الوقت- هناك على حائطٍ في الفلوجة، كتبت القوات العراقية المقاومة، عبارةً شغلت الإعلام، جاء فيها "كانت هزيمتكم ممتعة، موعدنا في الموصل ننتظر بفارغ الصبر". وهو الأمر الذي يعني الكثير من الدلالات. في وقتٍ يتم فيه الحديث عن أن معركة الفلوجة أحدثت تغيُّراً كبيراً في التوازنات الإقليمية، إن لجهة حجم الضرر المعنوي الذي ألحقته بتنظيم داعش الإرهابي، أو لحجم الحيرة التي خلفتها لدى أمريكا وأعوانها، والذين راهنوا على خسارة العراقيين في المعركة. مما ساهم في قيام أعوان السياسة الأمريكية، بالتشكيك بنتائج المعركة ونجاحها. فكيف يمكن قراءة نتائج تحرير الفلوجة من الإرهابيين؟ وما هي انعكاسات ذلك على العراق والمنطقة؟
هزيمة داعش ودلالاتها بإختصار
عدداً من الأمور يجب الوقوف عندها، في قراءة نتيجة الإنتصار وهنا نُشير للتالي:
- لا شك أن الخسارة الكبيرة لداعش في معركة الفلوجة، ستعود بالكثير من النتائج على الوضع الميداني، لا سيما لما تعنية المنطقة كمنطقة عبورٍ أساسية كان يستخدمها الإرهاب للإنتقال من العراق الي سوريا وبالعكس. مما يعني أن تحرير الفلوجة، سيُساهم في تثبيت المنطقة عسكريا وكذلك محيطها، منعاً لعودة الاضطرابات إليها، خصوصاً تلك التي تعتبر متاخمة للفلوجة أو ترتبط بها عبر طرق صحراوية، كان يستخدمها التنظيم لشنّ هجمات متفرّقة على القوات العراقية، وفتح عدة جبهات في أكثر من منطقة متاخمة لها. وهو ما يعني تأميناً كاملاً لغالبية المناطق المحيطة بهذه المدينة من الناحية العسكرية.
- وهنا الى جانب القيمة الجغرافية، فإن القيمية المعنوية أو كما يصفها البعض بالقيمة الإعتبارية، تأخذ حيزاً كبيراً من الأهمية. حيث أن خسارة التنظيم للمعركة، جعله في حالة الضعف محلياً في العراق، وإقليمياً في المنطقة. خصوصاً أن الفلوجة كانت تعتبر مكاناً من خلاله يسعى التنظيم الإرهابي للتمكن من الجغرافيا المحيطة، والإنطلاق منها. وهو ما يمكن ان يُفسر سبب تحييد واشنطن لتلك المنطقة، وإصراراها في البداية على تأجيل معركة الفلوجة وتأخيرها.
انتصار الفلوجة تمهيدٌ لإنتصار الموصل
عددٌ من الأمور التي تجعلنا قادرين على إعطاء سيناريو إنتصار العراقيين في الفلوجة، إحتمالاً أكبر. وهنا ومن باب الموضوعية، نقول أن الحرب لا شك أن فيها الربح والخسارة بالموازين العسكرية المُعتادة. لكن الواقع في العراق يجعلنا اليوم نثق بأن الإنتصار هو شبه حتمي، في معركة الموصل. فكيف يمكن إستنتاج ذلك، من خلال معركة الفلوجة؟
أولاً: فيما يخص الداخل العراقي، لقد كانت معركة الفلوجة عبارةً عن مناورةٍ عسكرية بالمنظور العسكري. حيث إستطاع العراقيون النجاح في عملٍ عسكري تنفيذي، ضم القوات العراقية المتعددة الى جانب العشائر المحلية. كل ذلك استطاع الإنضواء تحت راية الحشد الشعبي، والعمل بناءاً لتوجيهاته الإدارية. فيما كان التكتيك العسكري، تكتيك العزل والتطويق. الأمر الذي أنجح عملية التحرير، والتي جرت عبر إعتماد الخطوط الداخلية للمدينة، حيث بدأت العملية من عدة مناطق متفرّقة، لتنتهي بالإلتقاء في نقطة مركزية. وهو الأمر المعروف عسكرياً بصعوبته، لكن مجرد إختياره يدل على حسن تقدير القيادة العسكرية العراقية لظروف الميدان العسكري اللوجستية، الى جانب الظروف الديموغرافية.
