الوقت- بعد ثماني سنوات من بدء الأزمة في سوريا، لا تزال المناطق الشمالية والشرقية من البلاد عرضة لمجموعة من الأزمات والقضايا التي لم تُحل حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، يمكن اعتبار الجدل الدائر حول مستقبل مدينة "إدلب" السورية، أكبر مشكلة تُثقل كاهل معظم الجهات الفاعلة المشاركة في الأزمة السورية.
في الواقع، إن وجود الكثير من الجماعات الإرهابية في مدينة "إدلب"، أو بمعنى آخر، تحوّل هذه المدينة إلى معقل للجماعات المسلحة في سوريا، والتدخل الأجنبي في تسوية المشكلة فيما يتعلق بهذه المدينة، قد خلقا الكثير من الصعوبات أمام حل هذه الأزمة التي ازدادت تعقيداً خلال الفترة الماضية.
وعلى الرغم من أن الجيش السوري أعلن رسمياً إطلاق عملية تحرير مدينة "إدلب" في يونيو 2018 وتمكّن من إلحاق الهزائم بهذه القوات الإرهابية في العديد من مناطق هذه المدينة، إلا أن التدخل الأجنبي من دول مثل تركيا وأمريكا حال دون إنهاء وجود تلك الجماعات الإرهابية في تلك المناطق.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عام على إعلان الجيش السوري، إلا أن "سيرغي لافروف" أعلن مؤخراً في مؤتمر صحفي في 17 يوليو 2019، أن هناك خطة أمريكية لإخراج جماعة جبهة النصرة الإرهابية من قائمة الجماعات الإرهابية وتحويلها إلى حزب مستقل سيشارك في المحادثات المستقبلية لحل الأزمة السورية.
وهنا يمكن القول بأن هذا العمل الأمريكي يعتبر ذا أهمية كبرى وذلك لأنه يسعى إلى إخراج جبهة النصرة الإرهابية (تحرير الشام)، من قائمة الجماعات الإرهابية، وهذا الأمر يتطلّب بالطبع آلية معقّدة. وحول هذا السياق، سوف نسلّط الضوء في مقالنا هذا على، أولاً الآلية المحتملة لإضفاء واشنطن صبغة الشرعية على جماعة جبهة النصرة الإرهابية، ثم سوف نقدّم تحليلاً يلخص أهداف أمريكا من هذا الاجراء.
الآلية الأمريكية لإضفاء صبغة الشرعية على جبهة النصرة الإرهابية
جبهة النصرة "فتح الشام" تنظيم مسلّح تشكّل إبان "الثورة الشعبية" ضد الرئيس السوري "بشار الأسد" ولقد صنّفته الحكومة الأمريكية عام 2012 كجماعة إرهابية، ثم قرّر مجلس الأمن إضافته لقائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة للقاعدة.
لقد تأسس تنظيم جبهة النصرة "فتح الشام" أواخر عام 2011 ولقد دعا السوريين في أول بيان له في 24 يناير/كانون الثاني 2012 للجهاد وحمل السلاح وبينما ترجّح مصادر أن جبهة النصرة نشأت في مدينة حمص وسط سوريا، ربطتها تقارير استخبارية أمريكية بتنظيم القاعدة في العراق ولقد صنّفتها الحكومة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2012 جماعة إرهابية، الأمر الذي رفضه ممثلو المعارضة السورية وقادة الجيش الحر، وقد قرّر مجلس الأمن في 30 مايو/أيار 2013 بالإجماع إضافة الجبهة إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم القاعدة.
وفي سياق متصل، كشف وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" أن واشنطن تسعى إلى إخراج تنظيم "جبهة النصرة" من قائمة التنظيمات الإرهابية، وجعلها طرفاً في المحادثات حول الأزمة السورية واصفاً ذلك بـ "القنبلة الموقوتة".
التخطيط لاستمرار الأزمة في سوريا وتحقيق الأهداف الاستراتيجية
إن الهدف الأول والأهم لأمريكا من التقرّب من جبهة النصرة ومحاولة إزالتها من قائمة الجماعات الإرهابية، يتمثل في مؤامرة أمريكية جديدة وخبيثة لاستمرار الأزمة في سوريا.
وحول هذا السياق، وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيفواري "مارسيل آمون تانو"، دعا وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" الدول الغربية وواشنطن إلى عدم اختلاق ذرائع لا أساس لها لعرقلة عودة اللاجئين إلى بيوتهم في سوريا، بل العمل على عودتهم وتوفير الظروف المواتية لذلك.
وأضاف قائلاً "لا نرى موقف واشنطن موقفاً مسؤولاً إزاء ما يحدث وإزاء المسألة الكردية، حيث تقوم واشنطن بجلب الأكراد إلى مناطق سيطرة التحالف شرقي سوريا".
وأكد لافروف أن أمريكا وبعض الدول الغربية تحاول إطالة أمد الأزمة في سوريا والحفاظ على تنظيم جبهة النصرة الإرهابي لأهداف جيوسياسية.
تجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي أدرج "جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب بسبب ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وذلك قبل الانتقال إلى تسميتها الجديدة "هيئة تحرير الشام" وإعلان الجولاني فك ارتباطها عن القاعدة.
كما فرض مجلس الأمن سنة 2013 عقوبات على الجبهة بتجميد أموالها على الصعيد الدولي وفرض حظر على إمدادها بالأسلحة.
ويذكر أيضاً أن هيئة تحرير الشام تسيطر على أجزاء واسعة من الشمال المحرر وتخوض معارك شرسة بالتعاون مع بقية فصائل المعارضة للتصدي للدولة السورية وروسيا في حملتهما على ريفي إدلب وحماة.
محاولة لمنع عودة اللاجئين إلى سوريا
تماشياً مع الهدف الأول، يعتزم الأمريكيون منع عودة الاستقرار والأمن إلى سوريا من خلال الحفاظ على الجماعات الإرهابية في مدينة "إدلب" وأماكن أخرى في سوريا.
إنه الهدف المهم الذي تسعى واشنطن لتحقيقه خلال هذه الفترة الزمنية، يتمثّل في منع وصول اللاجئين السوريين إلى قراهم ومدنهم وخلق أجواء متوترة في العديد من المدن السورية.
إن واشنطن تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، لتمكين بعض الجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة وأحرار الشام و ... للعب دور مؤثر في المعادلات الميدانية السورية.
وبينما عاد الآلاف من اللاجئين السوريين إلى مدنهم في الأشهر القليلة الماضية، إلا أن الإبقاء على جماعة إرهابية مثل جبة النصرة قد يكون له تأثير سلبي على منع عمليات عودة اللاجئين.
ووفقاً لذلك، تحاول أمريكا في هذا الوقت استغلال هذه الجماعة الإرهابية بأي طريقة، من أجل تقليل فرص انتصار الحكومة السورية.
