الوقت- بعد مد وجزر من التجاذبات التي جاءت بها أمواج الأحداث الأخيرة، صدر مؤخراً قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن بالعفو العام عن أولئك الذين شاركوا في فتنة ديسمبر وطي صفحتها التي انتهت بمصرع من دعى إليها، وبحسب المجلس السياسي الأعلى فإن هذا القرار يأتي إيماناً بصدق التوجه الوطني وتعزيزاً لمبدأ الأخوة بين أبناء هذا الوطن، واستشعاراً بأهمية وحدة الصف اليمني، وانطلاقاً من الالتزام المطلق في الحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أبنائه، وحرصاً على لم الشمل وتجاوز الأثار المؤسفة الناتجة عن تلك الأحداث المؤلمة التي خطط لها العدوان الخارجي مسبقاً بالتنسيق مع بعض الخونة في الداخل، وتأكيداً على مبدأ الشراكة بين أبناء الوطن بمكوناته السياسية، ودحضاً للمزاعم الكاذبة التي ترددها أبواق إعلام العدو الخارجي التي تهدف إلى شق الصف، وتفكيك النسيج الإجتماعي والوحدة الوطنية وبما يضر بالمصلحة العليا للوطن. وتضمنت مواد القرار العفو عن كل يمني مدني شارك في فتنة خيانة ديسمبر 2017م وحتى تأريخ هذا القرار، والإفراج عن كل موقوف بسبب تلك الأحداث.
خيرٌ من أن لا يأتي
تأخر القرار كثيراً فيما يتعلق بتوقيت صدوره، إذ كان لا بد أن يصدر عقب الأحداث مباشرة ليقطع الطريق أمام أبواق الفتنة المؤججة للضغينة والفرقة والإقتتال، ويمسح ذرات الخوف من قلوب أولئك الذين تمت تعبئتهم والتغرير بهم فقصدوا محافظتي مأرب وعدن للإلتحاق بركب الإرتزاق السعودي والإماراتي. وبالمقابل كان تأخره إيجابياً ليكشف الأقنعة الصلدة، ويفرز المنتحلين للوطنية بمحتواها الهجين، إلا أن القرار رغم كل شيء كان هاماً وضرورياً لترسيخ مبدأ التسامح والإخاء وتجاوز عقدة الأنا بتفعيل السلام السياسي والإجتماعي لتضميد الجروح ولم الشمل وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الغاشم ومؤامراته الخبيثة.
إستثناءات
أستثنى القرار في إحدى مواده من ثبت ارتكابه لجريمة قتل أو الشروع فيها، ومن ثبت تورطه في التخطيط لتلك الفتنة أو التخابر مع تحالف العدوان من اجلها. ومن هذا المنطلق فإن القرار أستثنى مجموعة من الشخصيات كانت ستشكل عودتها للمشهد عقبة في تطبيع الحياة بعد الأحداث الأخيرة، كون الأوضاع الأمنية والإجراءات الوقائية تستدعي هذا الاستثناء، لكن كمرحلة أولى يمكن تجاوز كل ذلك في إطار مصالحة وطنية لا تستثني أحد من القوى السياسية الداخلية تمهيداً لشراكة تسمو فوق كل جروح وإفرازات المراحل السابقة، وتدفن كل سلبيات الماضي تحت سقف مصلحة الوطن العليا وسيادته واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه.
إصطفاف وطني
تمر اليمن حالياً بأوضاع إستثنائية خصوصاً بعد محاولات الإنشقاق الأخيرة التي تسببت في مواجهات أحدثت شرخاً بين شريكي الجبهة الداخلية، وبالتالي فإن المرحلة تستوجب الإصطفاف الوطني اللامشروط، وعدم الإلتفات للإمور الجدلية التي تثبط العزائم وتمنح العدوان ثغرات ميدانية للتقدم براً بمساعدة المرجفين والمنشقين الصامتين. وفي هذا الإتجاه يدعو كل الناشطين والشباب شركاء الداخل إلى ردع وضبط كل من تسول له نفسه محاولة تفجير الأوضاع الأمنية كونها أعمال غير مسئولة وستترتب عليها نتائج غير محمودة العواقب، ويجمع اليمنيون على أن المرحلة مرحلة جهادية وليست مرحلة تصفية حسابات لأي طرف؛ فهذا من شأنه إبراز نتوءات من الانشقاقات والخلافات التي ستخدم بالتأكيد العدوان الخارجي.
لا خلاف مع المؤتمر الحزب
لا يختلف إثنان أن المواجهات الأخيرة لم تكن سوى مواجهة مباشرة مع الرئيس السابق فقط، وتمثلت في صدام مع مخطط فتنوي خياني أنتهى بسقوطه وسقوط رموزه في هذا المخطط، ولم يكن بالمطلق صداماً أو مواجهة مع المؤتمر الشعبي العام كحزب سياسي، وعليه فإن المؤتمر هو المعني اليوم بترميم بنيته الحزبية وبلورة خطابه السياسي على ضوء متغيرات الأحداث الأخيرة، مع التأكيد على موقف الحزب المشرف ضد العدوان منذ اللحظة الأولى، ويعول اليمنيون في هذه المرحلة على مثل هذه المواقف الوطنية الشريفة للقوى اليمنية الحية، التي لا تتقوقع حول اليافطات الحزبية التقليدية والأختام والصفات التنظيمية؛ ولا تكتفي بالأقوال وهي بعيدة كل البعد عن الأفعال.
حصان طروادة
كان رهان العدوان كبيراً على نتائج الفتنة الداخلية الأخيرة، لذلك ادخرها إلى المراحل الأخيرة من الحسم، ولم يكن يتوقع البتة أن تنتهي المعركة بهذه السرعة، وأن يسقط مخططه الخياني كـأوراق الحرير، حينها لم يتمالك العدو نفسه وهو يتشطط غضباً ويترنح انهياراً، ليظهر السفير الأمريكي"تولر" في إجتماع علني في الرياض بـ "دمى إخوان اليمن" موكلاً لهم الدور القادم من الفوضى والانتحار، وداعياً من خلالهم ما أسماه "القبيلة اليمنية" إلى الثورة والإنتفاض ضد الوطن بالتوازي مع ركض الحصان الجديد. لكنه لم يدرك بعد أن هذا الحصان العجوز قد تهالك سلفاً وسقط أرضاً في وحل العمالة بتكرار فعله الخياني وجرائمه المتتابعة بحق هذا الشعب منذ زمن بعيد.
ويبقى السؤال:هل فعلاً وصل الضعف والعجز والوهن بقوى العدوان لتعول على ظهر هذا الحصان ليوصلها ومخططاتها الصهيونية إلى بر الأمان الإفتراضي..؟؟