الوقت - في صبيحة يوم الأحد، انطلقت الوفود الرسمية الإيرانية، برئاسة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، وبمشاركة وزير الخارجية، متوجهةً إلى لبنان، للمشاركة في مراسم تشييع القائد الشهيد السيد حسن نصر الله.
وخلال هذه الزيارة، اجتمع قاليباف مع نواف سلام، رئيس الوزراء اللبناني الجديد، في وقتٍ يئن فيه لبنان تحت ثقل أزمات متشابكة، داخلية وإقليمية، وقد حملت هذه الزيارة في طياتها رسائل عميقة، تؤكد على تعزيز أواصر التعاون الثنائي، ودعم مسيرة إعادة إعمار لبنان، وتأييد محور المقاومة الصامد، ويمكن النظر إلى هذه الزيارة من عدة وجوه، كلها تحمل دلالات بالغة الأهمية.
لطالما نظرت إيران إلى لبنان باعتباره حليفًا استراتيجيًا في المنطقة، وحافظت على علاقات وثيقة مع مختلف الأطياف السياسية فيه، ولا سيما تيار المقاومة، وجاءت زيارة قاليباف إلى بيروت في أعقاب تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، ما يعكس حرص طهران على تعميق أواصر التعاون مع هذه الحكومة الفتية.
كما أن تأكيد قاليباف على دعم إعادة إعمار لبنان، لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل هو إعلانٌ صريح عن رغبة إيران في لعب دورٍ فاعلٍ ومؤثرٍ في مسار التحولات اللبنانية، وتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية التي تربط بين البلدين.
من أبرز محطات هذه الزيارة، كان تأكيد قاليباف على بدء عهد جديد من التعاون لإعادة إعمار لبنان، فلبنان يعاني في السنوات الأخيرة من أزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت بفعل العقوبات الغربية الجائرة، وعدم الاستقرار السياسي المضطرب، ويمكن لإيران، بفضل إمكاناتها وعلاقاتها الإستراتيجية، أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة إعمار هذا البلد الجريح، من خلال تقديم المساعدات المالية، وتعزيز أواصر التعاون الاقتصادي، وإطلاق مشاريع البنية التحتية الحيوية، غير أن هذا المسار لا يخلو من تحديات جسيمة، إذ تسعى القوى الإقليمية المنافسة، ولا سيما الدول الخليجية، إلى تعزيز نفوذها في لبنان، ما قد يؤثر على المعادلات الداخلية هناك.
وفي هذه الزيارة، أكد قاليباف مجدداً على دعم إيران الثابت لمحور المقاومة، وانتقد الكيان الصهيوني بسبب انتهاكاته المتكررة لاتفاقيات وقف إطلاق النار، واستمرار اعتداءاته الوحشية على جنوب لبنان، وهذا الموقف يتسق مع السياسة العامة لإيران في دعمها لقوى المقاومة، بما في ذلك حزب الله اللبناني، ذلك الصرح الشامخ الذي يقف في وجه العدوان، وفي ظل استمرار التوترات على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، حملت زيارة قاليباف رسالةً واضحةً مفادها بأن إيران ما زالت تقف خلف قوى المقاومة، وستحافظ على موقفها الحازم في مواجهة التصرفات الإسرائيلية.
وإضافةً إلى أبعادها الاقتصادية والاستراتيجية، تحمل هذه الزيارة أيضًا دلالات دبلوماسية بالغة الأهمية، فإيران تسعى إلى تعزيز مكانتها في لبنان، وتوسيع نطاق تعاونها مع الحكومة اللبنانية، لكن هذا المسار ليس مفروشًا بالورود، إذ تواجهه تحديات جمة، منها الضغوط الخارجية، والعقوبات الغربية المفروضة على إيران ولبنان، بالإضافة إلى التنافسات الإقليمية التي قد تؤثر على طبيعة هذا التعاون.
وفي اللقاء الأخير بين محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإيراني، وميشال عون رئيس الجمهورية اللبنانية، كانت الهوامش أكثر لفتًا للانتباه من صلب اللقاء نفسه، فما دار في الكواليس، وما حملته التصريحات من إشارات، أثارت اهتمامًا واسعًا، ما يجعل هذه الزيارة محط أنظار المراقبين، الذين يترقبون تداعياتها على الساحتين الإقليمية والدولية.
