الوقت- أحدثت المقابلة التي أجراها موقع "الوقت" الإخباري والتحليلي، مع الشيخ أحمد كريمة ضجة تخطت حدود العالم العربي، وصولاً الى وكالات الأنباء الإقليمية والدولية. في حين باتت هذه المقابلة مادة ثریة للإعلام بإختلاف توجهاته السياسية. حيث أخذ كلُّ فريقٍ إعلامي تابعٍ لجهة سياسية معينة، أو يعمل ضمن نطاق رؤية سياسية مُحددة، في الترويج للمقابلة على طريقته. وهو الأمر الذي كان مُلفتاً، على الصعيد الإقليمي والدولي. في حين يمكن تلخيص أثر المقابلة، والمحتوى الإعلامي الذي صنعته، من خلال ثلاث خطوطٍ إعلامية رئيسية سنسردها في هذا المقال التحليلي المُستند على دلائل واضحة. فكيف كانت مقابلة موقع "الوقت"، مادة للإعلام بكافة توجهاته؟
ردة الفعل الدولية: مادة شرق أوسطية والـ (CNN) نموذجاً
موقع (CNN) العربي وفي قسمه التابع لأهم أخبار الشرق الأوسط، جعل من المقابلة حدثاً بارزاً، واصفاً إياها بأنها أحدثت ضجة كبيرة في العالم العربي وجدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الإجتماعي، خصوصاً لإنتقادها المدرسة السلفية ورموزها وصولاً إلى انتقاد التحالف العربي في اليمن. في حين نقل الموقع عن مراسله في القاهرة، نفي الشيخ كريمة، إدلاءه بتلك التصريحات، بعد البيان الذي صدر عن جامعة الأزهر التي أعلنت تبرؤها من مواقفه التي أثارتها تصريحاته.
ردة الفعل الإعلامية العربية: مادة للإعلام بتوجهاته كافة
منذ أن نشر موقع الوقت المقابلة، حتى خرجت المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء بالإضافة الى الصحف والمجلات السياسية، لتتناقل ما جاء فيها من تصريحات للشيخ كريمة. فيما أصبحت المقابلة بحدَّ ذاتها مادة للإعلام المرئي والمسموع والمقروء. وهنا يُمكن تقسيم ردة الفعل الإعلامية على الشكل التالي:
أولاً: خرج أنصار التحالف العربي في العدوان على اليمن، ليُروِّجوا لفكرة أن جامعة الأزهر تبرَّأت من كلام الشيخ كريمة. وهو ما بدا واضحاً في كلام العديد من الصحف السعودية والخليجية والعربية الأخرى الموالية لسياسة الرياض في المنطقة. كما كان واضحاً وجود إمتعاضٍ من موقف كريمة، حيث حاولت بعض المصادر الإعلامية نفي إرتباطه بجامعة الأزهر، بل حتى سعت إحدى المصادر لتشويه صورة الشيخ كريمة. وهنا نماذج لهذا الخط الإعلامي والتي حاولنا تسليط الضوء على أهمها لكثرتها:
- صحيفة "وطني" التابعة لوزارة الثقافة والإعلام السعودية، روَّجت لكلامٍ نسبته لجامعة الأزهر، مؤكدةً رفضها القاطع لما سمته استغلال "أحمد كريمة" لإسم المؤسسة، والزج بها في آرائه السياسية والفقهية وتصفية حساباته بحسب تعبيرها. معتبرةً أن تصريحات كريمة لا تمت بصلة إلى وسطية الأزهر الشريف، واعتداله الذي هو منهج الجامعة.
-من جهته موقع "دار الأخبار" السعودي خصَّص تغطية خاصة لمواقف الشيخ كريمة، محاولاً تأكيده رفض جامعة الأزهر مواقف الشيخ وما ورد في مقابلته مع موقع الوقت.
- صحيفة "الشرق الأوسط" وفي مقالٍ لها منذ ساعات تحت عنوان "الجهل ملة واحدة" للكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد والذي شغل منصب رئيس التحرير السابق لصحيفة "الّشرق الأوسط" والمدير العام السابق لقناة العربّية، أشار في مقاله الى أنه في الأزهر علماء أفتوا بالتكفير والقتل أحياًنا. وبحسب رأيه، فإن "الشيخ الأزهري أحمد كريمة نفسه٬ الذي يتزعم حملة الإنكار على السلفيين٬ تكفيري، مستدلاً على ذلك من خلال ما تطرأ له الشيخ كريمة في مقابلته مع "الوقت"، حيث وصف السعوديين والإماراتيين عموماً بالبغاة٬ وأن قتلاهم في النار!"
ثانياً: خرج مؤيدوا محور المقاومة، وتحديداً الرافضون لسياسة آل سعود في المنطقة، لنقل المقابلة وجعلها دليلاً على سوء إدارة آل سعود لمصالح المسلمين. كما اعتبروها دليلاً إضافياً على الجريمة التي يقوم بها التحالف العربي المدعوم أمريكياً في العدوان على اليمن. وهنا نُبرز أهم ما تناقلته وسائل الإعلام الموالية لمحور المقاومة من خلال مثالين:
- موقع "Syria Now"، تحدث عن هجوم الشيخ كريمة على السعودية وأشار الى موقفه "يجب التفريق بين المعتدي والمُعتدى عليه، فالمُعتدى عليه هو الشعب المغلوب على أمره المسكين، الذين أعادوه إلى حقبة ما قبل التاريخ في اليمن، وهم الشهداء عند الله بإذنه، أما البغاة المحاربون من الإمارات والسعودية وما يسمى التحالف فقتلاهم بغاة".
