الوقت- ما حدث في الذكرى السنویة الرابعة لسقوط مبارك وانتصار الانتفاضة الشعبية في القاهرة والمدن المصرية الأخرى، يمثل تكرار بعض المشاهد قبل سقوط مبارك. المسيرات بهذه المناسبة تحولت إلی نزاعات مسلحة، وخلفت مقتل ما يقرب من 20 شخصاً وإصابة 100 آخرین. وتزامنت هذه الصراعات وردود الفعل تقریباً مع الإفراج عن نجلي مبارك وتبرئة الأخیر.
الأحداث التي شاهدناها أظهرت أنه بعد مضي أربع سنوات وحدوث العدید من التغييرات، مازالت المعادلات الماضية تحکم مصر بحلة جدیدة. وتشیر من جهة أخری إلی أنه لا تناقض بین الحكومة الحالية والديكتاتور السابق، ولا توجد لدیه مشکلة مع نجلي مبارك الذین ثبت تورطهما في الفساد المالي أیضاً.
قبل أربع سنوات في 25 من يناير، كان الشعب المصري قد وصل إلی إجماع بفقدان نظام مبارك للأهلية، لأنه علم أن هذا النظام قد انخرط في فساد کبیر علی المستوی الداخلي، ولم یحقق أي نجاح علی المستوی الخارجي أیضاً. ویقول الشارع المصري إن الأوضاع باتت أکثر سوءاً أیضاً وذلك علی صعیدین:
الدستور: إن الجیش وخلافاً لجميع القواعد الأساسية في العالم وبشکل استثنائي، خصص لنفسه حقوقاً مالية واقتصادية وسياسية، الأمر الذي یدل علی تدهور الأوضاع بشکل أکبر.
اعتقالات واسعة النطاق بحق الإخوانیین: إذا کان في الماضي عدد قلیل من الإخوانیین في السجن، ولکن في ظل هذه الحکومة الجدیدة، فهنالك ما یقرب من 16 ألف شخص من الإخوانیین من القادة إلی الکوادر، یقبعون في السجون المصریة. وهذا یدل بشکل خاص علی أن طبيعة النظام الحالي هي امتداد للنظام السابق.
ومن جهة ثانیة ثمة نقاط أخرى هامة في الاحتجاجات الأخيرة في 25 من يناير. حیث لم نشهد حضور الأحزاب العلمانية والقومية، وما حدث لم یکن احتجاجات ضخمة في الشوارع؛ بل احتجاجات في الأزقة والشوارع الفرعیة. ذلك أن الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى قد أغلقتها الشرطة، وهذه القضیة أضفت علی الثورة المصریة طابعاً ممیزاً.
لقد غصّت الشوارع الفرعیة بالحشود الساخطة التي لم تحمل علامة حزبیة، والخبرات المكتسبة على مدى السنوات الأربع الماضية ومثل العديد من الثورات، توحي بأن الشخصيات المحافظة والأحزاب الراغبة في التسویات، قد استبعدت من مشهد التحرکات الشعبیة.
ویمکن القول إن تزامن انهيار النظام وقیام النظام الجدید، قد أدی إلی تعقید الثورة المصریة. ومازال الشعب المصري یشعر أن انهیار الأجزاء الأخری لدكتاتورية مبارك لم یتحقق، بل جری ترمیمها أیضاً، وهناك مبارك جدید أخذ بزمام الشؤون السیاسیة لمصر.
أکثر العسکریین ولاءً في الجیش المصري لهم مناصب في الدولة، وتولی أکثرهم ولاءً مسؤولیة جهاز الاستخبارات العسكرية. ولهذا کان عبد الفتاح السیسي رئیس جهاز الاستخبارات في الجیش المصري إبان نظام مبارك، وکان الصدیق الوفي له وهو الآن یحکم مصر. ولذلك ليس هناك أي أمل أو مؤشر على إکمال عملیة انهيار نظام مبارك. وما یحدث هو استمرار الثورة في الثورة، بمعنی عندما تحقق الثورة النجاح الأولي، یسعی الثوار إلی إکمال انهیار النظام السابق حسب البرنامج الذي لدیهم، أما الآن فهذا البرنامج یسیر علی طریق معکوس.
والیوم نجد أن الثورة تسیر علی کاهل مجموعتین:
طلاب الجامعات: حیث کانت الجامعات منذ بداية العام الدراسي في حالة شبه مغلقة، وکانت مرکز التحرکات المناهضة للدكتاتورية.
جماهير الشعب: الذین لا ینتمون إلی حزب أو مجموعة، ولا یحملون علامة حزبیة خاصة.
هذا التحرك الشعبي الحالي یشبه التحركات المماثلة للثورات الكلاسيكية، وهنالك خلاف شدید بین أولئك الذين یریدون التغییر في مصر، والذین یدعون إلی استقرار الأوضاع کما هي. وسیکون هذا الخلاف عبر الثورة العنيفة، ولا یوجد طریق لحله.
من ناحیة أخری یحضّر النظام الحالي لإجراء الانتخابات البرلمانية، ویسعی إلی تمهید الأجواء لها، ولکن الظروف لیست بحیث تستطیع الحكومة من خلال إجراء انتخابات برلمانية موجهة، القضاء علی الطاقات الثورية.
الیوم تقف مصر علی أعتاب سلسلة من الأحداث، ولم یعد الشعب المصري وخاصة الشریحة الشابة - نظراً لسكان مصر البالغ عددهم 80 مليوناً، ونصفهم تحت سن 25 عاماً – یتحمل الهيكل السابق، والجیل الشاب هو الذي سیمد الثورة بالطاقات الجدیدة.
