الوقت- أفضى لهيب الحرب الضروس في غزة إلى فتورٍ وامتعاضٍ بين صفوف الصهاينة، فانكفأت طائفةٌ منهم عن حمل السلاح، وزهدت شبّانهم في ميادين الخدمة الإلزامية، وهجر الكثيرون منهم خدمة الجيش صاغرين، فكان من ذلك ما أقلق مضاجع قادته وفتّ في عضد آلته الحربية.
وفي محاولةٍ بائسة لترقيع الخلل وسدّ الثغرات، كشفت الأوساط الصهيونية عن نيتها دفع أبناء العمال الأجانب المقيمين في الأرض المحتلة إلى محرقة الخدمة العسكرية، وتشير الإحصاءات الصادرة عن دوائر الاحتلال الرسمية إلى أنّ في فلسطين المحتلة أكثر من ثلاثة آلاف عاملٍ أجنبي، يرون فيهم وقودًا لفرقة قتالية كاملة قد تنهض ببعض ما خمد من وهج جيشهم المُنهك.
ورغم أن المؤسّسة العسكرية أعربت عن تحفّظها حيال الأمر، خشية تداعياته القانونية والأمنية، إلا أنّها صرّحت، على مضض، بأنها ستخضع لتوجيهات أصحاب القرار من الساسة إن فُرض الأمر عليها في إطار تشريعي مُلزم.
وقد سبق للقناة “السابعة” العبرية أن كشفت عن مساعٍ حثيثة لاستقطاب اليهود من الشتات، واستمالتهم للقدوم إلى الأراضي المحتلة لقاء أجورٍ مُجزية، لرفد صفوف الجيش التي أخذ النقص يأكل في أطرافها منذ شنّ الحرب على غزة.
الإحصاءات تفضح العجز
وللأرقام لغةٌ لا تكذب، إذ خلصت بيانات محدثة من قلب الأراضي المحتلة إلى أن المؤسسة العسكرية تعاني نزيفًا حادًا في كادرها البشري، فقد أظهرت استطلاعات رأي داخلية تراجعًا مقلقًا في صفوف من يرغبون في الاستمرار بالخدمة، إذ هبطت نسبة الضباط الراغبين بالبقاء إلى 63%، بعد أن كانت 83% في عام 2018، وتدنت نسبة ضباط الصف الراغبين في الاستمرار إلى 37%، بعد أن كانت 58% في ذات العام.
وتُظهر التقارير أن الجيش الإسرائيلي مقبلٌ على عام 2026 ونقصٌ حاد ينهش صفوفه، حيث يفتقر قرابة 1300 ضابط في الرتب المتوسطة، من ملازمين ونقباء، فضلًا عن غياب ثلاثمئة رائد إضافي، وذلك وفق ما أوردته القناة الثانية عشر.
جذور الأزمة
وما زاد الطينة بلّة، ما أفاد به تقرير شعبة القوى البشرية في الجيش، ومفاده بأنّ نحو ستمئة جندي محترف يعتزمون التقاعد مبكرًا هذا الشهر، فيما أظهرت مؤشرات التوظيف عزوفًا عامًا لضباط الصف عن مواصلة رحلتهم العسكرية.
وقد صرّح العميد “أمير وادماني”، رئيس هيئة شؤون الأفراد في جيش الاحتلال، أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قائلًا: “ثمّة فجوات عميقة في منظومة التجنيد والتوظيف، نسدّها بترفيع صغار الجنود عديمي الخبرة لسدّ المواقع الشاغرة، فيما نعاني من غياب البدائل المؤهلة”.
وفي السياق ذاته، أقرّ “إيال زامير”، رئيس الأركان الصهيوني، بفداحة أزمة القوى البشرية، وأشارت تقارير إلى امتناع نحو 80 ألفًا من الحريديم، وهم من المتدينين اليهود المتشددين، عن أداء الخدمة العسكرية، على الرغم من انطباق شروط التجنيد عليهم، وهو ما يشكّل رافدًا ضئيلًا في الاحتياجات العسكرية.
وأكدت القيادة العسكرية أنها بحاجة ماسّة إلى ما لا يقل عن 12 ألف عنصر جديد لملء الفراغات القاتلة في صفوفها.
نذر انهيار وشيك
أما التحذير الأشدّ فقد جاء من فم الجنرال الاحتياطي والمحلل العسكري المعروف “يتسحاق بريك”، الذي أطلق ناقوس الخطر بصوتٍ مجلجل، قائلًا إن الجيش الصهيوني يعيش “أسوأ أزمة بشرية في تاريخ تأسيسه”.
وفي مقالٍ نشرته صحيفة “معاريف”، أسهب “بريك” في كشف المستور، مؤكدًا أنّ الآلاف من الضباط والجنود في الرتب المختلفة قد فرّوا من الخدمة، إما برفض الاستمرار، أو عبر الهروب الناعم بعدم تجديد عقودهم.
وتابعت الصحيفة نقلها عن مصادر مطلعة في الجيش: إن حرب الإبادة التي شنتها تل أبيب على غزة خلّفت خسائر جسيمة، تمثلت في مقتل 923 جنديًا، وإصابة 6399 آخرين، عدا عن قرابة عشرين ألفًا يعانون من اضطرابات نفسية ناجمة عن صدمة المعارك.
ولم تسلم المؤسسة العسكرية من تُهمٍ تتعلّق بإخفاء أعداد قتلاها، إذ اتهمت بأنها تتستّر على الحقيقة حرصًا على المعنويات الآيلة للسقوط.
وأردف “بريك” في مقاله بأن موجة الانسحاب الجماعي أحدثت فراغًا كبيرًا، وخصوصًا مع رفض العناصر الشابة توقيع عقود طويلة الأمد، ما عمّق من أزمة الكوادر المحترفة، وألقى بظلاله القاتمة على صيانة العتاد الحربي، ووظائف المنظومات القتالية.
وختم الجنرال الصهيوني مقاله بتحذيرٍ قائلاً: "إن استمرّت الحال على ما هي عليه، فإنّ الجيش ماضٍ نحو شللٍ كامل، لا قِبَل له به، وإنّ قدرته التشغيلية في مهب الريح".
