الوقت - بعد نجاحه بتأمين دمشق وريفها، بدأ الجيش السوري يحشد لمعركة تحرير جديدة وعينه على الجنوب هذه المرة، بعد أن أصبح الطريق أمامه لتطهير درعا من الجماعات الإرهابية المسلّحة سالكاً بانتظار صفارة الانطلاق للوصول إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.
الجيش السوري وبالتوازي مع حشد قواته ومعداته لفتح جبهة الجنوب بدأ بإلقاء المنشورات فوق المناطق الخاضعة لسيطرة المسلّحين وتوجّهت المنشورات إلى أهالي درعا تدعوهم إلى مشاركة الجيش في طرد الإرهابيين، حيث كتب في أحد المنشورات "أمامك خياران، إما الموت الحتمي أو التخلي عن السلاح، رجال الجيش العربي السوري قادمون، اتخذ قرارك قبل فوات الأوان".
الخطوة السورية المرتقبة أثارت حفيظة واشنطن على الفور، إذ سارعت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إلى التحذير من أن بلادها ستتخذ إجراءات حازمة ومناسبة ردّاً على عملية عسكرية سورية باتجاه الجنوب، ودفع الخوف الأمريكي على "حدود إسرائيل"، البيت الأبيض إلى تقديم تنازلات مهمّة مقابل عدول الجيش السوري عن عمليته العسكرية، ومنها إبداء استعداده لتفكيك قاعدة التنف العسكرية على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن مقابل الحصول على ضمانات روسية بمنع الجيش السوري من التقدم نحو جنوب البلاد، ونشرت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية أن واشنطن مستعدة للانسحاب من التنف مقابل عدم سماح روسيا بوجود إيران على الحدود الجنوبية السورية، مؤكدة أن التهديدات بشأن تنفيذ عملية هجومية في جنوب سوريا، أثارت انزعاج واشنطن بشكل كبير باعتبار أن هذه المنطقة تعتبر جزءاً من منطقة خفض التصعيد وفقاً لاتفاقيات عمان، بحضور كل من روسيا وأمريكا والأردن، خلال سنة 2017.
وفي مسعى لخلق مزيد من البلبلة على سيناريو الأحداث المرتقبة في الجنوب السوري، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "موافقة" إسرائيل على انتشار قوات الجيش السوري على حدود الجولان بعد وساطة روسية، لقاء وعود روسية بعدم وجود الإيرانيين وحزب الله هناك، وتتحدث مصادر "إسرائيلية" عن أن وزير الحرب أفيغدور ليبرلمان سيتوجه إلى موسكو لإبلاغها بموافقة "إسرائيل" على السماح لقوات الحكومة السورية بالانتشار على حدودها الشمالية مع الجولان المحتل.
الحرب الدعائية الإسرائيلية لاقت على الفور ردّاً روسيّاً رفيع المستوى، إذ نفى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أي علمٍ لموسكو حول ما يقال عن اتفاق روسي "إسرائيلي" بشأن الحدود الجنوبية لسوريا، وأشار بوغدانوف إلى أنّ بلاده دعمت فكرة عقد اجتماعٍ ثلاثي روسي أردني أمريكي حول منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا، وتأتي تصريحات بوغدانوف كتأكيد إضافي لكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أشار صراحة إلى أن قوات الجيش السوري هي الوحيدة التي يجب أن ترابط على الحدود الجنوبية لسوريا، مؤكداً أن الاتفاق على إنشاء منطقة خفض التوتر جنوب غربي سوريا نصّ منذ البداية على أن القوات السورية فقط يجب أن تبقى على تلك الحدود.
وتنظر عمّان بأهمية بالغة لحدودها الجنوبية مع سوريا وأعربت عن اتفاقها مع الحكومة السورية بضرورة انتشار القوات الحكومية السورية على طول الحدود الجنوبية مع الأردن بما يشمل الجولان المحتل، في حين تنظر واشنطن وتل أبيب إلى التطورات على الجبهة السورية من منظار مختلف، وهمّهما الأكبر منع أي وجود إيراني بشكل مباشر أو غير مباشر قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما يعدّ أمراً محسوباً لدى دمشق وطهران وحزب الله، فالقرار بتفعيل المقاومة في الجنوب السوري اتخذ منذ فترة طويلة على أعلى المستويات لدى محور المقاومة والبنى التحتية اللازمة لهذه الخطوة أصبحت شبه منتهية.
وعلى المقلب الآخر اشتعلت صباح يوم الخميس المواجهة بين فصائل الجماعات المسلحة في محافظة درعا، إذ شهد الجنوب السوري اشتباكات عنيفة بين جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى، في حين ألقت الأخيرة بمنشورات في مدينة درعا تدعو إلى "النفير ضد النظام السوري"، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: "شهدت جبهات حيط وسحم الجولان وجلين، في القطاع الغربي من ريف درعا، تبادلاً لإطلاق النار بين فصائل المعارضة وجيش خالد بن الوليد، وسط قصف من الأخير على بلدة حيط".
وتسيطر الفصائل الإرهابية المسلحة التي تعمل تحت مظلة النفوذ "الإسرائيلي" والأمريكي وبمباركة الأردن، على نصف مساحة محافظة درعا، وعلى أجزاء من المدينة في مركز المحافظة، حيث توجد هذه الفصائل الإرهابية في المدينة القديمة الواقعة في القسم الجنوبي من درعا، وتتوزع السيطرة في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة السورية في جنوب البلاد على فصائل "الجبهة الجنوبية" التي دعمتها دول إقليمية بالسلاح عبر ما عرف بـ"غرفة الموك" في الأردن، وهي صاحبة السيطرة الكبرى على الأرض، إضافة لوجود المئات من عناصر هيئة تحرير الشام النصرة سابقاً)، وحضور محدود لحركة أحرار الشام، فيما يحتفظ تنظيم داعش بوجود محدود عبر "جيش خالد بن الوليد" في منطقة واقعة بين سوريا والأردن وفلسطين المحتلة، في حين يسيطر الجيش السوري على الجزء الأكبر من المدينة المتمثلة بالجزء الجنوبي، حيث الأحياء الحديثة وجميع مقرات مؤسسات الدولة.