الوقت – يوماً بعد يوم تتكشف الحقائق المتكتم عليها حول الخسائر الفعلية و الأرقام الحقيقة لخسائر قوات العدوان السعودي في اليمن، و مع استدامة المعركة و بدء جولات الاستنزاف الطويلة، التي ترتكز على قوة عصب الصبر و الحنكة في انتقاء الأهداف، اضافة للدقة في استعمال الخيارات الاستراتيجية، و حسناً يجيد الجيش اليمني و القوات الشعبية المساندة له هذه اللعبة، أصبح من الواضح أن السعودي أدرك المأزق الخطير و الحساس الذي أوقع نفسه فيه، اذ أن أفراد الجيش السعودي و ضباطه أدركوا جيداً أنهم كبش المحرقة في لعبة أمراء السعودية المتهورة في المنطقة.
بالوثائق ضباط سعوديين كبار يحذّرون ولي العهد من دخول سوريا
كُشفت مؤخراً وثائق تثبت خوف قادة الجيش السعودي من تهور حكام البلاد و التورط بأي تدخل عسكري في سوريا، و جاء ذلك برسالة أرسالها عشرة ضباط كبار لولي العهد السعودي "محمد بن نايف" و أعتبروا أن الاقدام على هكذا خطوة سيعرض أمن المملكة القومي للخطر، و شرحوا لولي العهد أن أهداف عملية عاصفة الحزم لم تتحقق بالكامل على حد وصفهم و ذلك بسبب تقصير القوات البرية في تنفيذ مهامها، و أن أي خطوة بالدخول لسوريا سيترتب عليها نتائج خطيرة و تحتاج المزيد من البحث.
و فيما يلي نضع بين أيديكم الوثيقة التي ورد فيها نص الرسالة المرسلة من الضباط العشرة الكبار لولي العهد السعودي:
و من الملفت في نص الرسالة التي أرسلها الجنرالات السعوديين هو إرسالها إلى ولي العهد السعودي و نائب رئيس الوزراء "محمد بن نايف" و لم ترسل إلى "محمد بن سلمان" وزير الدفاع الذي ادعى أن قواته المسلحة تساند سياسته العسكرية المتهورة التوسعية في دول الخارج، و ما جاء في الرسالة و وجهتها يدل على نقيض ذلك.
اذاً كم هي جدّية تصريحات بعض المسؤولين السعوديين عن امكانية تدخلهم عسكرياً في سوريا؟
بحسب الخبراء العسكريين و المحلليين الاستراتيجيين إن جُلَّ التصريحات و التلميحات السعودية عن نيتهم التدخل عسكرياً في اليمن هي مجرد فقاعات اعلامية و صراخ لا قيمة له، و هي محاولة ناقصة للعب خطوة متقدمة في اطار الحرب الاعلامية و النفسية في وجه المحور الآخر، إلا أن هذه الخطوة غير محسوبة النتائج أو الامكانية، ففي أصول الحرب النفسية يلعب الفرد خطوة متقدمة من منطلق القادر القوي ، لا أن يكون في مأزق و عالق في وحول عميقة و يقوم بتهديد الخصم الذي يتمتع بأفضلية من حيث الموقف و الحالة، لذا فإن التوقيت السعودي لإعلان هكذا نيات قد خانهم و لم يكن حليفهم أيضاً.
هل لدى القوات المسلحة السعودية الكفاءة الكافية؟
يزعم السعوديون بالاستناد الى دراسات أجنبية بأن قواتهم المسلحة هي من الأقوى شرق أوسطياً، و التي تتشكل من خمس قوى أساسية و قوى رديفة أخرى، عماد هذه القوات هي القوات البرية و القوات الجوية و البحرية، و ببحث بسيط نعرف أن السعودية هي الدولة التي احتلت مرتبة متقدمة بين الدول الخمس الأكثر صرفاً على ميزانيتها العسكرية بمبالغ طائلة بلغت أكثر من 80 مليار دولار أميركي و ذلك كله استثماراً في تسليح و تدريب القوات السعودية بأحدث الأسلحة الأمريكية و الفرنسية و غيرها في اطار السباق على التسلح الذي تشهده المنطقة منذ الأزل..
و لكن، هل هذا التسلح و التدريب يكفي؟ ماذا عن عقيدة المقاتل و حرب العصابات؟
بالطبع، الجواب هو لا، لا تكفي .