- قناة العالم أشارت الى المقابلة التي نشرها موقع "الوقت"، والتي أكد فيها الشيخ كريمة أن "الوهابيين" هم "أساس الفتن والقلاقل" في العالم، داعياً إلى التصدي لهم "لتجفيف منابع الإرهاب". كما أشارت الى مهاجمته السعودية ودول التحالف العربي بالإسم قائلاً: "قتلاهم بغاة أنا أقولها لكم وسجّلوها فتوى من الأزهر ومني أنا شخصياً: قتلى ما يسمى بالتحالف العربي في اليمن بغاة وفي النار وضحاياهم شهداء".
ثالثاً: هناك خطٌ إعلاميٌ حاول العمل على تأكيد وجهة نظر معينة من خلال السعي للتأكُّد من صحة تصريحات الشيخ كريمة. وهو ما يكون عادة بهدف صناعة محتوى إعلامي جديد يعتمد على مادة مطروحة أحدثت ضجة، كما فعلت المقابلة. وهنا أمثلة تُشير لذلك:
- صحيفة "رأي اليوم"وفي مقالٍ نشرته لمراسلها في القاهرة "محمود القيعي"، زعمت أن الشيخ أحمد كريمة نفى لمراسلها، ما تم نسبُه اليه من إِصدار فتوى تنص على أن قتلى السعودية والإمارات في اليمن ليسوا شهداء بل بغاة، وقتلى اليمنيين شهداء، لأنهم ماتوا حتف أنفهم بحسب تعبيرها. وأكدت أن كريمة أشار في تصريح خاص لها الى أنه أرسل 4 برقيات لتكذيب تلك الفتوى الى كل من: شيخ الأزهر، رئيس جامعة الأزهر، سفير المملكة العربية السعودية بالقاهرة أحمد قطان وسفير الإمارات بالقاهرة. مُشيرة الى أن كريمة أكد أنه لم يكن ذيلاً لأي نظام سياسي، ولم يدل بأي تصريحات لأي مصدر سواء داخل مصر أو خارجها.
- صحيفة "القدس العربي" أشارت في مقال للكاتبة "منار عبد الفتاح" الى أن "الأزهر يتبرأ من تصريحات الداعية الإسلامي أحمد كريمة بأن قتلى السعودية والإمارات ليسوا شهداء". محاولةً التأكيد بأن الشيخ كريمة نفى التصريحات المنسوبة له من خلال مداخلة هاتفية أجراها الشيخ لبرنامج "مساء القاهرة"، المذاع على فضائية "TEN"، والتي صرَّح فيها قائلاً: "أن جامعة الأزهر أصدرت بياناً موجهاً له دون أن تستوضح منه الحقيقة أو تصل إلى مصدر تلك المعلومة" بحسب تعبيرها.
الشيخ كريمة يؤكد مواقفه عبر الإعلام المصري رداً على الإنتقادات التي وُجِّهت له
في ظل التفاعلات التي أوجدتها مقابلة موقع "الوقت" مع الشيخ كريمة، ونظراً للإنتقادات التي أُطلقت ضده، أعاد الشيخ كريمة تأكيده لمواقفه المعادية للسعودية ومهاجمته الوهابية، من خلال العديد من المقابلات، ومنها مقابلة مع قناة "مصرية" مع الإعلامي يوسف الحسيني، حيث هاجم الشيخ الحويني، والشيخ الألباني، وقال إن أخطاءهم قاتلة. ووصف كريمة الشيخين "إبن باز"، و"إبن عثيمين"، بـ"شيوخ الإرهاب في العالم" مُشيراً الى وجود مُخططٍ لجعل "السلفية الوهابية السعودية" بديلاً للأزهر في مصر. كما إنشغل الإعلام المصري والجرائد المصرية كافة بنقل مقابلة الشيخ، الى جانب نقل موقف الأزهر منها.
من خلال ما تقدم، يبدو واضحاً أن المقابلة التي أجراها موقع "الوقت" الإخباري والتحليلي، أحدثت ضجة على الصعيد العربي والإقليمي تحديداً. وهو ما جعل المصادر الإعلامية الناطقة بإسم السعودية وحلفائها بالتحديد، في موقع ردة الفعل على ما اعتبروه حقائق يتم فضحها بشكلٍ مؤثِّر. وهنا نعتذر عن عدم إستطاعتنا تغطية كافة التعليقات والردود التي صدرت من قبل المواقع الإعلامية المؤيدة والمعارضة لكثرتها، حيث قدمنا عيِّناتٍ منها. في حين استطاع موقع "الوقت"، تأمين مادة إعلامية بانت أنها ثریة، استفاد منها كلُّ طرفٍ سياسيٍ بحسب توجهاته. فيما هدف الموقع، للقيام بواجبه الإعلامي بمهنية وموضوعية. وهو سيستمر بذلك، انطلاقاً من رسالته الإعلامية المقدسة والسامية. وسعياً منه لنشر الوعي والمعلومة الصحيحة بالإعتماد على الحقائق، ورفع مستوى البصيرة لدى رواد الموقع وجمهوره الكبير.
