الوقت- في الأيام الأخيرة، أعاد المسؤولون السياسيون والعسكريون الأمريكيون لغة التهديد العسكري ضد طهران، وتحدثوا عن رد عسكري فوري على أي تهديد يستهدف المصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها من قبل إيران.
في هذا الصدد، نقلت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية في الأيام الأخيرة، عن اثنين من مسؤولي الدفاع في أمريکا قولهما، إن البنتاغون يدرس زيادة قواته في الشرق الأوسط إلى سبعة آلاف لمواجهة إيران.
من ناحية أخرى، تحدث وزير الدفاع الأمريكي "مارك إسبر" أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأسبوع الماضي، وأكد أن بلاده تسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، وزيادة قدرة شركاء أمريكا على مواجهة التهديد الإيراني. وأضاف: "إذا هاجمت إيران مصالحنا أو قواتنا، فستواجه رداً حاسماً".
كما حذر وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ليلة الجمعة 13 ديسمبر 2019، من أنه إذا أضرت إيران بالمصالح الأمريكية في العراق، فستواجه رداً "حاسماً". وقال في بيان: "نحتاج إلى اغتنام الفرصة لتحذير القادة الإيرانيين من أننا سوف نرد بحزم على أي هجمات من قبلهم، أو من جانب أولئك الذين يمثلونهم بأي هوية، إذا أضروا بالأمريكيين أو حلفائنا أو بمصالحنا".
تأتي تصريحات المسؤولين الأمريكيين هذه، في حين أنه منذ إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة التي انتهکت أجواء إيران في 30 يونيو من هذا العام، وتراجع واشنطن عن الرد على ذلك، تضاءلت البيئة الأمنية المحتقنة في الخليج الفارسي تدريجياً، والآن لا يريد كلا الطرفين تغيير هذه الأجواء.
لذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما هو سبب تهديدات واشنطن؟ هل يقدِّر المسؤولون العسكريون الأمريكيون عودة جولة جديدة من التوترات العسكرية مع إيران خلال الأشهر القادمة؟ يمكن البحث عن الإجابة علی هذه الأسئلة في محورين.
1- إعادة بناء التحالف في زمن عدم ثقة الحلفاء
إن السبب الأكثر أهميةً لتهديدات المسؤولين الأمريكيين ضد إيران في هذه المرحلة الزمنية، هو تأثير تطورات المنطقة في الأشهر الأخيرة، والتي أحبطت حلفاء واشنطن العرب في الخليج، لجهة الاعتماد على الدعم العسكري الأمريكي لمواجهة التحديات الأمنية.
وهي التحديات التي واجهتها بعض هذه الدول بسبب توافقها مع سياسات أمريكا في المنطقة. وفي هذه الحالة، فإن التغيير الأكثر أهميةً هو ميل السعودية والإمارات إلى التفاوض مع إيران، الأمر الذي تدعمه إيران أيضًا.
لا تربط إيران والسعودية علاقات سياسية واقتصادية منذ عام 2015، لكن المسؤولين السعوديين والأوروبيين والأمريكيين قالوا إن الممثلين السعوديين والإيرانيين تبادلوا الرسائل في الأشهر الأخيرة، وقد أجروا اتصالات من خلال وسطاء في عمان والكويت وباكستان.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريراً مؤخرًا حول الجهود السعودية السرية لتحسين العلاقات مع إيران، معتبرةً أن السبب هو قلق السعودية المتزايد من مخاطر حدوث أزمة محتملة لاقتصادها الذي يعتمد على النفط.
ويشير التقرير إلى أن اهتمام السعودية الحديث بتحسين العلاقات مع إيران وغيرها من المنافسين الإقليميين مثل قطر، يأتي بسبب قلقها من افتقارها إلى دعم أمريكا وغيرها من الحلفاء.
في الواقع، وفقًا لهذا التحليل، فإن توجُّه السعوديين إلى إعادة النظر في سياستهم الإقليمية الهجومية، هو بسبب عجزهم أو عدم رغبة أمريکا في الدخول في صراع عسكري مباشر مع إيران وحرکة أنصار الله اليمنية، في أعقاب الهجوم الصاروخي والطائرات من دون طيار على حقول النفط التابعة لأرامكو وتعطيل نصف صادرات النفط، وهو الهجوم الذي نسبته السعودية إلى إيران.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن المعني بتهديدات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة حول "الرد الحاسم" للدفاع عن مصالح الحلفاء، هم السعوديون بشكل رئيس حتی يتراجعوا عن إجراء محادثات مع طهران.
حتى يمکن أن نتوقع أن أمريكا قد تستخدم موضوع اغتيال جمال خاشقجي للضغط على ولي العهد السعودي، كوسيلة لمنع سعي الرياض لإزالة التوتر.
2- القلق بشأن التطورات في العراق
في بعد آخر، تأتي تهديدات المسؤولين الأمريكيين بالضبط بعد أن تعرَّض مقر وجود القوات الأمريكية في محيط مطار بغداد لهجوم صاروخي، مرتين على الأقل في الأسبوع الماضي.
ورداً على هذه الهجمات، نسب المسؤولون الأمريكيون الهجمات إلى "جماعات ميليشياوية تدعمها إيران". حتى أن رويترز نقلت عن مسؤول أمريكي قوله إن الهجمات ضد القوات الأمريكية المتمركزة في العراق، أصبحت أكثر عدداً وتعقيدًا يوماً بعد يوم.
في هذا السياق، يجب القول إن واشنطن تدرك جيدًا أن أعداء ومعارضي الوجود الأمريكي في العراق ليسوا قليلين. وبالنظر إلى تاريخ التدخلات الأمريكية المتعددة في شؤون العراق الداخلية، وخاصةً لدعم تشكيل الجماعات الإرهابية مثل داعش، للحفاظ على ذريعة الوجود في هذا البلد، فإن هذه الهجمات يمكن أن تنفَّذ من قبل مجموعات مختلفة.
لذلك، بالنظر إلى حاجة ترامب إلى الحفاظ علی الهدوء في ملفات السياسة الخارجية المهمة حتی انتخابات 2020، يمكن اعتبار تصريحات المسؤولين الأمريكيين نوعاً من الطلب والرجاء من البيت الأبيض إلی طهران، لاستخدام نفوذها في العراق لمنع استمرار مثل هذه الهجمات.
