الوقت - في خضم التفاعلات الدبلوماسية المكثفة بين طهران وموسكو، يزور سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إيران يوم الثلاثاء.
تأتي هذه الزيارة عقب توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، واستكمالاً لزيارته الأخيرة إلى تركيا، وفي ظل تطورات إقليمية ودولية بالغة الأهمية، ما يضفي على الزيارة طابعاً استثنائياً.
وفي هذا الصدد، كتب كاظم جلالي، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في روسيا: "إن زيارة وزير الخارجية الروسي إلى طهران، تأتي في إطار تعزيز أواصر التعاون الوثيق بين البلدين، مع التركيز على تعميق الحوارات والمشاورات رفيعة المستوى حول طيف واسع من القضايا الثنائية، والتطورات الإقليمية والدولية، التي باتت في المرحلة الراهنة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى".
التعاون حول اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة
لذلك، أصبحت العلاقات المتزايدة بين طهران وموسكو في جميع المجالات خلال السنوات الأخيرة، تفرض تعزيز التعاون والمشاورات السياسية، وخاصةً مع السعي لتخفيف آثار نظام العقوبات الغربية، ما جعل الدبلوماسية الاقتصادية في صدارة مهام وأولويات أجهزة السياسة الخارجية للبلدين.
وعلى هذا الأساس، تأتي زيارة لافروف، كقائد طويل الأمد للسياسة الخارجية الروسية وكمُحَنَّكٍ قريب جداً من بوتين في الهيكل السياسي لروسيا، بعد توقيع "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين البلدين في يناير من العام الجاري.
هذه الاتفاقية، التي أُعدت لتعميق التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية والطاقة والسياسية والثقافية، تُعدّ خطوةً كبيرةً نحو ترسيخ هذه العلاقات، ومن المرجح أن يكون لافروف يسعى لبحث سبل تقدم تنفيذ هذه الاتفاقية، وإزالة العقبات المحتملة في طريق تفعيلها، وقد صرّح لافروف في هذا الصدد بأن هذه الاتفاقية، تُعدّ نموذجاً لبناء العلاقات بين دول مستقلة ومتساوية.
في مجال التعاون الاقتصادي والطاقة، تسعى إيران وروسيا إلى توسيع الشراكة والتفاعلات الفنية والاستثمارية، في قضايا مثل تطوير التعاون في مجالات النفط والغاز ونقل التكنولوجيات المتقدمة، والتي يُحتمل أن تكون على طاولة المفاوضات.
كما يُتوقع أن يكون استكمال المشاريع المشتركة، مثل ممر الشمال-الجنوب للنقل الدولي وتطوير البنى التحتية المرتبطة به، من بين الموضوعات ذات الأولوية في المناقشات.
تمتلك إيران وروسيا أسواقاً استهلاكيةً ضخمةً تضمّ مئات الملايين، مما يوفر فرصاً استثنائيةً للاستثمار والتصدير والاستيراد من السلع والخدمات للفاعلين الاقتصاديين في كلا البلدين، ومع الإجراءات المتخذة في السنوات الأخيرة لتسهيل التبادلات التجارية، مثل اتفاقية التعاون النقدي والمصرفي واستخدام العملات المحلية، بالإضافة إلى قبول إيران كعضو مراقب في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والمشاركة المشتركة في منظمات كبيرة مثل مجموعة "بريكس" و"منظمة شانغهاي"، فقد أُتيحت الفرصة لتطوير العلاقات بشكل أكبر وتحويل الاقتصادين إلى اقتصادين متكاملين، وتعويض التقصيرات السابقة.
وفي هذا السياق، يُعتبر إكمال واستغلال ممر الشمال-الجنوب قضيةً بالغة الأهمية، إذ تعوّل روسيا آمالاً كبيرةً عليه، ويمكن وصفه بأنه الأساس والدعامة الرئيسية للاتصال الاقتصادي بين إيران وروسيا في المستقبل.
إن ممر الشمال-الجنوب للنقل الدولي (INSTC)، هو مشروع استراتيجي يربط بين روسيا وإيران والهند وعدة دول أخرى. يُعدّ هذا الممر مساراً بديلاً للتجارة الدولية، وخاصةً في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي أكدت ضرورة تقليل الاعتماد الكلي على طريق البحر الأسود وتنويع المسارات التصديرية، لذا، يحظى هذا الممر بأهمية كبرى لروسيا لأسباب اقتصادية وجيوسياسية واستراتيجية متعددة.
