الوقت- يرى الكثير من الخبراء في الشأن العراقي صله مباشرة بين زيارة الأربعين وولادة الحشد الشعبي. ولعل هذا الأمر أحد الأسباب الرئيسية لإضفاء نوعاً من القدسيّة على الحشد الشعبي، كون قدسيّته مستمدّة من زيارة الأربعين.
لا ينكر أصحاب هذا الرأي دور فتوى المرجعية الدينية التي أصدرها المرجع الديني السيّد علي السيستاني (13 حزيران 2014) في تشكيل الحشد، إلا أنّهم يرونها بمثابة الحجة الظاهرة التي تستند إلى حجّة باطنة عنوانها الأبرز زيارة أربعين سيّد الشهداء.
ورغم أن العديد من الصحف العالمية قد ربطت مراسم الأربعين وزيارة ضريح الإمام الحسين(ع) بانتصارات الجيش السوري والعراقي وأفول نجم "داعش"، إلا أنّها لم تأتِ على ذكر قوّات الحشد الشعبي في خطوة تهدف لذكر نصف الحقيقة بغية نسفها بالكامل. لذلك، يمكن الإشارة إلى حقيقة الصلة بين الزيارة والحشد في جملة من النقاط، نذكر منها:
أوّلاً: رغم أن الواجب الوطني، إلى جانب الواجب الديني، أحد أبرز أسباب الحضور الواسع في الحشد الشعبي، إلا أنّه لا يمكن فصل مواجهة الظلم عند المسلمين الشيعة عن ثالث أئمة أهل البيت عليهم السلام، الإمام الحسين(ع). اليوم تعدّ زيارة الأربعين أكبر تجمّع ديني في العالم عنوانه الأبرز مواجهة الظلم والانتصار للحق، وبالتالي إن الكثير من القناعات التي تشكّلت لدى أبناء الحشد، أو الآباء والأمهات الذين أرسلوا أبنائهم إلى جبهات المواجهة مع الإرهاب الداعشي، قد عُقدت نطفته الأولى في هذه الزيارة. قد لا يدرك من لم يعاين زيارة الأربعين التي عشناها قبل يومين معنى هذا الكلام، إلا إذا ما عاينها على الأرض.
ثانياً: يستمد أبناء الحشد الشعبي شرعيتهم الدينية من زيارة الأربعين، إضافةً إلى فتوى الجهاد الكفائي والشرعية القانونية والسياسية التي حصلوا عليها في البرلمان العراقي (الشرعية الدينية أو ما يصطلح عليها بالشرعية العاموديّة، مقابل الشرعية الأفقيّة أو شرعيّة الشارع). كذلك، شكّلت زيارة الأربعين بيئة خصبة لملبّي نداء المرجعية الدينية في إنشاء الحشد الشعبي والذود عن البلاد ضد الإرهاب الداعشي. يوضح العديد من المنخرطين في "الحشد" أنّهم قد حسموا أمرهم بالتوجّه لجبهات القتال أثناء المشي بين النجف وكربلاء حيث ساعدتهم بيئة "الأربعين" الحاضنة للجهاد في التغلّب على التردّد الذي عاشوه لمدّة خمسة أشهر تقريباً، الموعد الفاصل بين إصداء الفتوى وأول مسيرة أربعين عام 2014. ممثل المرجعية الدينية في العراق الشيخ عبد المهدي الكربلائي اعتبر مؤخراً ان الانتصارات المتحققة في العراق هي ثمار زيارة الأربعين، مؤكدا أن المقاتلين لم يحصل لديهم ملل او كلل رغم مرور اربع سنوات على قتال داعش.. وكل هذه الأمور جاءت من زيارة الأربعين.
ثالثاً: بصرف النظر عن البعد السياسي لضرورة بقاء الحشد الشعبي في ظل التحديات التي يشهدها العراق، إلا أن أصحاب الرأي القائم بالصلة بين الأربعين والحشد يؤكدون ضرورة بقاء الحشد طالما تبقى الزيارة قائمة. يرى أصحاب هذا الرأي أنّه لو كانت الحجّة الشرعية تستند فقط إلى فتوى الجهاد الكفائي لانتهت مع ارتفاع السبب الذي أدّى إلى ظهورها، أي زوال تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّ ارتباطها بما هو أبعد من الفتوى يؤكد ضرورة بقاء الحشد في المرحلة التي تلي تنظيم داعش الإرهابي.
رابعاً: عندما تسأل أُم شهيد، شهيدين أو ثلاثة ارتقوا في مواجهة الإرهاب الداعشي تأتيك الإجابة "فدا الحسين والعباس". هذا الزخم المعنوي ورغم أنّه متأصّل ومتجذّر في نفوس المسلمين الشيعة في العراق، إلا أن لزيارة الأربعين مكانتها في ترسيخ هذا الزخم المعنوي. لمن لا يعلم، عانى المسلمون الشيعة بشكل عام، والشعب العراقي على وجه الخصوص، كثيراً خلال زيارة الأربعين على مدى العصور ففي أيّام المتوكّل العباسي، على سبيل المثال لا الحصر، عمد الى قتل زوّار الحسين(عليه السلام) وسمل عيونهم وقطع أيديهم كل ذلك محاولة للمنع من زيارته، إلا أنّه فشل لينتهي به الأمر بفرض الجزية لتكون المنفعة أكبر للدولة!
خامساً: تعدّ تشكيلات الحشد الشعبي صورة مصغّرة عن زيارة الأربعين المليونية التي غدت في عصرنا أيقونة للوحدة بين جميع المسلمين من شتى أصقاع الأرض، فلم تعد هذه المناسبة حكراً على طائفة بعينها بل باتت هذه المناسبة تمثل جميع طوائف المسلمين وجميع أحرار العالم. الحشد الشعبي، وكما زيارة الأربعين، لم يكن حكراً على المسلمين الشيعة، رغم أنّهم يشكّلون قوامه الأكبر، بل هناك قوات متشكّلة من مختلف الطوائف والمذاهب والأعراق.
يخطئ من يعتقد أن مظاهر زيارة الأربعين منحصرة في شهر صفر (العشرون منه)، بل إن أبعادها وارتداداتها تمتدّ على طوال العام. هناك مظاهر عدّة تعدّ بلورةً لزيارة الأربعين المليونية حيث تُعقد نطفتها الأولى هناك، والحشد الشعبي أحد أبرز مظاهر تبلور زيارة الأربعين.