ثانياً: إن حجم الضرر المعنوي الذي أحدثته المعركة بالنسبة للإرهابيين، هو نفسه حجم الثقة الكبيرة التي أحدثتها نتيجة المعركة بالقوات العراقية. حيث نجد أن الإنتصارات المتتالية، والتي رسَّخت قدرة العراقيين على مواجهة التحديات، أعطت زخماً كبيراً للتوحد في مواجهة المؤامرات الخارجية. ولعل من أبرز تلك الأمور والتي أغضبت واشنطن وأتباعها من العرب، هو أن العراقيين أصبحوا بحالةٍ من القوة، تُغنيهم عن الخارج.
ثالثاً: على الصعيد الرسمي العراقي، أحدثت المعركة حالةً من الإيمان لدى الأطياف العراقية كافة، بقدرة العراق على النهوض ومواجهة التحديات. حتى بات العراقيون يتهافتون لإعلان الإنتصارات. وهو ما يمكن الإستدلال عليه من خلال المواقف على الصعيد الرسمي، عبر ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، بأن معركة تحرير الفلوجة هي تحول مفصلي ونصر إستراتيجي في مسار الحرب على داعش في العراق. مما جعل المسار السياسي الرسمي للعراق، يُحدث تغيُّراً ومنعطفاً في السياسة الإقليمية والدولية للعراق، حيث استطاع العراقيون ولأول مرة الحديث بمنطق القوة وليس الضعف على الصعيد السياسي بالتحديد.
رابعاً: كل تلك الأمور مجتمعة، تجعل من المُستقبل، مشرقاً أمام العراقيين، حيث أنها المحطة الأولى في تاريخ العراق الحديث، والتي يستطيع فيها تحديد معالم وطنه، بالإضافة الى خياراته السياسية الأساسية. وهنا نقول بأن سياسة الإبتزاز التي كانت تعتمدها أمريكا وبعض الدول العربية بالإضافة الى تركيا، في التعاطي مع العراقيين، حيث كانت تبتزهم في الحرب على الإرهاب، عبر دعمهم الظاهري حيناً، ودعم الإرهاب في أغلب الأحيان لتقويته، باتت من الأمور التي لم تعد تنفع اليوم. فالعراق خرج من دائرة الإعتماد على الخارج. وأصبح يمتلك قدرة على تحقيق أهدافه، الى جانب الدعم الإستشاري من قبل إيران، والحلفاء في محور المقاومة.
إذن يبدو واضحاً أن العبارة التي كتبها العراقيون على حائط الفلوجة، تعني الكثير. ليس فقط ثقتهم بالنصر، بل شعورهم بالقوة، وإعلانهم للعالم أنهم لم يعودوا بحاجةٍ لأحد. خصوصاً لأمريكا والغرب وأدواتها. فالعبارة أوضح من أن نُفسرها. لكن الحقيقة التي يجب أن نُؤمن بها، هي أن العراقيين أصبحوا يقدمون للعالم نموذجاً من القدرة على النهوض. نهوضٌ بالوطن في كافة الأصعدة. فيما أصبحت إنتصاراتهم، محط إستهجان الكثيرين من الذين لا يريدون للعراق الخير.
أثبت العراقيون أنهم أهلٌ للإعتماد. فالمعركة المقبلة في الموصل، والتي بدأ الأمريكيون بالترويج لصعوبتها، أصبحت بنظر العراقيين أمراً محسوماً بالنصر. وهو أحد أبرز نتائج انتصار الفلوجة. فيما يجلس الأمريكيون بحسرةٍ على عراقٍ أرادوه أداةً لهم، ففشلوا. فالعديد من المؤمرات الأمريكية فشلت. بدايةً بالسعي لتفتيت المؤسسة العسكرية، مروراً بالعمل على التقسيم والفتنة، وصولاً لدعم الإرهاب. فيما يَختصر حائطٌ في الفلوجة، حالة النشوة التي يعيشها العراقيون اليوم، وإيمانهم بالإنتصار الحتمي المقبل في الموصل.