الوقت- إن رؤية طائرة "مهاجر" من دون طيار والحديث عنها لا تزال ممتعة وحلوة، لكن القوات المسلحة الإيرانية لم تكن تمتلك عدداً كافياً من تلك الطائرات من دون طيار خلال الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت في ثمانينات القرن الماضي وفي عام 1982 سمع قادة الحرس الثوري الإيراني أن هنالك طلاباً في جامعة "أصفهان" يبذلون الكثير من الجهود لصناعة طائرات من دون طيار ذاتية الدفع للتصوير الجوي وفي تلك السنوات، كانت طائرات الاستطلاع "أر إف 4" التابعة لسلاح الجو الإيراني محدودة الكفاءة ولم تكن بمقدورها التقاط الكثير من الصور الجوية، في حين كان توفير صور جوية لمناطق القتال أمراً بالغ الأهمية ولهذا فلقد ذهب العديد من هؤلاء الطلاب إلى جبهة القتال لإكمال مشروعهم، وبالفعل تمكّن أولئك الطلاب من صناعة أول طائرة إيرانية من دون طيار، تم تسميتها بطائرة "رعد" العسكرية.
وخلال تلك الحقبة الزمنية، قام عدد من الخبراء الايرانيين بإجراء العديد من الاختبارات على طائرة "رعد" في مناطق العمليات لتصحيح عيوب الطائرات من دون طيار وبعد ذلك تمكن الخبراء الإيرانيون تدريجياً من تطوير هذا النوع من الطائرات من دون طيار والتي أصبحت فيما بعد الأساس لتشكيل مقر "صناعة القدس الجوية" في عام 1984 وبعد ذلك تمكّن الخبراء الإيرانيون من صناعة طائرة "تلاش" من دون طيار والذي اُعتبرت المنتج الأول لصناعات القدس الجوية.
طائرة "إم كيو 1" الإيرانية
حادثة الـ 11 سبتمبر ودخول الاسيويين إلى ساحة المنافسة في مجال الطائرات من دون طيار
يمكن اعتبار الـ11 سبتمبر 2001 تاريخيًا مهمًا وإن كان وهميًا، حيث تم تقسيم العديد من الاحداث والأشياء قبل وبعد هذا التاريخ وخاصة المتعلقة بالقضايا العسكرية ومع وصول القوات الأمريكية وقوات "الناتو" إلى أفغانستان ثم العراق، لم تعد الطائرة من دون طيار سلاحًا خجولًا، ولكنها أصبحت النجم رقم واحد في منطقة الشرق الاوسط والعالم أجمع. يذكر أن إيران احتاجت، بعد الوجود القوي لأمريكا في شرقها وغربها، إلى تطوير قدراتها الدفاعية أكثر من أي وقت مضى ومن هنا بدأ هدير الصواريخ الباليستية الإيرانية وإطلاق صواريخ كروز في الخليج الفارسي وبعد ذلك أدرك العالم فجأة أن قوة صاروخية جديدة قد ولدت في المنطقة وأثناء ذلك قامت القوات المسلحة الايرانية بكشف النقاب عن طائرة "أبابيل" من دون طيار الإيرانية التي تمكّنت من اخترق جيش العدو والتقاط العديد من الصور لحاملة الطائرات الأمريكية التي اقتربت من المياه الاقليمية الإيرانية وعقب انتشار تلك الصور، أصبح العالم على علم بأن إيران تمكنت خلال السنوات الماضية من تطوير الكثير من الاسلحة والصواريخ والطائرات من دون طيار.
نسل جديد من طائرة "شاهد 129" من دون طيار الإيرانية المجهّزة بأنظمة تتبع ومراقبة
التطوير العلني للطائرات من دون طيار الإيرانية خلال العقد الحالي
إن العقد الحالي الذي يوشك على نهايته يمكن أن يكون عقدًا حافلًا بالأحداث والمكاسب الدفاعية الإيرانية، وخاصة في قطاع الصواريخ والطائرات من دون طيار، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون هذا العقد بداية لموسم منافسة الطائرات من دون طيار المستعرضة الصينية والصهيونية، ومن المؤكد أن تتمكن القوات الجوية الإيرانية من المضي قدما وتحقيق الكثير من الانجازات في مجال الطائرات من دون طيار والتي سوف تذهل دول العالم التي سوف تتسابق لشراء هذه الطائرات من طهران.
إن إيران اليوم وبفضل أكثر من ثلاثة عقود من التجارب والخبرة في تصميم وتصنيع الطائرات من دون طيار وربما أكثر من عقد من الخبرة في تقديم منتجاتها في هذا المجال لقوات محور المقاومة التي تبذل الكثير من الجهود لحل النزاعات الإقليمية سواء من حيث التصميم أم تجربة التصنيع، أصبحت من أفضل الدول المصنعة لهذا النوع من الطائرات في العالم.
