موقع الوقت التحليلي الإخباري | Alwaght Website

الوقت- كما أن عميدة الصحافة الاميركية هيلين توماس لم تكن الأولى، فان جادل كلانسي لن يكون الأخير، وهذا مصير كل من تسول له نفسه توجيه أي انتقاد الى اسرائيل والاسرائيلين في الاعلام الأمريكي.هناك يحق لك الإساءة للأديان السماوية، ولكن لا يحق لك أن تنتقد إسرائيل! فالأولى تمر مرور الكرام، ويندرج ما قلته في سياق "حرية تعبير"، أما لو انتقدت إسرائيل، فسوف تعتبر "مجرم "، وتُتهم بمعاداة السامية بعد طردك من عملك، ولن تشفع لك شفاعة الشافعين.

 مرة جديدة يكشف الاعلام الاميركي عن صورته الحقيقية التي يمكن وصفها بالحد الادنى، انها ابعد ما ‏تكون عن شعارات الديمقراطية والحرية الزائفة التي يُتخذ منها ستاراً وهمياً لاخفاء ‏صورته الحقيقية، المنحازة ضد كل القضايا العادلة في العالم، وقد جاءت استقالة" جيم كلانسي" مذيع قناة "سي ان ان" الأمريكية بعد تعرضه لضغوط اثر توجيهه انتقادات لإسرائيل على حسابه على تويتر على خلفية الهجوم على مجلة "تشارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، لتضع علامة استفهام كبرى عن جدوى ‏الحديث عن حرية الرأي والتعبير في الاعلام الاميركي التي يكفلها الدستور، وتأتي قضية  كلانسي‎ لتفضح مجدداً هذا الاعلام الذي أقال عميدة الصحافة الاميركية هيلين توماس ‏بسبب دعوتها اليهود الى العودة من حيث أتوا، وترك فلسطين لأهلها، وهو الاعلام نفسه الذي فصل ‏اوكتافيا نصر مديرة مكتب ورئيسة قسم شؤون الشرق الاوسط لقناة سي ان ان بعد ان عبّرت عن أسفهاعلى موقع تويتر لرحيل العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله، ونفسه الذي ‏دفع بكاتب المدونة في صحيفة 'واشنطن بوست' ديف ويغل الى الاستقالة بعد ان تجاوز الخطوط ‏التي فرضتها الصحيفة على العاملين لديها.‏

 كلانسي صاحب خبرة ال34 عام، ويقدم برنامج "The Brief" على القناة، حصل على جوائز عدة هي “جورج بولك” الشهيرة، لتقارير أعدها عن مجازر لواندا بإفريقيا، كما حصل على جائزة “دوبون كولومبيا” الدولية، عن تغطيته المميزة للحرب في البوسنة، وأيضًا على جائزة “إيمي” الدولية، عن تقاريره حول المجاعة بالصومال والتدخل الدولي فيها الصومال. الاعلامي الأمريكي الذي شارك  خلال حياته المهنية في تغطية أحداث عالمية هامة كحرب الخليج، وسقوط جدار برلين، كتب مؤخراً في حسابه على تويتر عقب الهجوم على شارلي مباشرة، يقول إن: “الرسوم الكاريكاتورية لم تسخر من النبي محمد، وإنما سخرت من الذين يحاولون تشويه كلامه، انتبهوا“، وفي تغريدة لاحقة له، قال “كلانسي” إن: “الدعاية الإسرائيلية تتحمل جزءًا من مسؤولية الهجوم“،لاحقاً أعلن استقالته أو"إقالته"، وكذلك أغلق “كلانسي” حسابه على تويتر.ومع هذا أطاحت شبكة "سي إن إن" بأبرز الاعلاميين لديها بسبب التغريدة التي اعتبرت انتقادًا لإسرائيل.

 مصير كلانسي هو ما عانت منه أيضًا “هيلين توماس”،عميدة صحفيي البيت الأبيض عام 2010، بسبب تغريدة قالت فيها إن فلسطين محتلة، وعلى الإسرائيليين العودة للبلدان التي قدموا منها في أوروبا، ما اعتبر جريمة ضد إسرائيل اضطرتها  للاستقالة. ‏اوكتافيا نصر رئيسة قسم شؤون الشرق الاوسط لقناة سي ان ان أيضاً، تعرضت للفصل بعد أن عبرت على مدونتها الشخصية على شبكة الانترنت عن ‏أسفها لرحيل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله.

