الوقت- مرت ایام علی اضخم مسیرة بالعالم، مسیرة الروح والدم، مسیرة انتصار الدم علی السیف، مسیرة لم تستطع کل التحدیات اسکاتها و اطفاء شعلتها. مرت الایام علی طواف هذا السیل البشري حول کعبة الارواح، فکان الاحرام عشقا للقاء، و التلبیة نداءات تملأ الحناجر "لبیک یا حسین"، الرجم في حج کربلاء کان لشیاطین دنیویة، رجم معنوي لکل من شکک بقدرات "الشیعة" لحمایت انفسهم، جمرات تحد اطلقتها عقیلة بني هاشم منذ مئات السنین، فکانت "یا یزید کد کیدک و اسعی سعیک". فعبثا یحاول الارهاب الوصول الی عقر الدیار الشیعیة، عشرات المحاولات لم یفلح الارهاب من خلالها الی اسکات صوت کربلاء. القدرات العراقیة کانت بحجم التحدي، بل اکبر منه. فکیف کانت تداعیات الاحیاء علی المیدان السیاسي العراقي؟
اتخذت السلطات العراقیة ایام الاربعین الحسیني اجراءات امنیة مشددة لتفادي الهجمات التي هدد الارهاب بشنها لاستهداف شیعة العراق اثناء احیاء المناسبات الدینیة. فاغلقت شوارع عدة في بغداد، لا سیما الطریق بینها وبین كربلاء. وعاشت مدینتي النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والطرق المؤدیة الی هاتین المدینتین، حالة امن تامة بعد انتشار قوات الامن في الطرق المؤدیة الی كربلاء والنجف لتامین الطرق للزوار المتوجهین نحو كربلاء المقدسة. كما اتخذت قوات الامن العراقیة تدابیر امنیة مشددة في بغداد ومحافظات الجنوب وكربلاء لحمایة ارواح الزوار و الحد من التفجیرات الارهابیة. وقد شارک في الخطة الامنیة الخاصة بزیارة الاربعین حوالي 25 الف عنصر امني مقسمين مابین الجیش و الشرطة. 15 الف منهم من كربلاء و حوالي 3000 منتسب من خارج المحافظة و 2000 من الشرطة الاتحادیة. و قد شارک حوالي 5000 من قوات الحشد الشعبي لحمایة المراسم .
وقد حققت الحکومة والقوات المسلحة العراقیة وقوات الحشد الشعبي، انجازا کبیرا في توفیر الامن لمراسم الاربعین العظیمة التي شهدت الحشد البشري الاکبر في العالم. ولم تستطع، محاولات الارهابیین التکفیریین، الاخلال بامن مراسم الاربعین الحسیني، فالسیطرة الامنیة والاستخباریة الکاملة من قبل الحکومة العراقیة والتخطیط الفاعل والمناسب في ادارة هذه المراسم کانت مؤشرا واضحا لجدارة الاجهزة المسؤولة في هذا البلد .
ولا شک ان النهج الصائب للحکومة العراقیة في الاستعانة بالقوى الشعبیة لحفظ الامن، والاستثمار الذکي للطاقات العظیمة لقوات الحشد الشعبي، قد عرض امام انظار العالم مرة اخرى القوة التي لا نظیر لها لارادة الشعب العراقي الباسل في مواجهة الارهاب التکفیري وارساء الامن في بلادها .
ولیست المرة الاولی التي یبهر العراق العالم في انجاح هذه المناسبة العظیمة. فمحافظة كربلاء المقدسة وجمیع الدوائر فیها تستعد في كل عام أمنیا وخدماتیا وصحیا لاستقبال ملایین الزوار الذین یاتون إلیها من داخل العراق وخارجه لإحیاء مراسم زیارة أربعینیة الإمام الحسین (ع). و السجل اللامع للحکومة العراقیة في اقامة مراسم الاربعین حولت المراسم، بالتوجه لحضور زعماء عشائر الشیعة والسنة والاکراد وحتى سائر المذاهب، الى رمز للتلاحم والوحدة الوطنیة في العراق، وتعتبر افضل وثیقة لاثبات قدرة الحکومة والشعب العراقي على ارساء الامن دون الحاجة الى مساعدة من القوى الاجنبیة. و لاشک ان الارادة الحازمة للحکومة والشعب العراقي و الدعم القیم للمرجعیة الدینیة ستهزم ما تبقی من قدرة عناصر الارهاب وتکون مصدرا لانتصارات اکبر وتعید الامن والاستقرار والرخاء الى الشعب العراقي المقاوم .
و لا یخفی حسن وکرم ضیافة الحکومة و الشعب العراقي لاکثر من 20 ملیون زائر، جاؤوا من حوالي 60 دولة في العالم للمشارکة في مراسم الاربعین الحسیني. فمن جدید اظهر الشعب العراقي تلاحمه و وقدرته علی الاهتمام بضیوف ابي عبدالله الحسین (علیه السلام)، رغم کل الظروف الامنیة و الاقتصادیة التي یعاني منها الشعب العراقي .
الامن في الاربعین الحسیني کان عراقیا بامتیاز، و الانجاز الاربعیني، علی کافة اصعدته، یشکل واحدا من ابرز القدرات العراقیة التي تبین باستمرار عدم حاجة العراق لمن یحمیه، ان کان حلف اطلسي، او تواجد خارجي او اي نوع من انواع التدخل الخارجي في الشان العراقي. و اقامة المراسم العظیمة لاربعینیة الامام الحسین (ع) في ظروف العراق الامنیة الخاصة تمکنت من توجیه رسالة لکل العالم ان العراق قوي بقوة شعبه، و قادر علی مقارعة الارهاب بتماسکه و قدراته الخاصة ولیس بحاجة لاي تدخل اجنبي یزعزع استقراره الداخلي .
اذن وکما تقول الباحثة المسیحیة "ایزابیل ماما" في حدیثها عن زوار الحسین (ع) : "هذه الأرتال البشریة لا تأتي من ذاتها، بل الرب جمعها وأتی بها من أطراف الأرض". نقول ان هذه القدرة علی التنظیم ایضا لا تاتي من ذاتها بل الرب اوجدها عند شعب قادر علی ابراز شیم الاسلام المحمدي الاصیل بعیدا عن کل محاولات التشویه الارهابیة.