فالجيوش ليست بأسلحتها و نوعية تدريباتها، إنما بالعقيدة و المبادئ التي يتربى عليها جنود و وحدات هذه الجيوش، فمن السهل أن تستأجر أي شخص مدرب قوي البنية و تعطيه أفضل السلاح، و لكن لما سيقوم بالدفاع عنك و يهدد حياته، إذا ما كان هناك دافع لذلك. و هذا الدافع هو العقيدة و التي تغيب في نفوس القوات السعودية.
فكلنا رأينا الفيديوهات المصورة و الكثيرة التي نشرت مراراً على شبكات التواصل و الفضائيات يظهر فيها الجنود السعوديون يفرّون هاربيين من هجوم القوات اليمنية مخلفين وراءهم كل عتادهم و أسلحتهم و مواقعهم التي من المفترض انها ركيزة للدفاع عن مناطق سعودية كجيزان و عسير و غيرهما، فكيف بجندي يخاف أن يواجه في الساحة و يستغلي روحه فداءاً لوطنه، أن يذهب و يحارب في بلد آخر دفاعاً عن سياسات متهورة لحاكم مختلف على شريعته بين القوى الحاكمة في بلاده و المقصود "محمد بن سلمان"، هذا اذا ما أغفلنا الطرف أن الجيش السعودي ليس صاحب تجربة في ساحات القتال الحديثة و التي بمعظمها أصبحت تبتعد عن المواجهات الكلاسكية و أصحب حروب عصابات سريعة و محنّكة و تحتاج لسنوات و عقود للتمرس في ميادينها و هو من مميزات القوى التي تحارب في الساحة السورية.
في المقلب الآخر نجد اليمني مقاتلاً شرساً بالفطرة، و هو فقير بسيط الحياة لا يحتاج الكثير من القوت ليصمد في المعركة بل يكفيه قوت قليل طوال اليوم مع القليل من نبتة القاط، الذي يخزّنه في فمه فيساعده على الوقوف و القتال ساعات طوال، هذا اذا ما استذكرنا صمود اليمنيين على مرّ التاريخ، و الذي يعدّ اسطورة عربية اذ أن اليمن لم يسقط يوماً بأيدي الغزاة، فاليمني ذو بأس شديد رغم بساطة عتاده و أسلحته. أيضاً في سوريا هناك قوة كبيرة مدربة و صاحبة تجربة كبيرة و طويلة خاصة في حرب العصابات التي تطرقنا إليها أعلاه، اضافة الى دخول روسيا بشكل كامل في سوريا و اعطائها مشروعية دولية لقضية الحكومة السورية في وجه الارهاب، فمن المستبعد أن تتجرأ السعودية أن تقف في روسيا أيضاً الدولة العظمى، و تجلب قوات إلى سوريا دون اذن الرئيس الأسد و الحكومة السورية الحليف الأول و المباشر لروسيا.
في الخيار الأخير و هو استئجار قوات بديلة من شركات أجنبية كبلاك ووتر و غيرها إلى سوريا، فإن التجربة السابقة في اليمن تعد فاشلة فقد تكبدت هذه القوات خسائر فادحة في الميدان اليمني، و لم تستطع احداث أي فرق أو انجاز مذكور يساوي الأموال الطائلة التي تلقتها هذه الشركة من الامارات و السعودية من أجل استقدامها إلى اليمن.
هذا طبعاً اذا ما اغفلنا الجانب الاقتصادي المتدهور أيضاً في السعودية و الخسائر الفادحة بمليارات الدولارات التي تتكبدها السعودية كل يوم في لعبة أسعار النفط و الانفاق على عدوان اليمن، و الذي أجبرها على التقشف في مختلف قطاعاتها الاجتماعية و الاقتصادية و التي تُفضح مستجداتها يوماً بعد يوم عبر وسائل الاعلام و المدوّن الشهير مجتهد.
إذا من البحث المختصر أعلاه، نستطيع أن نفهم نتيجة واحدة هي عدم إمكانية أي تدخل سعودي عسكري في سوريا، و أن أي خطوة في هذا السياق ستعد جنونية و انتحارية لحكام السعودية، فسنترك الأيام القادمة تحكم بصحة تحليلنا و جدية تصريحات الرياض.
