الوقت- صمدت سوريا بشكل اسطوري في مواجهة أعتى هجمة وأعنف حروب القرن لكن يكفي ان يزور المرء الشوارع والمطاعم والفنادق في دمشق والمؤسسات الحكومية ليرى عن قرب استمرار الحياة وصمود السوريين رغم الصعوبات الاقتصادية التي كانت متوقعة في ظل هذه الظروف.
وفي هذا السياق يقول الكاتب اللبناني سامي كليب في مقال كتبه في جريدة السفير: قد يختلف كثيرون حول دور الرئيس بشار الأسد في الحرب، لكن ثمة يقينا بات يكبر حتى عند خصومه بأنه لم يكن "منفصلا عن الواقع" كما اعتقدوا وانما هو الذي يدير كل شيء. لم يرحل لا في الشهر الأول كما توقع البعض، ولا بعد ٥ سنوات. ها هو على العكس تماما يفرض على الداخل والخارج أولوية واحدة هي: محاربة الارهاب.
ويضيف كليب: لا شك أننا أمام واقع جديد يرتسم حاليا في حلب وريفها، فهل يتم ذلك بضوء أخضر أمريكي، أم أننا سنشهد شراسة عسكرية هائلة من الطرف الآخر لوقف اندفاعة الجيش السوري وحلفائه خصوصا "حزب الله" الذي يستعد للتقدم سريعا في أحد الارياف الحلبية؟
وفي الاطار نفسه يقول كليب ان مصدر دولي ابلغ جريدة السفير اللبنانية: ان التطورات الأخيرة في حلب من تقدم الجيش السوري وحلفائه، جاءت في سياق المساعي الامريكية الروسية للتفاهم لكن الاتفاق التام لم يحصل بعد وهو خاضع للاهتزاز أي ان الانتصار في الكاستيلو والليرمون وغيرهما قد يواجه بهجمات شرسة لاحقا بدعم أمريكي.
تريد واشنطن من موسكو ان تقنع الأسد بأن يقبل بمناطق عسكرية للمعارضة المعتدلة ممنوعة على الطيران السوري، مقابل قرارٍ أمريكي بوضع "النصرة" و "داعش" في سلة واحدة ومحاربتهما. حتى الآن هذا مرفوض سوريا وروسيا. دمشق تعتبر المناطق الممنوعة على الطيران مساسا بالسيادة لكن روسيا تدعمها.
هناك خلاف أمريكي روسي أيضا على الممرات الانسانية. موسكو تريدها لاخراج المدنيين واكمال سياسة "الأرض المحروقة" ضد الفصائل المسلحة الموسومة بالإرهاب، بينما تقبل بها واشنطن فقط اذا كانت لتقديم المساعدات الانسانية لكن موسكو نجحت سابقا في فرض تفتيش القوافل الانسانية بحضورها.
وفيما يتعلق بفك ارتباط "جبهة النصرة" بـ "القاعدة" وتغيير اسمها وموضوع الهدنة قال كليب في مقاله ايضا: قال الروس صراحة لنظرائهم الأمريكيين، انهم تعرضوا لخديعتهم بعد وقف اطلاق النار حيث استمر تدفق السلاح والمسلحين، لذلك لا وقف مقبلا لاطلاق نار او هدنة قبل القبول الأمريكي بسحق "النصرة" و"داعش" ومن يتفرع عنهما. هذا ما سيظهر في تطورات الحرب في حلب وأريافها في المرحلة القريبة المقبلة.
وحول مفاوضات جنيف أورد المقال: لا شيء محسوماً حتى الآن لجهة العودة الى مفاوضات جنيف. الثقة السورية بالمبعوث الدولي ستيفان ديمستورا اهتزت أكثر من مرة، الأمر الذي دفع القيادة السورية الى تأخير اللقاءات معه أو مع مبعوثيه أكثر من مرة. تتهمه دمشق بأنه يقول للمسؤولين السوريين حين يلتقيهم ان لا بديل عن الرئيس الأسد وان بقاءه في السلطة ضروري، ثم حين يغادر، يوحي بالعكس، وفق ما يروي مسؤول سوري رفيع المستوى. وهو اذ يتفق مع دمشق على أمر يمكن أن يناقضه حين يذهب لعند الآخرين.
التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في جبهة حلب مرشح للاستمرار وبوتيرة أسرع. لكن المتوقع أيضا ان تلجأ الأطراف الأخرى الى اشعال بعض الجبهات (يحكى عن ادلب) والإقدام على عمليات انتحارية واغتيالات وقصف مركز.
ماذا تريد أمريكا؟
خلافا لكل العنتريات التي نسمعها هنا وهناك بشأن رحيل الأسد. فإن وزير الخارجية الامريكي جون كيري أبلغ الروس أكثر من مرة في الآونة الأخيرة ان بقاء الأسد في السلطة ضروري للحفاظ على الجيش السوري والمؤسسات بغية الاستمرار في محاربة الإرهاب وفق ما روى الروس للسوريين. تريد أمريكا فقط من موسكو وعدا صريحا بأنه مع تقدم المفاوضات السياسية، تسعى القيادة الروسية لاقناع الأسد بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة وبقبول المشاركة الحقيقية في السلطة بالمقابل فان القيادة السورية لا تريد ان تسمع حتى بكلمة "مشاركة" لأنها تعني تقاسم السلطة. هي حددت سقف الحل السياسي، بالقبول فقط بحكومة موسعة تضم اليها بعض المعارضين المقبولين. أكثر من هذا مرفوض قطعا.
أما بالنسبة للتهويل بتقسيم سوريا، فان الأمر ما عاد مطروحا، أولا لأن ثمة قناعة أمريكية روسية بأن ضرره أكبر من فوائده، وثانيا لأن التقارب الروسي التركي (والكلام عن معلومات استخبارية قدمتها موسكو لاردوغان للكشف عن الانقلاب قبل حصوله)، يحمل وعدا روسيا قاطعا بعدم السماح بإقامة كيان كردي مستقل في الشمال السوري. ثم ان التركيبة العربية الكردية المعقدة في المنطقة لا تسمح بالتقسيم لأنها تستعيد مجازر التاريخ بين الجانبين.