إقامة الحجة علی عون!
في هذا اللقاء، أشار عون بوضوح إلى قضية بدت وكأنها محور النقاش الرئيسي؛ "لبنان قد تعب من حروب الآخرين"، هذا التصريح من عون، يعكس في الحقيقة نهجًا جديدًا للبنان تجاه الوضع الإقليمي، وخصوصًا تجاه حضور حزب الله في البلاد، وهنا يبرز السؤال التالي: ما الهدف من زیارة قاليباف هذه؟ ولماذا يزور المسؤول الإيراني لبنان تحديدًا في هذه المرحلة الزمنية؟
هذا اللقاء، الذي جاء في أعقاب التطورات السياسية الأخيرة في لبنان وتولي السلطات الجديدة مقاليد الحكم، حددت إيران من خلاله أهدافها بوضوح فيما يتعلق بمواقفها من التطورات الإقليمية، ودعمها لحزب الله اللبناني، وقد حمل هذا اللقاء أهميةً بالغةً، إذ يمكن أن يكون مقدمةً لإعادة النظر في العلاقات الإيرانية اللبنانية في عهد جديد، بالإضافة إلى ذلك، وبسبب التحولات السياسية في لبنان، كانت الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى إيصال رسائل واضحة حول جبهة المقاومة ودعمها لحزب الله إلى المسؤولين الجدد في لبنان.
کذلك، حاول الرئيس اللبناني في هذا الاجتماع أن يغير نظرته تجاه حزب الله، وأن يبتعد عن جبهة المقاومة، ويبدو أن هذا التصريح يعكس رغبة عون في تبني سياسة مختلفة عن السياسات السابقة تجاه حزب الله وإيران، لكن في المقابل، أكد قاليباف، الذي يشغل منصبًا دبلوماسيًا ومسؤوليةً كبيرةً في إيران، بوضوح على دعم إيران لحزب الله اللبناني، مشددًا على أن هذه الحركة هي عامل استقرار وأمن للبنان.
إن محاولة الرئيس اللبناني التباعد عن حزب الله والجمهورية الإسلامية، قد تكون مؤشرًا على تحولات جديدة في السياسات الداخلية اللبنانية، والصراعات الداخلية حول توجهات السياسة الخارجية للبلاد، ففي حين سعى عون إلى الابتعاد عن تيار المقاومة، برزت إيران كقوة إقليمية ثابتة في دعمها لحزب الله، وهو ما أكده قاليباف بوضوح.
وأشار قاليباف إلى التلاحم بين حزب الله والجيش اللبناني في مواجهة العدو المشترك، ألا وهو الكيان الصهيوني، مؤكدًا بذلك نهج إيران الثابت في دعمها لحزب الله.
وفي ختام هذا اللقاء، أتمت إيران الحجة بشكل غير مباشر مع المسؤولين الجدد في لبنان، مؤكدةً على موقفها الراسخ في دعم حزب الله وحماية أمن لبنان، وفي ظل التحولات السياسية في لبنان والانقسامات المحتملة في سياسات البلاد تجاه دعم جبهة المقاومة، حملت زيارة قاليباف أهميةً بالغةً، حيث أرسلت رسالةً قويةً من إيران إلى لبنان ودول المنطقة.
ويُقال إن هذا اللقاء كان في حقيقته إتمامًا للحجة من جانب إيران مع المسؤولين اللبنانيين، ففي ضوء التحول في نهج لبنان، تحدثت إيران صراحةً عن دعمها لحزب الله وجبهة المقاومة، وكانت هذه الزيارة بمثابة رسالة إلى الحكومة اللبنانية، مفادها بأن إيران ما زالت متمسكةً بمواقفها في دعم حزب الله والسعي نحو حفظ أمن لبنان، وقد جاء هذا الإجراء في إطار تعزيز مكانة إيران في التحولات الإقليمية، وتأكيد العلاقات الاستراتيجية مع لبنان.
