الوقت - الاستفتاء البريطاني حول الانفصال عن الاتحاد الاوروبي بين التداعيات والأسباب، ومسألة منصب رئاسة الوزراء والمرشحين الأوفر حظاً لكسبه، مواضيع طرحناها في حوارنا مع المتخصص في الشأن البريطاني والعضو في النادي السوري في بريطانيا الاستاذ "عمار وقاف" والذي جاء فيه:
الوقت: برأيكم لماذا ذهب الشعب البريطاني باتجاه خيار الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي؟
الأستاذ عمار: "السبب الرئيس هو قضية المهاجرين وهي القضية الأساسية في العقد الأخير الذي أتى خلاله حوالي 3 ملايين شخص متجهين من شرق أوروبا إلى المملكة المتحدة حيث أقاموا و بدؤوا بالعمل، وذلك شكل ضغطاً كبيراً على البنى التحتية، البريطانيون أيضاً خائفون مما قد يحصل لاحقاً مع انضمام دول جديدة من شرق أوروبا مثل بلغاريا وغيرها، في نهاية الأمر هناك مشكلة اللاجئين في أوروبا بسبب الهجرة عن طريق البحر من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها والناس باتت خائفة أن يصبحوا بين ليلة وضحاها في خضم هذه الأزمة ومضطرين للتعاطي معها، وأعتقد أن هذه المسألة كانت الدافع الأكبر للذين صوّتوا لانفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي."
الوقت: ما التداعيات المباشرة لهذا الإنفصال إن على الإتحاد الأوروبي أو على بريطانيا نفسها؟ وهل باتت الأخيرة مهددة بالتقسيم بعد تجدد الأمل الأسكتلندي بالإنفصال باعتبارهم يميلون للبقاء مع الكتلة الأوروبية؟
الأستاذ عمار: "بداية وبالنسبة للجزء الثاني من السؤال أبدأ باسكتلندا، فالحزب القومي الاسكتلندي وجد فرصة في هذا الاستفتاء وبالتحديد بتصويت اسكتلندا بأغلبية الثلثين تقريباً لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي على عكس ما فعلته بقية بريطانيا، وهو يريد الإستفادة من هذا التباين بإعادة طرح مسألة استقلال اسكتلندا من زاوية أنهم يريدون البقاء في الإتحاد الأوروبي فلماذا يُجبرون على الانفصال وهي مسألة تتعلق بتقرير المصير وهم لا يريدونها، وهذا يشكل أرضية لطرح الإستفتاء مرة ثانية، لذا فهناك خطر حقيقي، والآن قبل قليل خرجت الوزيرة الأولى في استكتلندا أو رئيسة الوزراء هناك اذا صح التعبير وأكدت انهم سيقومون بإجراءات واستشارات فيما يتعلق بهذا الأمر، اذاً ان هذا الحزب الذي يملك الأغلبية الكبرى في البرلمان الاسكتلندي يريد أن يقرر موقفه من هذا الأمر."
وتابع قائلاً: "أما التداعيات على المملكة المتحدة فطبعاً إن انفراط العقد سيجعل المملكة امام تحديات أهمها المسألة الإقتصادية التي سيكون محورها عدم قدرة المملكة على الولوج إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم مما يضطرها الى دفع رسوم اضافية ستضعف المنتج البريطاني من حيث السعر وتفقده التنافسية، كما ان هناك شركات كبيرة وعملاقة كانت مستقرة في بريطانيا وكانت تضخ منتجاتها في السوق الأوروبية ستضطر لنقل مركزها لدول الداخل الأوروبي لتتمكن من مزاولة نفوذها إلى هذه السوق دون رسوم جمركية، إضافة للكثير من عدم الوضوح في الجانب الإقتصادي لهذا الإنفصال."
الوقت: ما تأثير انفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي على النفوذ الأمريكي داخل هذه المؤسسة الأوروبية العظمى واتخاذ القرار فيها باعتبار بريطانيا هي الصديق او الحليف الأقرب لأمريكا من بين كل الدول الأوروبية الأخرى؟
الاستاذ عمار: "لم تُخف الولايات المتحدة رغبتها ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لأنها تريد صوتاً هو الأقرب لها داخله ولكن في نهاية الأمر الولايات المتحدة هي قائدة لحلف الناتو وفيما يتعلق بالمسائل الأمنية وما شابه فهي تتعامل مع المسائل والأزمات العالمية تحت مظلة الناتو، ولن يحدث تغيير كبير حقيقة، إلا اذا حدث نزاع حقيقي أوروبياً."
