الوقت- في الأشهر الأخيرة، ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل متكرر على التحركات العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء. وغالباً ما تُكتب هذه التقارير بنبرة تحذيرية موجهة إلى مسؤولي تل أبيب، ما يُشير إلى قلق بالغ في أوساط الكيان إزاء التطورات في المنطقة. ومثال على ذلك، أشار موقع "ناتسيو" يوم الأحد الماضي إلى التحركات العسكرية المصرية، مُلمحاً إلى احتمال مراجعة القاهرة لمعاهدة السلام مع إسرائيل. ووجه الموقع انتقاداته إلى حكومة بنيامين نتنياهو، قائلاً: "السلطات الإسرائيلية غير مبالية بهذه التحركات، ولا تُراعي إلا مصالحها السياسية العابرة". ولكن ما حقيقة الأمر؟ وكيف يُمكن تحليل طبيعة التحركات العسكرية المصرية في سيناء؟
الجذور الاستراتيجية لسيناء في اتفاقيات كامب ديفيد
لطالما مثّلت شبه جزيرة سيناء، وهي منطقة استراتيجية في شمال شرق مصر، محورًا رئيسيًا في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. وبموجب اتفاقيات كامب ديفيد (1978)، التي أفضت إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، عُرّفت المنطقة بأنها "منطقة منزوعة السلاح".
وقد قسمت المعاهدة سيناء إلى أربع مناطق:
• المنطقة (أ) (بالقرب من قناة السويس): يُسمح لمصر بنشر قوات محدودة.
• المنطقة (ب): قيود الانتشار فيها أشد.
• المنطقة (ج) (بالقرب من الحدود الإسرائيلية): يُسمح فقط لقوات الشرطة المصرية بالتواجد فيها.
• المنطقة (د): تخضع لمراقبة القوات الدولية.
وبحسب الاتفاقية، فإن أي انتشار عسكري مكثف أو زيادة في عدد القوات في سيناء يتطلب تنسيقًا وموافقة إسرائيلية.
تزايد المخاوف بعد عملية "طوفان الأقصى"
على الرغم من تاريخها الطويل، فقد تصاعدت حدة التقارير التحليلية والإعلامية الإسرائيلية حول الانتشار العسكري المصري في سيناء، وذلك بعد عملية اقتحام الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وبدء حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ووفقًا لتقارير من مصادر إسرائيلية، مثل صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، طلبت تل أبيب من واشنطن الضغط على القاهرة لخفض قواتها في سيناء. وتشير هذه التقارير أيضًا إلى أن مصر تبني منشآت تحت الأرض لتخزين الصواريخ.
وقد كان ازدياد حجم هذه التقارير ملحوظًا بشكل خاص بعد حرب غزة. فعلى سبيل المثال، في مارس/آذار 2025، نشر المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن الداخلي تقريرًا يتناول الوجود العسكري المصري المكثف، مشيرًا إلى أنه على الرغم من وجود اتفاقيات بين مصر وإسرائيل لزيادة القوات منذ عام 2015 لمحاربة داعش، إلا أن الوجود العسكري المصري تجاوز مؤخرًا بنود هذه الاتفاقيات. وفي مارس/آذار 2025، أفادت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية بأن مصر نشرت نحو 40 ألف جندي ومركبات مدرعة في شمال سيناء. غالبًا ما تُصاحب هذه التقارير مخاوف أمنية، ويُزعم أن عملية الانتشار نُفذت دون تنسيق كامل.
كما أفاد موقع "ميدل إيست آي" أن المسؤولين الإسرائيليين قلقون بشدة إزاء البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء، معتبريها نقطة توتر رئيسية في العلاقات بين الجانبين. كذلك، ووفقًا لمركز أبحاث "ستراتفور"، فإن نشر 40 ألف جندي مصري قرب قطاع غزة يندرج ضمن استراتيجية مصر لمنع الفلسطينيين من التوغل في سيناء. ويشير النمط المتسق لهذه الوسائل الإعلامية إلى قلق مستمر في تل أبيب، متجذر في مخاوف من تغير موازين القوى في المنطقة.
ردود فعل المسؤولين والمحللين الإسرائيليين
أبدى المسؤولون الإسرائيليون ردود فعل قوية على الانتشار العسكري المصري في سيناء. قبل شهرين، في سبتمبر/أيلول 2025، دعا بنيامين نتنياهو إدارة ترامب إلى الضغط على مصر لخفض قواتها في سيناء. ووفقًا لموقع "أكسيوس"، أثار نتنياهو هذه القضية في اجتماع مع مسؤولين أمريكيين، مؤكدًا أن البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء أصبحت نقطة توتر رئيسية.
