الوقت- 28\01\2014 , لم يكن تاريخ بدء عملية شهداء القنيطرة .. فالعملية بحقيقتها بدأت قبل أسبوع, مارست فيه المقاومة عمليات التمويه والتضليل عبر اثارة القلق المتنقل في صفوف الجيش الاسرائيلي, تعمده حزب الله لتشتيت تركيز الاستخبارات الاسرائيلية الامنية والعسكرية.
فقد تنقلت احداث أمنية ليلا ونهارا على مدى ايام بين الحدود من الناقورة الى الجولان السوري المحتل, واثارت استنفارا اسرائيليا, كان القصد منها تركيز وتشتيت انتباه الصهاينة الذين كانوا يدركون أن حزب الله سيقوم بعمل رد على اعتداء الكيان الاسرائيلي الذي طال موكبا للحزب في القنيطرة أدى الى استشهاد 6 مجاهيدن من الحزب اضافة الى قيادي في الحرس الثوري كان متواجدا في الموكب.
العملية, التي تمت صباح نهار الأربعاء, 28\01\2014, أتت في منطقة كان الكيان الاسرائيلي يتوقع استفادة الحزب منها لدلالات كثيرة تحملها, فهي ارض لبنانية محتلة, تتمتع بجغرافيا معقدة تشكل فرصة للقيام بعمليات مماثلة, وكذلك منطقة لا يمكن وصول الدعم اليها بسرعة كحال أي منطقة على الحدود, وتمكن عناصر الحزب من الاختفاء بسرعة قبل استهدافهم, وهي فوق كل هذا تعني للحزب أنها امتدادات الجولان حيث الاعتداء الاسرائيلي برمز المنطقة حيث تم الاعتداء على مركب مماثل تابع للحزب !!
العملية التي تم البدء بالتجهيز لها منذ وقوع حادثة القنيطرة, حيث بدأت الجهود في صفوف قيادة المقاومة عبر التنسيق مع دمشق وطهران التي اتخذت قرارا جامعا بضرورة الرد لاعادة تثبيت قواعد الاشتباك, وتم انتخاب مكان وشكل لعملية تناسب الاعتداء الاسرائيلي, فكان الخيار مزارع شبعا المحتلة في جبال الحرمون التي تعتبر هضبة الجولان امتدادا جغرافيا لها.
أما المعطيات الاهم من مكان الانتخاب الذي اتى مناسبا جدا, فهو الهدف والتوقيت:
الحزب الذي أعلن عن ظهور امينه العام للتحدث حول مجريات حادثة الاعتداء في القنيطرة, حيث كان قد تم تأجيل موعد الخطاب الى وقت اخر ولم تعلن الاسباب, رسالة فهمها الكيان الاسرائيلي جيدا ان قرار الأمين العام للحزب عدم الخروج الى الاعلام الا حين تكون المقاومة قد نفذت ردا على هذا الاعتداء, وهذا ما أهب الكيان الاسرائيلي اكثر وزاد من قلقها واستنفارها.
قبل العملية ب 48 ساعة, نفذ الحزب في الضاحية الجنوبية والجنوب اخلاءا لمراكزه تم فيها الانتقال الى خطة الطوارئ التي يلجأ اليها الحزب خلال الحرب, وهذه الرسالة أيضا وصلت الى الكيان الاسرائيلي عبر وسائله الاستخباراتية المتعددة, وأيضا بدأ الكيان يشعر بسخونة الموقف أكثر, دون قدرته على تحديد الزمان والمكان الدقيق, فزاد الكيان الاسرائيلي مع هذا الاجراء الذي قام به الحزب, مساعيه الدبلوماسية عبر التواصل مع روسيا وكل من يملك علاقات دبلوماسية مع اي من اطراف محور المقاومة لاقناع الحزب بعدم الرد أو القيام برد تستطيع اسرائيل تحمله بحيث لا يجر المنطقة الى حرب.
تعتيم امني كبير جدا وسرية تامة مارستها قيادة الحزب واكبت كل الاجراءا ت والتحضيرات, وتفيد المعلومات أن خطاب الامين العام فعلا قد تم تأجيله لحين القيام برد على الاعتداء الاسرائيلي.
