الوقت- لم يكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يفصح عمّا في جعبته تجاه لبنان خلال جولته الإقليمية، حتى تلقّى سيلاً من الردود التي توزّعت ما بين الرسمي والشعبي.
وبعد أن أنهى بومبيو زيارته إلى الكيان المحتلّ والتي اعتبر فيها أن "الرئيس دونالد ترامب قد يكون هدية من الرب لإنقاذ اليهود من إيران"، وصل إلى بيروت، ليبدأ بجدول أعمال الزيارة التي استهلّها بالتحريض على حزب الله.
وفي حين يتلخّص العنوان الرئيس لزيارة بومبيو إلى بيروت بإنقاذ الكيان الإسرائيلي من الواقع الذي يعيشه بعد التطورات الأخيرة في سوريا وفلسطين، فإن جدول أعماله تضمّن ثلاثة محاور رئيسيّة وهي كالتالي: حزب الله، الحدود البحريّة وملف النازحين.
حزب الله
بدت لغة بومبيو تحريضية بامتياز تجاه حزب الله وهذا ما كان متوقّعاً، ولعل ما يسمعه اللبنانيون من نتنياهو في الشاشات، استمعوا إليه من الوكيل بومبيو بشكل مباشر.
لكن ما سمعه بومبيو من الرئاسات الثلاث ووزير الخارجيّة كان مزعجاً له، فقد دافع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل بقوة عن حزب الله والشريحة الكبيرة التي يمثّلها في الداخل اللبناني، فضلاً عن النتائج التي حقّقها من خلال الانتخابات النيابية الديموقراطية التي يرفع بومبيو شعاراتها.
الرئيس الحريري وإن بدا ردّه أقل حدّة في حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، إلا أنه قدّم لضيفه شرحاً وافياً عن الواقع السياسي اللبناني، وهو الذي يدركه بومبيو جيداً من رئاسته للاستخبارات، إلا أن هذا الشرح بدا وكأنه يهدف للتنصّل من الالتزامات التي يريدها بومبيو أكثر منه شرحاً توضيحياً.
لم يبدُ بومبيو واقعياً في تعاطيه مع مسألة حزب الله، حتى بالنسبة لأولئك الذين يختلفون سياسياً مع الحزب، بل مثّل الموقف الإسرائيلي رغم إدراكه أن هذا الحزب نفسه هو الذي حرّر الأرض المحتلّة من قبل الإسرائيليين، وهو الذي يمنع اليوم الطائرات الإسرائيلية من استهداف الأراضي اللبنانية في إطار معادلة الردع التي كرّسها.
الحدود البحرية
في قضّية الحدود البحريّة، حاول بومبيو إجبار اللبنانيين على التخلي عن ثرواتهم لمصلحة الكيان الغاصب، في مشهد مشابه لما فعله ترامب مع الفلسطينيين في القدس من خلال نقل السفارة، وما يريد فعله مع السوريين من إخلال إعلان سيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان السوري المحتلّ.
حاول بومبيو الضرب على وتر الاستثمار عند حديثه عن المنطقة البحرية، لكن الرئيس برّي أخبره على استعداد لبنان للسير وفق الاتفاق السابق، أي برعاية الأمم المتحدة، ما يعني عدم الفصل بين الحدود البرية والبحرية.
في هذا الشق أيضاً، لم يسمع بومبيو ما يرضيه من اللبنانيين الذين أظهروا وحدة وصلابة موقفهم على مستوى الرئاسات في التصدي لأطروحات بومبيو الإسرائيلية، بما يشكّل منعة للموقف اللبناني وحصانة لسيادة لبنان واستقلاله.
النازحون السوريون
لم يعر بومبيو أيّ اهتمام للأعراف الدبلوماسيّة ليتخطى حدود السياسة في تدخله في الشؤون الداخلية للبنان، محاولاً فرض أجندة بلاده على لبنان فيما يخص النازحين السوريين حيث ربط عودتهم بالظروف المناسبة وبالحل السياسي دون أن يعير أيّ اهتمام للأعباء التي يتحمّلها لبنان.
لكن الرئيس اللبناني ميشال عون رمى الكرة في ملعب بومبيو حيث طلب مساعدة واشنطن في إعادة النازحين التي تبدو سلبية بامتياز.
ورغم أن موقف بومبيو من حزب الله لم يفاجئ الكثيرين، إلا أن موقفه في ملف النازحين قد فاجأ الكثيرين بسبب تعارضه التام مع مصالح لبنان، لكن المقاربة التي قدّمها الرؤساء الثلاث في قضية النازحين هي مصلحة لبنان أوّلاً وآخراً.
بومبيو في هذه الزيارة التي يحمل فيها سمّة دبلوماسيّة تتمثّل في وزارة الخارجيّة الأمريكي، بدا متأثراً جدّاً بمنصبه السابق في رئاسة الاستخبارات، لكن حساب الحقل الأمريكي الإسرائيلي المشترك، لم يكن كحساب البيدر اللبناني الذي أجاب بومبيو بصراحة: أولاً حزب الله حزب لبناني وليس إرهابياً، وثانياً لن نتنازل عن حقوقنا البحرية، وثالثاً بما أن وجود النازحين السوريين يشكّل عبئاً كبيراً على لبنان لن ننتظر الحل السياسي في سوريا. إذن، لم يسمع بومبيو ما يرضيه في الملفات الثلاث، وبالتالي يمكن الجزم بأن مفاوضات بومبيو قد فشلت في بيروت، ولا شكّ أن التضامن الوطني والوحدة الوطنية التي ظهرت في مواقف الرؤساء الثلاث ووزير الخارجيّة ستنعكس بشكل إيجابي على الداخل اللبناني عبر إفشال الخطة الأمريكية المعدّة تجاه لبنان، ولعل بومبيو أدرك جيّداً أن أي خطوة أمريكية متهوّرة تجاه بيروت ستنعكس سلباً على الدور الأمريكي في هذا البلد.
في الخلاصة، ما فشل الكيان الإسرائيلي في تحقيقه بالأصالة في لبنان، وما فشلت الجماعات التكفيرية في تحقيقه بالوكالة في هذا البلد، يسعى بومبيو اليوم لتحقيقه عبر فتنة داخلية تسعى لإعادة لبنان إلى عهد الحرب الأهلية التي دامت أكثر من 15 عاماً، ولكن ما حقّقه بومبيو بعد هذه الزيارة هو العودة إلى واشنطن بخفي حنين لا أكثر.