ردود فعل المسؤولين والمحللين الإسرائيليين
كان رد فعل المسؤولين الإسرائيليين قويًا على الانتشار العسكري المصري في سيناء. قبل شهرين، في سبتمبر/أيلول 2025، دعا بنيامين نتنياهو إدارة ترامب إلى الضغط على مصر لخفض قواتها في سيناء. ووفقًا لموقع "أكسيوس"، أثار نتنياهو هذه القضية في اجتماع مع مسؤولين أمريكيين، مشددًا على أن البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء أصبحت نقطة توتر رئيسية.
وقال مسؤول إسرائيلي لموقع أكسيوس: "ما يفعله المصريون في سيناء أمرٌ بالغ الخطورة، ونحن قلقون للغاية". وأعرب مسؤولون آخرون عن مخاوف مماثلة. ففي سبتمبر/أيلول 2025، صرّح مسؤولون إسرائيليون لموقع ميدل إيست آي بأن نشر مصر لمعدات عسكرية في سيناء أثّر على العلاقات الثنائية، ودفع إسرائيل إلى طلب المساعدة الأمريكية. وفي مارس/آذار 2025، حذّر مسؤول إسرائيلي من أن عسكرة مصر في سيناء تُعدّ انتهاكًا لمعاهدة السلام.
وبشكل عام، ووفقًا لمعهد إسرائيل لدراسات الأمن الداخلي، فإن الوجود العسكري المصري في سيناء يثير تساؤلات متكررة في إسرائيل، ربما بسبب المخاوف من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. وفي الشهر الماضي، حلّل معهد القدس للدراسات الاستراتيجية (JISS) أن مصر تُعزّز قواتها في سيناء منذ سنوات، وأن هذا يُمثّل تحديًا متزايدًا لتل أبيب. كما تُشير تحليلات أخرى مهمة إلى قلق إسرائيلي عميق إزاء تغيّر التوازن الاستراتيجي في العلاقة بين الجانبين.
ما هي المعدات التي نشرها الجيش المصري في سيناء؟
نشر الجيش المصري مجموعة متنوعة من المعدات في شبه جزيرة سيناء منذ عام ٢٠٢٣. وفي نوفمبر ٢٠٢٣، أفادت التقارير أن مصر نشرت دبابات إم-٦٠ باتون وناقلات جند من طراز واي بي آر-٧٦٥ بالقرب من معبر رفح. وبعد شهرين، في فبراير ٢٠٢٥، ذكرت مصادر إعلامية أن مصر أنشأت أنفاق تخزين ضخمة للوقود والمعدات الاستراتيجية.
وفي أغسطس ٢٠٢٥، ازداد حجم هذه القوات بشكل كبير، حيث تم نشر حوالي ٤٠ ألف جندي في مدينتي رفح والشيخ زويد، إلى جانب مركبات مدرعة وأنظمة دفاع جوي وقوات خاصة ودبابات إم-٦٠. وبعد شهر، في سبتمبر ٢٠٢٥، أفادت التقارير أن مصر نشرت منظومة الدفاع الجوي الصينية بعيدة المدى إتش كيو-٩ بي في سيناء، مما قد يغير موازين القوى مع إسرائيل. وقد أثارت هذه الخطوة المصرية عشرات التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وقد نُقلت فرق مدرعة وقوات خاصة وأنظمة دفاع جوي متطورة وطائرات مقاتلة إلى قواعد موسعة ومُحدثة في سيناء.
طبيعة التحرك المصري
على الرغم من أن زيادة الوجود العسكري المصري في سيناء كانت جارية بالفعل قبل 7 أكتوبر، إلا أنها تسارعت بعد ذلك التاريخ، ويعود ذلك في معظمه إلى المخاوف بشأن التوترات الحدودية ومنع دخول مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. وتعتبر القاهرة تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين تهديدًا لأمنها القومي. وقد وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي النزوح القسري لسكان غزة إلى مصر بأنه "إعلان حرب" على مصر في مناسبتين على الأقل. وعلى المدى البعيد، قد يُجبر استمرار هذه الظروف مصر على المطالبة بتعديل بعض بنود اتفاقيات كامب ديفيد، لا سيما تلك المتعلقة بنوع الانتشار العسكري في سيناء.
وفي ظل الظروف الراهنة، تبدو احتمالات التحرك المصري معقدة. فقد يؤدي احتفاظ القاهرة بقواتها إلى تحرك دبلوماسي أو عسكري من جانب إسرائيل، مما سيزيد من حدة التوترات. ومع ذلك، يستمر التنسيق الأمني، ومن الممكن التوصل إلى اتفاقيات جديدة.