يوفّر ممر الشمال-الجنوب لروسيا إمكانية الوصول المباشر والمنخفض التكلفة إلى الأسواق الآسيوية، وخاصةً الهند والدول الخليجية، كما يربطها بالأسواق العالمية، بالإضافة إلى ذلك، يقصر هذا الممر الطريق التجاري لروسيا نحو الجنوب، ويجعله أكثر اقتصاديةً.
قبل حرب أوكرانيا، كان الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة، ما جعل العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة تؤثر بشكل كبير على الإيرادات الخارجية لموسكو، لذلك، يُعد تنويع الاقتصاد أحد الأهداف الرئيسية لبوتين، ويمكن لهذا الممر أن يسهم بشكل كبير في تحقيق هذا الهدف، حيث يوفّر فرصاً لتطوير التجارة غير النفطية وزيادة صادرات المنتجات الصناعية والزراعية، ويعتمد نجاح هذا المشروع على التعاون الوثيق بين الدول الأعضاء، وخاصةً روسيا وإيران.
المفاوضات حول القضايا الإقليمية والدولية
أبرز محاور المفاوضات الإقليمية تشمل على الأرجح ما يلي:
في البدء، تأتي زيارة لافروف إلى إيران عقب لقائه مع مسؤولي تركيا مباشرةً، وهذا الأمر يعكس جلياً أهمية القضايا الإقليمية في صدارة أجندة الدبلوماسية الروسية، ولا سيما فيما يتعلق بالملف السوري.
تُعد إيران وروسيا الحليفين الأبرز للنظام السوري السابق، وعلى الرغم من إعلان وجود قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة مع السلطة الجديدة، إلا أن كلا البلدين لا يزالان يحتفظان بموقف متحفظ تجاه التطورات في سوريا، نظراً للوضع الهش والمبهم الذي يخيّم على المشهدين السياسي والأمني، وفي المقابل، تسعى تركيا، بوصفها الداعم الإقليمي الأول للسلطة الجديدة في دمشق، إلى ترسيخ الوضع الراهن في سوريا، وتهيئة السبل للاعتراف الإقليمي والدولي بالحكومة الجديدة، وفي هذا المسعى، تعمل تركيا جاهدةً على تبديد مخاوف إيران وروسيا، وبناء جسور الثقة من خلال إقامة قنوات اتصال فعّالة.
ومن المتوقع أن يكون الملف الآخر البارز في مشاورات لافروف في طهران، مرتبطاً بتقديم تقرير مفصل حول المفاوضات المباشرة بين موسكو وواشنطن بشأن حرب أوكرانيا، وخاصةً في أعقاب اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب في المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من أن مواقف إيران وروسيا تجاه حرب أوكرانيا والحلول المطروحة، لم تكن متطابقةً منذ البداية، حيث أعلنت طهران حيادها في هذا النزاع، ورأت في المفاوضات دون تدخل غربي الحل الأمثل، إلا أن روسيا لا تزال تنظر إلى إيران بوصفها حليفاً استراتيجياً أسهم في تخفيف وطأة العقوبات الغربية، ولا ينبغي أن يُفسر أي احتمال لتخفيف العداء مع أمريكا ترامب، على أنه تراجع لدوافع الكرملين في تعزيز شراكاته مع طهران.
وفي هذا الصدد، يدرك بوتين تماماً أنه حتى لو سعى ترامب وفريقه إلى إعادة العلاقات مع روسيا إلى سابق عهدها قبل الحرب، فإن تعقيدات البنية السياسية الأمريكية تضع عقبات جسيمة في هذا الطريق، تتجاوز حتى صلاحيات الرئيس. فعلى سبيل المثال، إلغاء نظام العقوبات الأمريكية الشامل (CAATSA) يتطلب موافقة الكونغرس، الذي حتى مع وجود أغلبية جمهورية، لا يُبدي استعداداً لإزالتها، بل إن عودة سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس في انتخابات عام 2026، قد تقوض كل ما بناه ترامب.
ولذلك، يُعتبر لقاء بوتين مع ترامب فرصةً لإضعاف موقع أوكرانيا في الحرب والمفاوضات، وتعميق الانقسامات داخل حلف الناتو والغرب (بين أمريكا وأوروبا)، وعولمة صورة الانتصار على سياسة الضغوط الغربية، أكثر من كونه خطوةً نحو إنهاء العداء مع أمريكا.