الوقت- شهدت الساحة الميدانية في سوريا هدوءاً حذراً بعد تحرير المناطق الجنوبية وبالأخص محافظتي درعا والقنيطرة في يوليو من العام الماضي من أيدي الجماعات الإرهابية، وبعد الاتفاق بين الجانب التركي والجانب الروسي بشأن الحفاظ على خطة لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب، ومع ذلك، وخلال الأيام القليلة الماضية، حدث تغير في التطورات الميدانية وهذا الأمر يشير إلى إمكانية حدوث نزاعات كبيرة في المستقبل القريب ومن أهم الأحداث التي تؤكد هذه التكهنات، قيام القوات التركية بعبور الحدود السورية يوم أمس الاثنين وذلك من أجل تعزيز مواقعها السابقة في محافظة إدلب وبالنظر إلى هذا الأمر والتطورات الأخرى التي تحدث في الوقت نفسه، فإنه من المحتمل أن يكون هناك سيناريوهان محتملان لبدء الاشتباكات من جديد في سوريا.
ساعة الصفر تقترب من بدء العمليات العسكرية في إدلب
تعتبر محافظة إدلب السورية حالياً أكبر قاعدة للإرهابيين والفصائل المعارضة المسلحة للحكومة السورية ولكن هذه المنطقة تخضع حالياً لخيار تخفيف حدّة التوترات بموجب الاتفاق بين تركيا وروسيا، ومع ذلك، فإن سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وهيمنتها على أجزاء كبيرة من محافظة إدلب، قد يتسبّب في انهيار خطة وقف إطلاق النار في هذه المنطقة وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انهيار جميع الاتفاقيات بين موسكو وأنقرة المتعلقة بمحافظة إدلب، وفي مثل هذه الظروف، فإنه من المؤكد أن الحكومة السورية التي دعت جميع الأطراف في وقت سابق إلى اتخاذ قرار حاسم لتحرير محافظة إدلب من أيدي الجماعات الإرهابية، والتي قدّمت الكثير من التنازلات لخطط أنقرة والغرب للمضي قدماً في تنفيذ خطة وقف إطلاق النار في هذه المحافظة، سوف تغتنم هذه الفرصة وتقوم بالقضاء كلياً على جميع الجماعات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية، ولهذا فلقد تحدثت السلطات السورية خلال الأيام القليلة الماضية عن بداية هذه العمليات العسكرية التي لا مفرّ منها.
وحول هذا السياق، أكد وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد" مؤخراً في مقابلة له بأن إدلب تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي السورية، وقال: "تحرير إدلب سيبدأ قريباً وسوف تتولى قوات محور المقاومة السيطرة على هذه المدنية في نهاية المطاف". من جهته، قال الرئيس السوري "بشار الأسد": "ما نراه اليوم من حدوث اضطرابات قبل البدء بعملية تحرير إدلب يرجع إلى أن هذه العملية العسكرية هي التي سوف ترسم مصير القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة، ومن الواضح أن انتصار قوات محور المقاومة على الجماعات الارهابية سيقضي على جميع المؤامرات الأمريكية وستشكل عملية إعادة محافظة إدلب إلى الحضن السوري من جديد خطراً حقيقياً على خطط واشنطن في المنطقة ".
لقد زادت هذه التحركات العسكرية أيضاً من نطاق هذه التكهنات، فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة "اسبوتنيك" في 12 أبريل الحالي، فلقد حصل الجيش السوري على معدات عسكرية متطورة من الجيش الروسي خلال الفترة القليلة الماضية، وهو حالياً يتدرب على استخدام هذه الأسلحة لبدأ عمليات تحرير محافظة إدلب، وأشار هذا التقرير أيضاً إلى أن هذه الأسلحة المتطورة تعتبر جزءاً من صفقة أسلحة كبيرة أبرمتها الحكومة السورية مع روسيا، والتي تشمل صواريخ مطورة وكذلك أسلحة متطورة لصدّ هجمات الطائرات من دون طيار التابعة للجماعات المتمردة الإرهابية.
ومن ناحية أخرى، أدّت الهجمات الأخيرة التي شنّتها مقاتلات الكيان الصهيوني على المحافظات المجاورة لمحافظة إدلب إلى زيادة التكهنات بشأن بدء الجيش السوري بعملية تحرير إدلب، ونظراً إلى أن العمليات ضد 146 ألف إرهابي جاؤوا من 60 دولة إلى محافظة إدلب صعبة للغاية، وتحتاج إلى معدات عسكرية وصاروخية متطورة، لذلك، فإنه يجب على الحكومة السورية اتخاذ الخطوات اللازمة للقيام بعمل عسكري شامل وقوي إذا لم يتم التوصل إلى حلول جذرية خلال المشاورات السياسية القادمة.
لقد أدّت جميع هذه الأحداث إلى إعلان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالشؤون الإنسانية "نجات رشدي" في الـ 8 أبريل الحالي في مؤتمر صحفي، قائلاً: "نحن قلقون للغاية بشأن التقارير التي تلقيناها خلال الأيام القليلة الماضية حول استئناف العمليات العسكرية في محافظة إدلب السورية وذلك لأن هذه العملية قد تتسبب في هجرة ونزوح الكثير من السكان إلى المناطق القريبة من محافظة إدلب".
بدء عمليات عسكرية مشتركة ضد جماعة جبهة النصرة الإرهابية
السيناريو الآخر الممكن حدوثه في الساحة السورية، يتمثل في أن تركيا تعارض بشدة بدء عملية تحرير محافظة إدلب، وقد يؤدي المضي قدماً في هذه العملية العسكرية إلى قطع مشاركة تركيا في محادثات "أستانا" و"سوتشي".
ومع ذلك، فإن زيارة "أردوغان" الأخيرة إلى موسكو واللقاء مع "بوتين"، تعتبر جزءاً من المفاوضات السورية المتعلقة بمحافظة إدلب، ويمكن أن تركز هذه الزيارة على إيجاد طرق لمواصلة التعاون والحفاظ على خطة وقف إطلاق النار في هذه المنطقة من خلال قمع جماعة تحرير الشام الإرهابية المنتشرة فيها.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى تصريحات ممثل الرئيس الروسي في سوريا "ألكسندر لافنتيف"، الذي قال في الـ 9 أبريل الحالي فيما يتعلق بمحافظة إدلب: "إن احتمال حدوث عملية عسكرية برية ضد الإرهابيين في محافظة إدلب السورية كبير جداً، لكن هذا لن يفيد أي طرف، لأنه من الممكن حلّ هذه القضية بالاستعانة بالطرق السلمية ومع ذلك، لا يمكننا عقد اتفاق مع الإرهابيين للالتزام بخطة وقف إطلاق النار في تلك المنطقة ".