الوقت- من يدقق ويمعن النظر فيما يجري من تطورات ميدانية في الشرق الأوسط الذي يمثل في الحقيقة مركز ثقل العالم لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وغيرها لامجال هنا لشرحها، يدرك تماماً أن مستقبل المنطقة ستحدده قوى المقاومة لأسباب عدّة يمكن إجمالها بما يلي:
1- إجماع معظم الفصائل الفلسطينية المؤثرة في الساحة على ضرورة الاستمرار بالمقاومة كخيار استراتيجي ووحيد لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة في الأرض والوطن رغم الهجمة الشرسة التي يشنها الكيان الاسرائيلي والتي تجلت مؤخراً بشكل واضح في اعتداءات قواته على المسجد الأقصى واستمراره ببناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، مستفيداً من انشغال المنطقة بتطورات الأزمة السورية وكارثة مِنى التي راح ضحيتها آلاف الحجاج بين شهيد وجريح ومفقود قبل أكثر من اسبوعين.
فالشباب الفلسطيني الذي يمثل قطب الرحى في فصائل المقاومة رد بقوة على هذه الاعتداءات وكبّد قوات الاحتلال خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، كما نظّم الفلسطينيون تظاهرات كبيرة في القدس والضفة الغربية المحتلة، فيما يؤكد معظم المراقبين بأن انتفاضة ثالثة في طريقها للاندلاع، معربين عن اعتقادهم بأن قوتها ستفوق قوة الانتفاضتين السابقتين المعروفتين بـ (انتفاضة الحجارة) عام 1978 و(انتفاضة الأقصى) عام 2000.
ونتيجة لهذه المقاومة المتواصلة والفاعلة للشعب الفلسطيني قامت سلطات الاحتلال بسن قانون جديد يسمح لقواتها باستخدام الرصاص الحي لقتل الفلسطينيين بما فيهم الأطفال والنساء في حال رجموا القوات الاسرائيلية بالحجارة رداً على انتهاكاتها المتكررة بحق الشعب الفلسطيني.
2 – الانتصارات التي حققتها قوى المقاومة ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية في الشرق الأوسط لاسيما في العراق وسوريا أثبتت أهمية الدور الذي تلعبه هذه المقاومة في القضاء على الإرهاب وتمهيد الأرضية لإعادة الأمن والاستقرار الى ربوع المنطقة الى درجة بات الكثير من المراقبين يعتقدون بأنه لولا وجود هذه المقاومة لكان الشرق الأوسط برمته الآن في قبضة الجماعات الإرهابية كـ "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها.
3 – المقاومة والصمود الكبير الذي يبديه الشعب اليمني وقواه الثورية المتمثلة بحركة أنصار الله والتي لعبت دوراً مميزاً في التصدي للعدوان السعودي المتواصل على بلدهم منذ أكثر من ستة أشهر والذي تشارك فيه أمريكا والكثير من الدول الغربية والاقليمية الحليفة لها؛ هذه المقاومة تمكنت بوعيها وشجاعتها من فضح المخطط الصهيوأمريكي الرامي الى تمزيق المنطقة وتقطيع أوصالها خدمة لأغراض ومصالح لاعلاقة لها بشعوب المنطقة ومستقبل دولها ومصير أبنائها.
4- رغم مبادرة بعض الدول وفي مقدمتها روسيا والصين للمشاركة في محاربة الإرهاب في المنطقة بعد أن ثبت للعالم أجمع فشل ما يسمى بـ "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا في الاضطلاع بهذه المهمة، إلاّ أن الحقائق التي أفرزتها الوقائع والأحداث الميدانية تؤكد أنه لولا وجود المقاومة ودورها الواضح في التصدي للإرهاب لما تمكنت هذه الدول من اتخاذ مثل هذا القرار كونها تعي تماماً ان القضاء على الإرهاب لايمكن أن يُحسم من خلال الضربات الجوية والصاروخية فقط ما لم تكن هناك قوى بشرية تقوم بمسك الأرض التي يتم تحريرها من العناصر الإرهابية، وهذه الحقيقة تجلت بوضوح في العراق حيث تمكنت فصائل الحشد الشعبي التي تشكلت تلبية لنداء المرجعية الدينية من أداء هذا الدور على أحسن وجه. ولا يختلف إثنان بأن الحشد الشعبي في العراق بات اليوم يمثل عمقاً استراتيجياً يمكن المراهنة على قوته وقدراته كجزء مهم وحيوي في محور المقاومة.
5- أدركت الدول الأوروبية خصوصاً التي تواجه اليوم مشكلة إيواء النازحين بسبب انعدام الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط نتيجة الأعمال الإرهابية والنزاعات الدموية التي أثارها المخطط الصهيوأمريكي الداعم للتنظيمات التكفيرية والمتطرفة في المنطقة؛ أدركت تماماً أن حل هذه المشكلة لايمكن أن يتم ما لم يتم التعاطي بإيجابية وجديّة مع المقاومة بإعتبارها تشكل قطباً محورياً في محاربة الإرهاب، وبالتالي فإن أهمية الدور الذي تلعبه قوى المقاومة قد تضاعفت في هذه المرحلة قياساً الى المراحل السابقة، أي قبل تفاقم أزمة النازحين وسريان الإرهاب الى عمق القارة الأوروبية لاسيما بعد تعرض العديد من دولها الى هجمات إرهابية في الآونة الاخيرة بينها فرنسا.
هذه الحقائق وغيرها تؤكد أن الاعتماد على المقاومة يمثل الخيار الأفضل إن لم يكن الوحيد لدحر الإرهاب الذي يشكل خطراً حقيقياً على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً. وقد أثبتت التجربة أن الجماعات الإرهابية ومن بينها تنظيم "داعش" تفضل ترك مواقعها والهروب من المواجهة حال سماعها بقدوم فصائل المقاومة وهو ما حدث مراراً وتكراراً في العراق خلال تطهير الحشد الشعبي للمناطق المغتصبة من قبل هذه الجماعات كما حصل في آمرلي وجرف الصخر "جرف النصر" وبيجي وغيرها من المناطق في محافظات ديالى والانبار وصلاح الدين. هذه المعطيات وغيرها تجعلنا نجزم بأن المقاومة التي ولدت من رحم ومعاناة الشعوب والتي تحظى بدعم منقطع النظير من قبل إيران تعيش اليوم أوج قوتها وهي من سيحدد مصير المنطقة وسيكون المستقبل طوع إرادتها لحسم الأمور لصالح شعوبها، وأن أي محاولة لمنع تحقق ذلك ستكون مكلفة جداً لأمريكا وحلفائها الغربيين والاقليميين على حد سواء. والأوضاع الميدانية والانتصارات الباهرة التي حققتها المقاومة طيلة السنوات الماضية تؤيد ما ذهبنا إليه ويؤيده كل من يقرأ الأحداث ويراقب التطورات الميدانية من هذه الزاوية وليس من زاوية من يراهن على المشروع الأمريكي المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الذي أفشله محور المقاومة بصموده ودماء أبنائه كي تُحفظ للمنطقة عزّتها وكرامتها ويُبعد عنها شر القوى الأجنبية وعملائها الذين عاثوا في الأرض فساداً وأهلكوا الحرث والنسل ودمروا العباد والبلاد بتآمرهم وخياناتهم لشعوبهم طيلة سنوات حكمهم الأسود.