ورغم استنفار كل الاستطلاع الاسرائيلي الجوي والبري والبحري بوسائله البشرية والفنية واستخباراته ومع علم مسبق لاسرائيل باستعداد الحزب لعملية خلال ساعات , نجحت مجموعة من المقاومين الذين لا يتعدى عددهم الخمسة افراد في تجاوز أجهزة الرصد والمراقبة لدى العدو، واختراق إجراءاته الاحترازية المتخذة منذ ايام في ظل استنفار عسكري واسع النطاق, وتمكنت مع عتادها القتالي من التسلل الى منطقة بركة النقار الواقعة في مرتفعات مزارع شبعا المحتلة, والتموضع وتنفيذ كمين محكم لقافلة عسكرية اسرائيلية مؤلفة من 6 اليات, تضم جنودا وضباطا برتب عالية في الجيش الاسرائيلي.
وبحسب مصادر مطلعة أفادتنا, وأكدت تقارير الصحف الاسرائيلية حول مجريات العملية, أن هجوما ابتدائيا بصاروخ موجه متطور جدا استهدف عربة D-MAX التي كان يستقلها قائد سرية في «لواء جفعاتي» وسائقه الرقيب أول فقتلا على الفور, وسرعان ما التف حولها مجموعة من الجنود في محاولة لانقاذ من فيها , فتمت مهاجمتهم مجددا بصواريخ موجهة أيضا ، ليتم بعدها استهداف منطقة الموكب بقذائف الهاون ردا على قصف اسرائيلي طال مناطق مطلة على موقع العملية في الاراضي اللبنانية.
القناة الإسرائيلية العاشرة اعترفت أن “القافلة المستهدفة في مزارع شبعا كانت عبارة عن موكب قيادي انهى جولة له في المزارع يضم 10 ضباط من فرقة " تسبار" التابعة للواء النخبة جفعاتي , كما أعلن الجيش العدو الإسرائيلي أن الجنود الذين قتلوا في مزارع شبعا هم قائد سرية في اللواء الرائد يوحاي كلينغر والعريف نيني من شيتوليم وسبعة من الجرحى, رغم دلالات تشكك في مصداقية العدد الذي أفصح عنه الجيش الاسرائيلي, الذي كعادته يمارس تعتيما اعلاميا وتكتما شديدا حول الاصابات.
العملية العنيفة, رسالة ذكية من الحزب الذي قام باستهداف "موكب قيادي" في منطقة تعتبر من مناطق الجولان وجوارها, رد عبر رسالة محكمة الدلالات كيفما قرئت, في المكان والهدف والكيفية.
أسئلة خفية لا جواب عليها, هي من اسرار المقاومة التي تظهر ابداعا في ادارة صراعها مع الكيان الاسرائيلي, صراعا تحترم فيه المقاومة أصول القتال الشهم, تلتزم فيه بضبط نفسها في ساحات القتال المباشر رغم الصعوبات , فتنتخب الساحات والشكل والتوقيت المناسب بدقة واتقان بعيدا عن التهور والتسرع.
العملية استهدفت موكبا قياديا من 6 اليات, فكيف عرف الحزب بتوجه الموكب الى المنطقة ؟؟ وكيف حدد مسار العبور الاجباري له , لينصب كمينا ثابتا في نقطة المقتل , وكيف شخص الاليات التي تتواجد فيها القيادة واستهدفها ؟؟ ولماذا استهدف الحزب بعض آليات الموكب بالتدريج رغم امكانيته ابادة الموكب كله عبر ضربة واحدة دون السماح للجنود بالفرار, حيث تمت السيطرة النارية على الموكب عبر صواريخ مدمرة متطورة ودقيقة !!
هو الحزب المبدع, المرعب, العنيد, يتقن فهم عدوه الى اخر مدى , يعرف موازين اللعب وحدودها, ويحترف فن الاشتباك, كان يمكنه اسقاط العشرات من القتلى بسهولة, عرف أن ما يجب أن تحمله الرسالة بحكمة تؤدي غرضها دون أن يحرض الكيان الاسرائيلي لتلقي خسائر لايمكنه تحملها, فيقدم تسرع الى عمل يجر حربا, فقرر ان يسدد ضربات عنيفة فيها خبرات قتال سنوات في سوريا اكتسبها الحزب قيادة وافراد, ليفهم الكيان الرد ورسالته جيدا.. فكانت الضربة بمقدار الحكيم الذي لا يزيد عن الحد ليجر حربا , ولا ينقص عن مقدار يجعل الشهداء اقل قدرا في عيون مقاومتهم التي عشقتهم !!
هو الحزب الواعي الدقيق الذي يتهمه أقزام في هذا العالم بالمغامر, يرسم معادلات ردع تحمي بلده وشعبه وقضاياه بكل احتراف, يكسر انوف قادة صهاينة حاقدين طامعين , ويقول كلمته الفصل عند كل مفترق وحدث " الأمر لي فإياكم .." !!