ازدواجية المعايير

 اللاموضوعية تجاه منطقة  الشرق الأوسط ولدت من رحم الاعلام الأمريكي، واستقام عودها بعد وعد بلفور واحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين،  فعلى سبيل المثال لا الحصرعندما هاجم رسامو كاريكاتير مصريون قادة إسرائيل، خصوصًا شارون لزيارته مصر، في صور هزلية كمجرم حرب، وانتشر الهجوم على إسرائيل بعبارات مثل: “الجهاد.. أقوى مبيد للحشرات الإسرائيلية“، وقع الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” قانونًا يلزم وزارة الخارجية برصد وإحصاء الأعمال المعادية للسامية في العالم وتقويم مواقف الدول من هذه الأعمال‏!

 لم يعد خافياً على القاصي والداني الدور الذي يلعبه الاعلام الاميركي لتبرير اي غزو عسكري يقوم به الاميركيون واعطائه ‏طابعاً وبُعداً إنسانيا للتعمية على الهدف الحقيقي، وبات معلوماً كيف ‏وظفت واشنطن وسائل اعلامها ومنذ لحظة استهداف برجي التجارة العالمية لكي تبرر غزوها ‏لأفغانستان بذريعة القضاء على "صنيعتها" تنظيم القاعدة ، كذلك المشهد في العراق لا يختلف كثيراً عن هذا السياق، فـالبروباغندا الاميركية حول ‏امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ثبت زيفها، ومع مرور الاعوام بات جلياً أن الهدف ‏الاميركي الكامن وراء احتلال العراق هو السيطرة على ثرواته النفطية ونهب خيراته.أما في فلسطين المحتلة فأبعد ما يكون هذا الاعلام الاميركي عن الموضوعية فهناك يسعى الأمريكييون ‏الى قلب الحقائق وتصوير الجلاد بأنه ضحية فتتحول حجارة الفلسطينين بوجه الدبابات الى خطر يهدد ترسانة تل أبيب العسكرية، من اسلحة الدمار ‏الشامل والقنابل العنقودية، مروراً بالفوسفورية والمحرّمة دولياً، وصولاً الى الرؤوس النووية ‏التي تنفرد اسرائيل بحيازتها في منطقة الشرق الأوسط. الاعلام الاميركي نفسه الذي يظهر عبر قنواته الجنود الاسرائيليين في موقع المدافعين عن أنفسهم أثناء ارتكابهم المجازر في المدن او البلدات الفلسطينية المحتلة، يعمد الى اظهار صواريخ المقاومة الفلسطينية بأنها الخطر الذي يهدد ‏حياة المستوطنين متجاهلاً كل الجرائم التي  اقترفتها آلة التدمير الاسرائيلية، ‎واستخدام الاسلحة المحرّمة دولياً.

في السياق نفسه لا يتوانى الاعلام الاميركي"المسيس" في التعمية على الاستيطان الاسرائيلي، والإعتداءات المتتالية على المسجد الأقصى والحصار ‏الوحشي المفروض على قطاع غزة الذي يذهب ضحيته المئات من الاطفال والشيوخ والمرضى لانهم  يفتقدون ‏الى أبسط مستلزمات الحياة. ‏

 اذاً، بات واضحاً لدى الأمريكيين أنفسهم حجم  التأثير الاسرائيلي في الاعلام الاميركي عبر نفوذ اللوبي الصهيوني ‏الذي يمسك بزمام السياسة الاميركية بشكل مباشر او ‏غير مباشر، فكل من يعرقل منحى تل أبيب في هذا المجال مصيره الاستقالة، أقصد الإقالة.

 ان ازدواجية الغرب مع مصطلح "حرية التعبير" تماماً كازدواجيته مع مصطلح "الارهاب"، خاصةًعندما يرحب بالسخرية من الدين الإسلامي والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، في مقابل رفضه التام لأي انتقاد الى إسرائيل. نحن في عصر يشهد تحول الكرة الارضية الى مجرد قرية كونية بفعل تطورالاعلام ووسائله، في ظل سعي الاعلام الأمريكي الى التعمية ‏على الحقائق واخفاء جرائم اسرائيل التي فاقت تصور العقل البشري، ولعل نموذج الاعلامي كلانسي يندرج في سياق التعمية الاعلامية التي تستخدمها واشنطن، في ‏سبيل منع اظهار الحقيقة وحرية التعبير عن الرأي والرأي الاخر، ويساهم في كشف عورة الاعلام ‏الاميركي وما يعتريه من خضوع لضغوط اللوبي الصهيوني، فمن الحق ما فصل من العمل!!