كردستان العراق مؤخراً إلى اتفاق مع الحكومة المركزية بشأن قضايا الميزانية والنفط، دعا رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إلى زيادة صلاحيات الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ولا سيما في حل النزاع بين أربيل وبغداد.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس إقليم كردستان العراق إلى تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي وقانون النفط والغاز وتقسيم الإيرادات.
والأمر الأكثر غرابةً هو أن بارزاني يدعو في رسالته إلى زيادة دور الأمم المتحدة في الإشراف على الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021.
إن خطوة رئيس إقليم كردستان في إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة ليست بجديدة، وقد فعل مسؤولو أربيل ذلك مرات عديدة على مر السنين، لكن الوضع السياسي والحكم الجديد للعراق يمكن اعتبارهما مختلفين تمامًا.
وقد أدى ذلك إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لرسالة نيجيرفان بارزاني الأخيرة، وأهدافه في إرسال هذه الرسالة في الوضع الحالي الذي يعيشه العراق.
من أجل دراسة أهداف رئيس إقليم كردستان العراق من خلال إرسال مثل هذه الرسالة إلى رئيس الأمم المتحدة في الوضع الراهن، يمكن تقديم محورين رئيسيين.
تدخل مسؤول غير حكومي للضغط على الحكومة المركزية
منذ عام 1991، عندما أسس أكراد العراق حكمهم الذاتي تحت رعاية التحالف الدولي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 688 وإنشاء منطقة حظر طيران بزاوية 36 درجة، کانوا يعتبرون الغرب بوابةً لمطالبهم.
ومن وجهة نظر قادة الإقليم المكونين من الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي لكردستان العراق، يمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تكون أوصياءً على إنجازاتهم.
وقد تعزَّز هذا الاتجاه في السنوات التي تلت عام 2003، بعد سقوط النظام البعثي والاعتراف بالحكومة الفيدرالية لإقليم كردستان بموجب الدستور العراقي.
خلال هذه الحقبة الجديدة للحكم في العراق بعد عام 2003، غضَّ الأكراد، إضافة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، الطرف عن مطالب الأمم المتحدة. في غضون ذلك، فإن النقطة الجديرة بالملاحظة هي أن حكومةً محليةً باسم حكومة إقليم كردستان، وعلى الرغم من ذكرها في الدستور العراقي كعنصر رسمي، ولكن حقيقة الأمر هي أنها ليست بأي حال من الأحوال مؤسسةً حكوميةً مستقلةً في المجتمع الدولي، ولا يمكن وصفها بأنها مؤسسة ذات سلطة مستقلة في المجتمع الدولي.
ووفقًا للدستور العراقي أيضاً، يفتقر نيجيرفان بارزاني إلى سلطة كتابة الرسائل وتقديم المطالب إلى الأمم المتحدة. في الواقع، تستند الأمم المتحدة إلى إطار نظام الدولة، وفي هيكلها الإداري والتشغيلي لا يحق للحكومة المحلية التصويت أو التدخل.
وبحسب الملاحظة ذاتها، يمكن اعتبار رسالة رئيس إقليم كردستان العراق إلی أنطونيو غوتيريش زلةً سياسيةً غير مشروعة، أحالت الشؤون الداخلية لدولة ما إلى هيئة دولية من أجل الضغط على الحكومة المركزية.
أربيل بحثاً عن ضمان تنفيذي
على عكس السنوات الأولى التي تلت عام 2005، عندما تم تشكيل دستور دائم وحكومة جديدة في العراق، ليس لأربيل نفوذ كبير في بغداد.
في السنوات الأولى للحكومة العراقية الجديدة، كان الأكراد، بصفتهم أحد اللاعبين الرئيسيين في إنشاء مؤسسات قانونية وسياسية جديدة، يتمتعون بأكبر قدر من القوة والنفوذ إلى جانب الشيعة، لكن السياسات الخاطئة لقادة الإقليم، بقيادة زعيم الإقليم السابق مسعود بارزاني والزعيم الحالي للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، مهدت الطريق لعزل أربيل المتزايد.
وعلى وجه الخصوص، أدى إقدام بارزاني علی الاستفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر 2017، والذي أسفر عن هزيمة كبرى للأكراد، إلى الحد من قدرة الأكراد على المساومة في بغداد، بشأن القضايا الخلافية أو السياسات الكلية لمستقبل البلاد.
في الواقع، انهارت أسس الثقة بين الأكراد والحكومة المركزية من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد لدى الأكراد القدرات وأوراق الضغط للتأثير على قرارات البرلمان والحكومة المركزية في بغداد.
وفي مثل هذه الحالة التي تكون فيها حكومة الإقليم في موقف ضعيف للغاية، يبدو أن نيجيرفان بارزاني يبحث عن ضمان تنفيذي أجنبي لتنفيذ الاتفاق الأخير بين أربيل وبغداد، لإرسال حصة موازنة شمال العراق وفق قانون موازنة 2021.
في الواقع، يحاول بارزاني عبر اللجوء إلى المراسلات مع الأمم المتحدة، تقديم هذه الهيئة الدولية کضمانة تنفيذية لاتفاقية أربيل وبغداد، لأنهم يدركون بوضوح حقيقة أن أي إهمال من جانبهم سيقابل برد فعل قوي من الحكومة المركزية وأعضاء البرلمان.
وبسبب السياسات الاقتصادية الاستهلاكية السابقة والفساد المستشري للحكام، لم تفشل أربيل فقط في استخدام عائدات النفط السابقة لتعزيز بنيتها التحتية الاقتصادية، بل أصبحت الآن غارقةً في الديون الخارجية والأزمة الاقتصادية الكبيرة عن طريق الاقتراض من البنوك وشركات النفط. وهذا يقلل من قدرة أربيل على الوفاء بالتزاماتها تجاه بغداد لتحويل عائدات النفط.
بشكل عام، يبدو أن الأكراد يكررون أخطاءهم التاريخية مرةً أخرى، محاولين وضع كل بيضهم في سلة الدعم الأجنبي، وخاصةً الغرب، غير مدركين أن الطريقة الصحيحة الوحيدة لتحقيق الاستقرار وحل الخلافات مع الحكومة المركزية العراقية، هي من خلال احترام الدستور والحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية للبلاد، بعيداً عن تدخلات الأجانب المثيرة للأزمات.
