الوقت - تُظهر تفاصيل كتاب الصحفي الأمريكي الاستقصائي بوب وودورد، المعنون بـ"الحرب"، مدى التواطؤ العربي الصامت أمام التصعيد الإسرائيلي في غزة عقب السابع من أكتوبر 2023، فعلى الرغم من لقاءات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع القادة العرب في جولة دبلوماسية مكثفة، لم يبدِ أيٌّ منهم موقفًا حازمًا لإنهاء المعاناة الفلسطينية، بل على العكس، عكست مواقفهم تماهياً واضحاً مع الأجندة الإسرائيلية والأمريكية، والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: لماذا لم يرد الزعماء العرب على ما ورد في الكتاب؟
يكشف الكتاب أن بلينكن بدأ جولته في تل أبيب بلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي طالب بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، فردّ بلينكن بثلاث كلمات متطابقة: "نحن نقف معكم"، ما أكد التحالف الأمريكي الإسرائيلي في مواجهة الفلسطينيين.
عقب ذلك، التقى بلينكن بعدد من الزعماء العرب، بدءًا من الأردن، حيث أكد الملك عبد الله الثاني أن بلاده حذّرت "إسرائيل" من حماس، لكنه لم يستطع التصريح بذلك علنًا، أما في قطر، فقد حاول الأمير تميم بن حمد النأي بنفسه عن هجمات طوفان الأقصى، مقللًا من دور قيادة حماس في الدوحة، رغم استضافتها لقياداتها السياسية.
في البحرين والسعودية، سمع بلينكن الموقف نفسه: تحذيرات مسبقة من التعامل مع حماس، لكنها لم تُترجم إلى أي ضغط على "إسرائيل"، أما في الإمارات، فقد كان الموقف أكثر وضوحًا، إذ أكد الرئيس محمد بن زايد على ضرورة القضاء على حماس تمامًا، مانحًا "إسرائيل" (المساحة) للقيام بذلك مقابل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
وفي مصر، ركز الرئيس عبد الفتاح السيسي على نقطتين فقط: الحفاظ على معاهدة السلام مع "إسرائيل"، ورفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فيما قدمت المخابرات المصرية معلومات استخباراتية عن أنفاق غزة لـ"إسرائيل"، دون أي إشارة إلى استخدام هذه المعلومات لحماية المدنيين الفلسطينيين.
لماذا لم يرد القادة العرب على الكتاب؟
مع انتشار تفاصيل هذه اللقاءات المثيرة للجدل، لم يُصدر أي زعيم عربي بيانًا رسميًا ينفي أو يصحح ما ورد في الكتاب، ما يعكس واحدًا من احتمالين:
إقرار ضمني بصحة المعلومات: عدم النفي أو الرد يُفهم على أنه موافقة ضمنية على ما جاء في الكتاب، ما يؤكد أن الزعماء العرب لم يُبدوا أي موقف رافض للموقف الإسرائيلي أو الأمريكي في اجتماعاتهم مع بلينكن.
سياسة الصمت لتجنب الحرج: قد يكون تجاهل الزعماء للكتاب جزءًا من استراتيجية عدم منح القضية زخمًا إعلاميًا أكبر، وخاصة أن الاعتراف بمضمون اللقاءات سيضعهم في موقف صعب أمام شعوبهم، التي كانت تأمل بمواقف أكثر شجاعة تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
الدلالات الخطيرة للصمت العربي
يكشف هذا الصمت عن عمق التواطؤ العربي مع المخطط الإسرائيلي الأمريكي في غزة، حيث لم يلوّح أي زعيم عربي بورقة ضغط حقيقية لإيقاف المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، فبينما أعطى القادة العرب "إسرائيل" الضوء الأخضر لضرب غزة بحجة القضاء على حماس، لم يقف أحد منهم ليطالب بوقف العدوان أو يدعو لمؤتمر طارئ لحماية الشعب الفلسطيني.
حتى عندما اقترح بلينكن إدخال المساعدات الإنسانية، رفض نتنياهو بشدة، مشبّهًا الفلسطينيين بـ"النازيين"، في مشهد يعكس ازدواجية المعايير الإسرائيلية، حيث تُطلب المساحة للقتل والتدمير، لكن دون منح الفلسطينيين أي مساحة للنجاة.
إذا كانت الحكومات العربية قد التزمت الصمت، فإن الشعوب العربية لم تفعل ذلك، فمنذ بداية العدوان، شهدت العواصم العربية مظاهرات حاشدة تطالب بمواقف أكثر قوة من حكوماتها، وتندد بالتواطؤ المعلن أو الضمني مع "إسرائيل".
إن تكرار المواقف العربية الباهتة في كل أزمة فلسطينية يؤكد أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية لدى الحكومات العربية، التي باتت ترى في المقاومة الفلسطينية تهديدًا لأنظمتها أكثر من كونها حركة تحرر وطني.
إن ما كشفه كتاب "الحرب" يجب أن يكون جرس إنذار للشارع العربي قبل أي جهة أخرى، فصمت القادة العرب لم يكن مجرد غيابٍ للموقف، بل كان انحيازًا واضحًا للكيان الصهيوني، ما يفرض على الشعوب العربية مسؤولية كبرى في الضغط على حكوماتها لاتخاذ موقف حقيقي تجاه القضية الفلسطينية، فالتاريخ لن يرحم المتخاذلين، والضمير العربي لا يزال حيًا رغم كل محاولات خنقه.