الوقت: ألا تعتقد أن هذه الخطوة ستجبر الأمريكي على توطيد علاقته مع دول أوروبية أخرى ليحفظ مكاناً له داخل المنظومة الأوروبية ويستطيع التأثير مقابل الرأي الألماني الذي يتميز عن الأمريكي في بعض الأحيان؟
الاستاذ عمار: "لا اعتقد ذلك فكما قلت سابقاً فيما يتعلق بالمسائل العسكرية والامنية فالناتو هو سيد الموقف وهي مؤسسة ومنظمة مترسخة منذ ما يقارب النصف قرن او أكثر ولن يحدث هناك تغيير إلا في حال حدث نزاع معيّن بين الاتحاد الاوروبي وبريطانيا، هذا الأمر سيضع الولايات المتحدة امام موقف جدّي يستلزم التحرك."
الوقت: برأيكم هل سيشجع هذا الإنفصال دولاً اوروبية أخرى على القيام بخطوات مماثلة؟
الاستاذ عمار: "ليس دول أوروبية أخرى بقدر ما هي حركات يمينية في هذه الدول، يعني فجأة وكما يبدو أن اليمين البريطاني هو الذي خرج بهذا الإنتصار، اليمين المتطرف طبعاً كحزب الإستقلال البريطاني، فاذا ما أردنا وضع وجه لهذا التصويت يمكننا وضع وجه "نايجل فاراج" عليه، فهو الذي أعلن الانتصار وان هذا يجب أن يكون كيوم الاستقلال وكذا..، ويقابله في الدول الأخرى مثلاً "ماري لوبن" في فرنسا وغيرها في هولندا ودول أخرى وهم الذين يتحدثون ويعتمدون أجندات مشابهة جداً لليمين البريطاني تتعلق برفض اللاجئين وإقامة الحدود وانهم لا يريدون دول شرق أوروبا ولا نريد المهاجرين القادمين من أفغانستان وسوريا وغيرها ولا نريد انضمام تركيا وما شابهه من امور، وهي أجندة مشتركة، وهذا التصويت يغريهم بالمطالبة ضمن بلدانهم باتباع شيء مشابه."
واستدرك قائلاً: "ولكن في حالة بريطانيا بعض الخصوصية فهي بالأساس ليست عضواً في اتفاقية شنغن وثانياً جغرافياً فإن الجزر البريطانية مفصولة عن الجغرافيا الأوروبية وهذا يعطي الآخرين فرصاً أقل، فمثلاً كيف لفرنسا ان تغلق حدودها وهي على تماس مع دول عديدة أخرى، فنعم هذا الاستفتاء قد يغري بعض الحركات في دول أوروبية أخرى لكن الجميع يريد ان يتمهل ويرى تداعيات الإنفصال البريطاني، فالإتحاد الأوروبي بدأ يأخذ موقفاً متشدداً لكي يمنع في شيء من هذا الموقف دولاً اوروبية اخرى من مجرد التفكير بالإنفصال، ربما يريدون أن يجعلوا من بريطانيا امثولة لكل من يفكر بترك الاتحاد، لذا قد يكون لاستفتاء الانفصال البريطاني تداعيات إيجابية على تماسك الإتحاد الأوروبي بعد فترة عشر سنوات تقريباً منذ الأزمة الاقتصادية وانهيار الإقتصاد في اليونان وقبرص وايطاليا واسبانيا ودول جنوب أوروبا عامة، لذا فإنه من تداعيات الانفصال البريطاني تماسك قد نراه في الاتحاد الاوروبي لم يكن ليحلموا به من قبل."
الوقت: برأيكم من هو الشخص الأوفر حظاً لخلافة كاميرون في رئاسة مجلس الوزراء؟
الاستاذ عمار: "الموضوع شائك قليلاً، فرئيس الوزراء البريطاني حصر خليفته في حزبه بمعنى أنه سيستقيل وسيترك الإختيار لحزب المحافظين في تقرير من سيكون خليفة له ولن يدعوا لانتخابات، من المحتمل في هذه الحالة أن يكون الشخص الاوفر حظاً هو "بوريس جونسون" الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي على حزب المحافظين، وهناك أيضاً "تيريزا ماي" وهي كانت ضمن حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي بجانب كاميرون، ويمكن أن يكون لها حظ في تولي هذا المنصب، إلا ان جونسون هو الاوفر حظاً حتى الآن، ولكن هناك مشكلة وهي بالتفويض الذي يعطى لرئيس الحكومة في بريطانيا وهي مشكلة حصلت وقت استقالة "طوني بلير" ومجيء "غولدن براون" الذي قضى عامين وظل الجميع يقول له انك لا تملك تفويضاً من الناس بمعنى ان الناس وقت انتخابهم لحزب العمال كان رئيسه طوني بلير ولم يكن بروان ولو كان كذلك لما تم انتخاب الحزب انذاك، فهذه المشكلة يمكن ان تضطر بجونسون أن يدعو لانتخابات وحينها من غير المعروف من سيفوز فيها، ولكن في الوقت الحالي فإن جونسون هو الأقرب لتولي هذا المنصب وبالقانون فإن الحزب الحاكم سيتشاور فيما بينه ويولي رئاسته لشخص يختاروه وبالتالي سيتولى رئاسة مجلس الوزراء في بريطانيا".
