الوقت- أتى الاتفاق الاخير الذي ابرم بين الجانبين الامريكي والتركي لمحاربة الارهاب في وقت تعيش فيه الحكومة التركية الاردوغانية أصعب أيام حكمها بعد مرحلة طويلة من التفرد الكامل بالحكم. حيث اعتبر البعض وفي ظل اتهامات شبه مبرمة غربية وتركية داخلية للحكومة التركية بالتنسيق مع تنظيم داعش الارهابي وتنظيمات اخرى أن الاتفاق بمثابة نقطة التحول في السياسات التركية اتجاه الأزمة في سوريا والعراق. ومحاولة لتحسين صورتها الخارجية والمسارعة الى خلط الاوراق الداخلية التركية حتى لا تنجح المعارضة في تركيا في استثمار الفشل الانتخابي الاردوغاني في الانتخابات الاخيرة.
وتحكي التسريبات التركية عن اتفاق شبه مكتمل ومنذ فترة بين أنقرة وواشنطن والذي وضع لمساته الاخيرة الاتصال الهاتفي الذي جرى بين كل من اوباما واردوغان وينص الاتفاق على اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا خالية من التنظيمات الارهابية كداعش والنصرة بطول مئة كيلومتر وعرض يتراوح بين 40 و50 كيلومترا يمتد من بلدة جرابلس إلى مارع السوريتين. كما يفتح الاتفاق للامريكيين قاعدة انجرليك جنوب تركيا لطائرات التحالف الدولي لشن غارات على تنظيم داعش الارهابي في سوريا. وبناءا على الاتفاق يمكن لطائرات التحالف والطائرات الامريكية استخدام قاعدة انجرليك الجوية للقيام بطلعات استكشافية ومهام قتالية فوق الاراضي السورية كما ويجيز الاتفاق نفس الامر للطائرات التركية. هذا بالاضافة الى ان الاتفاق يتيح للتحالف استخدام قواعد عسكرية في ديار بكر وباتمان وملاطية جنوب شرق تركيا في حال الحاجة. كما ويشمل الاتفاق منع طائرات النظام السوري من التحليق فوق هذه المنطقة. أما وحدات حماية الشعب الكردية "YPG " فيحيدها الاتفاق من الاستهداف الا في حال سعت الى تغييرات ديموغرافية في التوزع السكاني داخل المنطقة التي تسيطر عليها.
الاتفاق ومقاربة المصالح الامريكية والتركية!
ان المراقب للشأن التركي والاردوغاني بالخصوص يعلم أن الاخير ليس مع هكذا اتفاق لا قلبا ولا قالبا. وانما ولاسباب تتعلق بنتائج الانتخابات الاخيرة في تركيا والتي بددت حلمه بتحويل تركيا الى دولة رئاسية بامتياز قد جعله يسعى من خلال هذه الخطوة الى قلب الموازين الداخلية والسعي من خلال هذا الاتفاق الى تحقيق بعض المكاسب التي تهم الداخل التركي في محاولة لاعادة الانتخابات عسى أن يوفق لاخذ الاكثرية اللازمة لتشكيل حكومة وتمرير مشاريع القوانين التي يحضر لها في مجلس النواب التركي. وتتمثل المصلحة التركية من هذا الاتفاق باقامة منطقة يصر الاتراك على تسميتها بالعازلة مقابل عدم تماهي امريكي مع هذا المطلب الى الان، في اشارة الى عدم نية امريكا مجابهة النظام السوري في تلك المنطقة. وتحقيق هذا الامر يؤدي الى انهاء الحلم الكردي باقامة حكم ذاتي لهم في كردستان الغربية كما يسمونها.
وفي نفس السياق وبعد تحقق هذه المنطقة (الآمنة) سيصار الى الدفع باللاجئين السوريين في الداخل التركي الى تلك المنطقة في محاولة لاراحة الحكومة التركية من تبعات تواجدهم في الداخل التركي والضغط على الحكومة السورية. كما وقد حصل اردوغان على موافقة ضمنية امريكية بضرب حزب العمال الكردستاني وذلك من خلال استهدافه في شمال العراق، وذلك في خرق واضح لمبدأ حسن الجوار مقابل انتقادات امريكية وغربية شكلية لهذا التدخل. هذا بالاضافة الى الاستفادة من الاتفاق لتلميع صورة الحكومة التركية بعد اتهامات دامغة لها بمساعدة تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق. ولكن كل ما ذكر لا يمكن أن يعد انجازا تركيا وانما رضوخ للضغوط الامريكية في هذه الظروف الصعبة اردوغانيا.
في المقلب الاخر فقد تمكن الامريكيون من ايجاد موطئ قدم استراتيجي لهم ولطائراتهم. فبعد أن كانت الطائرات الامريكية تضطر الى قطع مسافات كبيرة قبل الوصول الى أهدافها انطلاقا من الاردن والكويت فالانطلاق من قاعدة انجرليك يوفر عليها الكثير من ساعات الطيران لقصف أهدافها. بالاضافة الى أن هذا الامر سيسهل للامريكيين الامساك مجددا بالملف السوري من خلال تدريب المقاتلين الموالين لهم والزج بهم في الشمال السوري. وهذا الامر انما يضعف القبضة التركية والقرار التركي لدى الجماعات المسلحة. ومن المعروف أن القرار التركي هو الحاكم لدى هذه الجماعات ومنذ بداية الازمة في سوريا. وعلى صعيد آخر فان هذا الاتفاق سيريح النظام السوري بحيث أن الجبهة الشمالية ستكون بشكل او بآخر هادئة على صعيد مواجهة الجيش السوري. في مقابل سخونة بين كل من المجموعات الموالية لامريكا بغطاء من التحالف وبين تنظيمات كداعش والنصرة.
وفي خلاصة المشهد فإن تركيا قد دخلت الحرب على الارهاب تحت عنوان محاربة "داعش" وقد قبلت على مضض الواقع الذي يقول بأن النظام السوري باقٍ، وأعادت نفسها الى المرحلة الدموية من المواجهة مع حزب العمال الكردستاني "ب ك ك" على أمل تحقيق أهداف اردوغانية داخلية ضيقة. أهداف ليس من المؤكد تحقيقها في ظل الواقع التركي الداخلي والاصطفافات التي يوما بعد يوم أصبحت أقوى في مواجهة اردوغان الطامح إلى إعادة تركيا الى زمن السلطنة العثمانية.