دور قاليباف في العلاقات الإيرانية اللبنانية
في خضم التحولات الجارية على الساحة الإقليمية، والوشائج الاستراتيجية التي تربط بين إيران ولبنان، يبرز محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي(البرلمان)، كشخصية محورية قادرة على تعميق أواصر التعاون الثنائي بين البلدين، فبموقعه الرفيع في البنية السياسية الإيرانية، واتصالاته الوطيدة مع التيارات الإقليمية، ولا سيما فصائل المقاومة، فإنه يمتلك القدرة على التأثير الفاعل في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، ما يعزز من متانة العلاقات بين طهران وبيروت.
وبصفته رئيساً للسلطة التشريعية، يمتلك قاليباف الأدوات التي تمكّنه من توسيع آفاق التعاون بين إيران ولبنان، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وذلك عبر التفاعلات الدولية والشراكات البرلمانية، ومن بين أولوياته، تعزيز الحوار مع مجلس النواب اللبناني، وتذليل العقبات التي قد تعترض سبيل التعاون المشترك.
كما يمكن لقاليباف أن يستثمر الزيارات الدبلوماسية، واللقاءات مع القادة اللبنانيين، والمبادرات البرلمانية المشتركة، لتعزيز الروابط بين البلدين، وبتلك الصلات الوثيقة التي تربطه بفصائل المقاومة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، فإنه قادر على لعب دور محوري في تنسيق المواقف الإقليمية، ما يمكّن طهران من توحيد رؤيتها مع حلفائها في لبنان، وتعزيز نفوذها في المعادلات الإقليمية المتشابكة.
ولا يقتصر دور قاليباف على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد ليشمل الدبلوماسية الاقتصادية، حيث يمكنه تعزيز التعاون الثنائي عبر تحسين التبادلات التجارية، وفتح آفاق جديدة للشراكة في مجالات الطاقة والبنى التحتية، وفي أوقات الأزمات، عندما تشتد التوترات السياسية في لبنان أو تتصاعد الضغوط الخارجية، فإن قاليباف، بوصفه مسؤولاً إيرانيًا رفيعاً، يمكن أن يكون عنصراً فاعلاً في تخفيف حدة التوترات، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
ولا يفوتنا أن نذكر الجانب الثقافي والإعلامي والعلمي، الذي يشكّل ركيزةً أخرى للعلاقات الإيرانية اللبنانية، فزيادة التبادلات الأكاديمية، وتعزيز التعاون الإعلامي والثقافي، وتقوية الروابط الاجتماعية، هي من المحاور التي يمكن لقاليباف أن يوليها اهتماماً بالغاً، ما يعمق من التفاهم المتبادل بين الشعبين.
نهج عون: خطأ في التقدير!
يرى جملة من المحللين أن نهج الرئيس اللبناني خلال لقائه بمحمد باقر قاليباف، يُجسِّد خللاً فادحاً في تقدير الأمور، فبتصريحاته التي تشي بمسافة بين الدولة وحزب الله وجبهة المقاومة، يكون قد وقع في وَهْمٍ مزدوج.
فمن جانب، يظل حزب الله حجر الزاوية في البنيان الدفاعي للبنان، وخاصةً في مواجهة التهديدات الخارجية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، ومن جانب آخر، فإن ذلك الفصل الذي ألمح إليه بين القوات المسلحة اللبنانية ومقاومة حزب الله، والذي أثار سخطاً خلال اللقاء، قد يُضعف التماسك الدفاعي للبلاد، ويعرِّض الأمن الوطني لأخطار جسيمة.
في حين تُؤكِّد الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقادة الإقليميون على ضرورة التلاحم بين الجيش اللبناني وحزب الله، فإن تصريحات عون التي تتحدث عن "تعب لبنان من حروب الغير"، ومحاولته خلق مسافة بين الدولة وجبهة المقاومة، تُرسل رسالةً متناقضةً إلى المجتمع الدولي، وإلى الداخل اللبناني.
قد يؤدي هذا المسار إلى تقويض الدعم الحيوي لجبهة المقاومة، ما يُعرِّض لبنان لتحديات أمنية غير مسبوقة. وبالتالي، فإن وَهْم عون في سعيه لفرض مسافة بين الدولة وحزب الله، لا يتناقض فقط مع الوقائع الدفاعية والأمنية للبنان، بل يُضعف أيضاً اللحمة الوطنية، ويُقلِّل من فاعلية السياسات القائمة على نهج المقاومة في مواجهة التهديدات الإقليمية.