طائرة من دون طيار من طراز "سي أتش 2" الصينية التابعة للجيش العراقي
الصين.. اللاعب الجديد الذي دخل مؤخراً في منافسة صناعة الطائرات من دون طيار
إن أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول سياسات مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية الواقعة على ضفاف الخليج الفارسي، هو أن بيع مثل هذه الطائرات من دون طيار كان محظوراً ولكن ومع بداية الحرب العبثية التي شنّها تحالف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن ومن ناحية أخرى، ظهور تنظيم "داعش" الارهابي وانتشاره في العراق وسوريا، قامت العديد من الدول العربية بالتسابق إلى أبوب البيت الابيض لدفع الكثير من الاموال لشراء مثل هذه الطائرات من دون طيار واستخدامها في حربهم العبثية ولكن البيت الابيض تعامل مع هذه الدول العربية بانتهازية ولهذا فلقد توافد قادة الدول العربية إلى الصين بعد تجرعهم لاستغلال القادة الامريكيين وبالفعل تمكنت هذه الدول العربية من شراء الكثير من الطائرات من دون طيار من الصين مثل سلسلة طائرات "سي أتش 6" وقاموا باستخدامها في الحرب اليمنية ولكن بعد مرور عدة سنوات، واجهت هذه الطائرات من دون طيار الصينية، تكتيكات الدفاعات الجوية الإبداعية والفعّالة اليمنية التي تمكنت من إسقاطها وإسقاط مثيلاتها الأمريكية التي اشترتها بعض الدول العربية من واشنطن خلال السنوات الأخيرة.
وفي ليبيا الواقعة في شمال إفريقيا، هناك قتال بين حكومة الوفاق الوطنية المدعومة من قبل الحكومة التركية والجيش الوطني الليبي تحت قيادة الجنرال "خليفة خفتر" المدعوم من قبل الإمارات وعدد من الدول العربية والغربية وفي هذه المعركة، قامت دولة الإمارات بتسليم حلفائها في ليبيا طائرات من دون طيار صينية الصنع، وقام الأتراك أيضًا بتسليم طائرات من دون طيار من طراز "بيراكتر" لقوات الجيش الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطنية، وهذا الامر أدى إلى حدوث عدد من المناوشات بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد الشمال إفريقي.
طائرة من دون طيار من طراز "بيراكتر تي بي 2" التركية
تحوّل منطقة غرب آسيا إلى أول ساحة حقيقة لمعارك الطائرات من دون طيار
كانت منطقة غرب آسيا مسرحًا للكثير من الحروب والاضطرابات لسنوات عديدة، ويرجع ذلك أساسًا إلى وجود الدول الأجنبية وجشعهم في احتلال هذه المنطقة الغنية بالنفط وفي تلك الحروب والنزاعات تم استخدام الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية وتم استخدام أيضا بعض معدات الحرب التقليدية مثل المدافع والدبابات والطائرات الحربية والمروحيات والقوات الخاصة والأسلحة الخفيفة.
واليوم أصبحت جمهورية إيران الاسلامية هي أعلى سلطة وقوة في منطقة الشرق الأوسط، وخلال السنوات الماضية تمكن الخبراء الإيرانيون من تطوير وصناعة الكثير من الاسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، وعند مقارنة وضع إيران مع وضع منافسيها، مثل الكيان الصهيوني وتركيا، نرى بأن هاتين الدولتين لا تزالا بحاجة إلى الشرق والغرب، بينما إيران لا تحاج أي شيء وذلك لأنها تمتلك الخبرة اللازمة التي تمّكنها من صناعة وتطوير الكثير من الاسلحة العسكرية. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من وجود الصين النابض بالحياة في سوق الطائرات من دون طيار والتي تقوم ببيع الكثير منها للدول العربية، إلا أن أمريكا لا تزال مترددة في تقديم مثل هذه الفئة من الأسلحة للسعوديين وبعض الدول العربية.
وفي الختام يمكننا القول أنه خلال العامين القادمين، ستكون هذه المنافسة شرسة وأكثر أهمية مما كانت عليه هذا العام والسنوات الماضية، وبطبيعة الحال فإن الدعم المالي التي يقدمه البرلمان والحكومة الإيرانية إلى جانب الروح المعنوية العالية والجهد المستمر للخبراء والمتخصصين الإيرانيين سوف يساعد إيران على مواصلة تقدمها في هذا المجال وسوف يساعدها على رفع مستوى القدرة التنافسية لها في الساحة العالمية.
