الوقت- أظهرت جميع المؤشرات الاقتصادية أن اقتصاد السعودية يعيش أسوأ أيامه بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت به نتيجة السياسة الجديدة التي بدأها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولم يعد يعرف كيفية الخروج منها، وكل محاولاته لطرح مشاريع براقة على شاكلة "رؤية 2030" باءت بالفشل وما إعلان السلطات السعودية أن 33 مؤسسة في البلاد قدّمت طلبات للبدء في إجراءات الاعتراف بإفلاسها، إلا خير دليل على مدى نجاعة مشاريع ابن سلمان.
انحدار مستمر
الاقتصاد السعودي تعرّض لضربات قاصمة خلال السنوات القليلة الماضية وهناك دراسات تفيد بأن السعودية بدأت تقترب من حافة الإفلاس، حيث يعاني القطاع الاقتصادي في السعودية، منذ نحو عامين، من ضعف القوة الشرائية، الذي تعود أسبابه إلى فرض الضرائب والرسوم على المقيمين، التي دفعت بنحو 1.3 مليون إلى المغادرة بشكل نهائي.
وتسعى الحكومة السعودية من خلال فرض تلك الرسوم إلى دفع الشركات الخاصة لتوظيف عدد أكبر من السعوديين، دعماً لرؤية ابن سلمان في خفض معدل البطالة بين مواطني المملكة إلى 7 بالمئة، إلا أن هذه السياسة انعكست بشكل سلبي على سوق العمل والناتج المحلي، خاصة أن خطة ولي العهد ترتكز على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، لكن سياسة الأمير الشاب دفعت المستثمرين للفرار من السعودية ولاسيما بعد حملة الاعتقالات التي نفّذها بحق الأمراء ورجال الأعمال في الريتز كارلتون، فضلاً عن المفاوضات التي أجراها ابن سلمان مع التجار المحتجزين وحصوله على أموالهم أو جزء منها مقابل حريتهم والتي وصل مجموعها إلى 100 مليار دولار، ليتبع هذا الأمر فضيحة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي والتي أثرت على اقتصاد السعودية والاتهامات التي وجّهت لولي العهد السعودي وضلوعه في هذه الجريمة، ولاسيما أنها تزامنت مع انعقاد مؤتمر دافوس الصحراء والذي تغيّب عنه الكثير من رجال الأعمال، ناهيك عن تكلفة حرب اليمن التي سببت أزمة كبيرة للاقتصاد السعودي.
شركات تجارية تعلن إفلاسها
أثارت خسائر الشركات التجارية تساؤلات عديدة عبر مواقع التواصل، مع صمت إعلامي تام عنها، وترويج بعض الكتّاب لارتفاع معدلات النمو، وانخفاض نسب البطالة، بحسب قولهم. وطالب ناشطون الجهات المختصة بتوضيحات رسمية من الشركات لأسباب خساراتها الفادحة، وحذّر ناشطون من استمرار الخسائر الاقتصادية للشركات المساهمة، بسبب نهج الحكومة الذي أقر لمصلحة خطة "2030"، والتي يخشى سعوديون من عدم نجاحها.
وفي هذا الإطار أعلنت مجموعة من كبرى الشركات التجارية في السعودية عن تقاريرها المالية للعام 2018، بخسائر فادحة، وصلت إلى مئات الملايين من الريالات.
ورصدت صحيفتا "الاقتصادية"، و"CNBC Arabia"، أبرز الشركات التي أعلنت عن خسائر فادحة في العام 2018، كان على رأسها شركة "نادك" للألبان، التي وصلت نسبة خسائرها إلى 490 بالمئة.
شركة "إعمار المدينة الاقتصادية"، تراجع نموها في آخر تقرير إلى 72 في المئة، فيما وصلت خسائر "أميانتيت العربية"، المختصة بتصنيع الأنابيب على مستوى العالم العربي، إلى 270 بالمئة، وتكبّدت شركة "طوكيو مارين" خسائر في الربع الأخير من العام 2018، وصلت إلى 13 مليون ريال.
وبسبب الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها، أعلنت شركة "العقارية السعودية" عدم تمكّنها من نشر نتائجها المالية للعام 2018 في الوقت المحدد.
ومن بين أبرز الشركات المتضررة من الأزمة الاقتصادية، الشركة السعودية لصناعة الورق، والتي أعلنت أن خسائرها بلغت 114 مليون ريال.
وبعد سلسلة من الإخفاقات التي قصمت ظهر الشركات التجارية في السعودية، نشرت لجنة الإفلاس في المملكة 33 إعلان منشأة طلبت الشروع في إجراءات تصفية، ليتصدر قطاع المقاولات قائمة الإعلانات بـ14 طلباً، أي ما يزيد على 42 بالمئة من إشهارات الإفلاس المنشورة، بحسب موقع اللجنة الإلكتروني.
وأكدت لجنة الإفلاس أن الحد الأدنى لقيمة الدين الذي يؤدي بالدائن لطلب التصفية هي 50 ألف ريال (حوالي 190 ألف دولار أمريكي)، وأشارت إلى أن طلب افتتاح أي من إجراءات الإفلاس متاح حالياً عن طريق التقدم إلى المحكمة التجارية، عبر النموذج في بوابة نظام القضاء التجاري، واختيار الخدمات القضائية، وتسجيل الدخول، ومن ثم اختيار طلبات الإفلاس، واستكمال إجراء التقديم، ويمكن الوصول إلى الخدمة من خلال زيارة بوابة نظام القضاء التجاري في الموقع الإلكتروني لوزارة العدل.
وفي هذا السياق تستعد لجنة الإفلاس لتنظيم "المؤتمر الأول لتسوية حالات الإفلاس" الذي سيعقد في الرياض يومي 29 و30 نيسان 2019، برعاية وزير التجارة والاستثمار، ماجد بن عبدالله القصبي.
وتقول اللجنة إن المؤتمر "يقدّم نظرة شاملة حول الأثر الإيجابي الذي تصنعه القوانين التي تعمل على تسوية حالات الإفلاس من تهيئة بيئة استثمارية جاذبة تحمي المنشآت الاستثمارية وتدعم استمرار نشاطها، الاقتصادي، ويطرح ذلك انطلاقاً من أحدث الممارسات الدولية والمحلية في ضوء إجراءات نظام الإفلاس الجديد... وهي إجراءات التسوية الوقائية وإجراءات إعادة التنظيم المالي والتصفية".
وأوضحت أن انعقاد المؤتمر بالتعاون مع الجهات المشاركة في تمكين نظام الإفلاس في السعودية وعدد من أعرق المنظمات الدولية المتخصصة، وحضور دولي ومحلي رفيع المستوى، لتسليط الضوء على أهمية النظام في منظومة الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال.
في الختام.. هل تتحقق توقعات صندوق النقد الدولي التي طرحها في العام 2015 عن أنه خلال مدة خمس سنوات قد تجد دول خليجية وعلى رأسها السعودية نفسها غارقة في عجز مالي.
توضّح توقعات صندوق النقد الدولي أن السعودية تحتاج من أجل التغلب على العجز الحاصل في الموازنة إلى وصول سعر البرميل الواحد من النفط إلى 106 دولارات.
ويشرح تقرير المؤسسة المالية أن الرياض يمكنها الصمود خمس سنوات في حال بقيت أسعار الذهب الأسود على ما هي عليه الآن، لكن بعد مرور تلك الفترة قد تجد السعودية نفسها دون سيولة مالية.