دعوات الشعب اليمني لم تلق آذانا صاغية لدى المنظمة الأممية التي يقتصر دورها حالياً على إبراز "القلق"، رغم تحذير منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، يوهانس فان دير كلو، من "أن 5 ملايين من اليمنيين يواجهون وضعاً إنسانياً صعباً، بسبب القتال الدائر على الأرض والضربات الجوية، وانهيار الخدمات الأساسية بما في ذلك الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب وتوفير الغذاء"، كما أن تجاهل الأمم المتحدة لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" حول وجود صور ومقاطع فيديو وغيرها من الأدلة التي تؤكد استخدام ذخائر عنقودية المحظورة عالمياً من صنع امریكي، في الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي السعودي على الأراضي اليمنية من ناحية، وعدم التعليق على اعترافات المتحدث باسم التحالف الدولي العميد أحمد العسيري من ناحية أخرى، يتماهى بشكل كبير مع الموقف الأممي من استخدام الكيان الإسرائيلي لهذا السلاح المصدر من الدولة نفسها في مواجهة الشعب الفلسطيني.
كان يفترض أن يكون دور الأمم المتحدة مسانداً للحوار ومخالفاً للعدوان بغية إخراج اليمن من حالة عدم الاستقرار، لكن قرار مجلس الأمن رقم (2216) بخصوص اليمن الذي في مجمله جاء ليشرعن للإرهاب الذي تمارسه السعودية ضد أبناء الشعب اليمني، من خلال عدوانهم الغاشم على أطفال ونساء اليمن، وتدمير المنازل والمنشآت المدنية والعسكرية، وضرب البنى التحتية، ما يؤكد ضرورة إصلاح هيكلية الأمم المتحدة أو حلّها وإنشاء منظمة أخرى تقوم بوظائفها التي تأسست من أجلها.
وليست الدعوة إلى إصلاح هيكلية الأمم المتحدة وليدة اليوم، فقد طالبت بها منذ الستينات وحتى اليوم حركة عدم الانحياز، كما أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية هذه المسألة حين أصدرت في عام1974 قراراً يقضي باعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دور المنظمة وجعلها أكثر فاعلية، لكن المضحك المبكي حالياً ان السعودية نفسها التي لجأت لمجلس الأمن بغية شرعنة عدوانها العسكري على اليمن، اعتذرت سابقاً عن عضوية مجلس الامن احتجاجاً على مواقفه والامم المتحدة المتخاذلة تجاه عدد من القضايا في المنطقة العربية منها القضية الفلسطينیة والموقف من الازمة السورية، فما هو سبب التغيّر في الموقف السعودي؟
تغيّر الموقف السعودي يطرح العديد من التساؤلات لكل باحث عن الأسس التي يبنى عليها صنع القرار سواءً في الرياض أو في أروقة الأمم المتحدة. ألا يشير اللجوء السعودي لمجلس الأمن إلى إزدواجية وبراغماتية عن سابق تصميم وإرادة؟ أم أن القرار الأممي يعبر عن براغماتية الأمم المتحدة نفسها؟ أم الاثنين معاً.
وقد يقول قائل إنه من حق السعودية التعامل ببراغماتية تجاه الملفات التي تختص بشؤونها بصرف النظر عن قانونية هذا الموقف أو الإجراءات التي تتخذها، ولكن ما هو دور الأمم المتحدة إزاء كل الأفعال التي تتعارض مع ميثاقها؟ الجواب يأتي من خلال قراءة سير المواقف الأممية تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، حيث يتضح بشكل قاطع أنه ومنذ انهيار الإتحاد السوفيتي لم تمارس الأمم المتحدة براغماتية السعودية أبداً، بل جعلت مواقفها في مختلف القضايا رهناً للقرار الأمريكي، وبالتالي باتت في محل مفعول به وفي أحسن الأحوال في محل مجرور.
كان اليمن ولا يزال ضحية لعبة الحسابات والتي تسعى من خلالها الأمم المتحدة ومن خلفها أمريكا إلى تمرير مصالحها، في مرحلة من مراحل النظام الدولي تتصف بعدم الاستقرار الذي يتجلى بوضوح في مسلسل الصراعات الإقليمية والدولية. وعندما تريد أن تعرف موقف الأمم المتحدة من أي قرار "ملزم"، فتّش عن المصلحة الأمريكية، وحينها ستدرك القرار قبل صدوره.
وحرصاً منا على مشاعر القرّاء الكرام نودّ التأكيد علی أن جلّ هدفنا من هذا المقال هو نقل صورة موضوعيّة عن موقف هذه المنظمة من اعتداء دولة عربية مسلمة على شعب عربي مسلم، مع إدراكنا المسبق للمرّة الألف وكما قرّائنا الكرام أن هذا الحديث بات مملاً لدى الكثيرين، لأننا نعلم جميعاً أن الامم المتحدة عموماً ومجلس الامن على وجه الخصوص ما هي إلّا مجالس لشرعنة مصالح الدول الكبرى.
