الوقت - تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تصعيدًا غير مسبوق في ظل سلسلة من التطورات السياسية والدبلوماسية المتلاحقة، فقد تزايدت حدة التوتر بين البلدين إثر رفض الجزائر استعادة مهاجر غير شرعي مدان بتمجيد الإرهاب، والذي ارتكب لاحقًا هجومًا في مدينة مولوز الفرنسية.
يأتي ذلك بالتزامن مع زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشيه، إلى الصحراء الغربية، في خطوة تعكس تحولًا في الموقف الفرنسي لمصلحة السيادة المغربية على المنطقة، ما أثار غضب الجزائر وأدى إلى المزيد من التوترات بين باريس والجزائر.
زيارة لارشيه إلى المغرب والصحراء الغربية
بدأ رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشيه، زيارة رسمية إلى المغرب يوم الأحد، حيث التقى عددًا من المسؤولين المغاربة بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون البرلماني، إلا أن اللافت في الزيارة كان توجهه يوم الثلاثاء إلى مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية، لتأكيد دعم فرنسا لموقف المغرب في النزاع حول الإقليم، هذه الخطوة تأتي في سياق اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما تعتبره الجزائر تحديًا مباشرًا لمواقفها الداعمة لجبهة البوليساريو.
ولم تكن زيارة لارشيه هي الوحيدة التي أثارت غضب الجزائر، فقد سبقته وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، بزيارة مماثلة إلى الصحراء الغربية، ما دفع الجزائر إلى التنديد بما وصفته بـ"الخطوة الخطيرة للغاية" التي تستدعي الشجب والإدانة.
الخلاف حول إعادة المهاجرين الجزائريين غير النظاميين
إلى جانب الأزمة المتعلقة بالصحراء الغربية، تفجرت قضية أخرى زادت من تعقيد العلاقات بين باريس والجزائر، حيث رفضت الجزائر "عشر مرات" استعادة أحد مواطنيها المدانين في فرنسا، رغم قضائه عقوبة في السجن بتهمة تمجيد الإرهاب، هذا الشخص، الذي رفضت بلاده استقباله، ارتكب لاحقًا هجومًا جهاديًا في مدينة مولوز، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.
وقد دفع هذا الحادث الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ تدابير جديدة، أعلن عنها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، شملت فرض قيود على دخول بعض المسؤولين الجزائريين إلى الأراضي الفرنسية، وأكد بارو أن هذه الإجراءات "قابلة للتراجع" في حال عادت الجزائر إلى التعاون مع باريس بشأن استقبال المرحلين.
ردود الفعل الفرنسية والتصعيد الدبلوماسي
من جهتها، عبّرت الصحافة الفرنسية عن غضبها إزاء الموقف الجزائري، حيث دعت صحيفة لوفيغارو في افتتاحيتها إلى "الخروج من الفخ الجزائري"، ووصفت الجزائر بأنها "نظام مصاب بجنون العظمة يعيش على أمجاد ماضيه"، منتقدة تعامل الحكومة الفرنسية مع الجزائر بطريقة اعتبرتها "ضعيفة ومتسامحة أكثر من اللازم".
كما وجه رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، تحذيرًا شديد اللهجة إلى الجزائر، مؤكدًا أن رفضها استقبال مواطنيها غير الشرعيين أمر "غير مقبول"، ولا سيما عندما يؤدي ذلك إلى حوادث مأساوية مثل هجوم مولوز، وأضاف إن باريس قد تفرض المزيد من الإجراءات العقابية إذا استمر هذا الرفض.
في سياق متصل، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، أن بلادها تدرس فرض قيود على التأشيرات الممنوحة للجزائريين، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير تستهدف شخصيات جزائرية بارزة، مؤكدة أن "فرنسا ليست ملزمة بمنح تأشيرات بأعداد كبيرة".
المجلس الوزاري الفرنسي واتخاذ قرارات حاسمة
في ظل هذا التصعيد، من المقرر أن يعقد المجلس الوزاري الفرنسي اجتماعًا لمناقشة ملف الهجرة، حيث يتوقع أن تكون العلاقات مع الجزائر محور النقاشات، ويتوقع مراقبون أن تشمل القرارات مراجعة الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات.
وأكد وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، أن فرنسا لن تتسامح بعد الآن مع هذا الوضع، مشيرًا إلى أن منفذ هجوم مولوز كان معروفًا بميوله المتطرفة ولديه سجل إجرامي، ما يجعل التعاون الجزائري ضروريًا لمنع وقوع حوادث مماثلة مستقبلًا.
تعكس هذه الأزمة المتفاقمة بين فرنسا والجزائر تعقيدات العلاقة بين البلدين، التي لطالما شابها التوتر منذ حقبة الاستعمار والاستقلال، وفي ظل التصعيد المستمر، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مستقبل العلاقات بين باريس والجزائر، وما إذا كانت فرنسا ستتخذ إجراءات أكثر صرامة، أم إن الجزائر ستعيد النظر في موقفها لتجنب مزيد من العزلة الدبلوماسية.