الوقت- في الحادي عشر من ديسمبر عام 2025، حذّر بينيت، خلال كلمته الافتتاحية في مؤتمر الأمن السيبراني، من تصاعد التهديدات السيبرانية الإيرانية، مشيراً إلى أنّ إيران، إن استطاعت تسخير جيش من المتخصصين لاختراق الأنظمة الإسرائيلية، فإنها قد تتمكن من شلّ البنوك، وتدمير مدخرات الشعب، بل والتلاعب في نتائج الانتخابات، وأكد بينيت على ضرورة تعزيز ما أطلق عليه “القبة الحديدية السيبرانية” لحماية البنية التحتية الحيوية للكيان من هذه المخاطر المتعاظمة.
ولم تمضِ سوى أيام معدودة حتى أعلنت مجموعة القراصنة “حنظلة”، في بيان لها، نجاحها في اختراق هاتف بينيت خلال عملية أطلقت عليها اسم “أخطبوط”، معلنةً حصولها على 200 ألف رسالة نصية، و1900 محادثة خاصة، بالإضافة إلى عدد من الصور السرية والشخصية التي تخص رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني، وأفادت المجموعة بأن بينيت كان يستخدم هاتف “آيفون 13”، وأنها نشرت جميع الوثائق التي حصلت عليها عبر موقعه الإلكتروني.
الأخطبوط يبتلع الصياد
في بيانها الأول، وجّهت مجموعة “حنظلة” رسالةً مباشرةً إلى بينيت، مؤكدةً أن اختراقها للبنية التحتية والمعلومات الأكثر سريةً للكيان الصهيوني قد بدأ قبل عامين، وأنها طوال هذه الفترة كانت تجمع المعلومات وتوثّقها، وأشارت إلى أن الصهاينة، منذ اضطرابات عام 2022، دأبوا على وصف أعدائهم في المنطقة بالأخطبوط، واعتبار كل دولة أو حركة مقاومة بمثابة أطراف لذلك الأخطبوط الذي يهدد كيانهم.
وفي خطوة ساخرة، أعادت المجموعة نشر تغريدة قديمة لنفتالي بينيت كان قد وصف فيها إيران بأنها “رأس الأخطبوط”، بينما اعتبر أنصار الله في اليمن أحد أطرافه، وفي معرض الردّ على هذا الوصف، ذكرت المجموعة أن الرأس الحقيقي لهذا الأخطبوط ليس في طهران، بل في قلب الأراضي المحتلة، حيث خيمت “حنظلة” طوال السنوات الماضية، تجمع الأسرار من عرين قتلة الأطفال، وفي ختام البيان، وجهت المجموعة تحذيراً لاذعاً للصهاينة قائلةً: “لقد رأينا أسراركم، وخياناتكم، وتحالفاتكم، لقد وثّقنا كل رسالة، وكل ملف، وكل تبادل سري، وما أعددناه لكم من مفاجآت لا يزال في جعبتنا".
حينما تُفضح المحادثات: 1900 حوار خاص لتفنيد إنكار بينيت
عقب إنكار نفتالي بينيت ومسؤولين في الكيان الصهيوني لعملية الاختراق، ردّت مجموعة “حنظلة” بنشر 1900 محادثة خاصة، مستخرجة مباشرةً من هاتفه المحمول، وكتبت في بيانها: “ها نحن نقدّم الدليل القاطع، الذي لا يحتمل الشك، على أن مزاعم بينيت عارية عن الصحة، المحادثات التي نُشرَت شاهدة على الحقيقة، وكل محاولة للتلاعب بالرأي العام قد باءت بالفشل، ندعو الجميع إلى الاطلاع على الوثائق بأنفسهم، ليحكموا من يقول الصدق ومن يحاول التضليل".
وفي ختام رسالتها، وجّهت “حنظلة” خطاباً لليهود القاطنين في الأراضي المحتلة، جاء فيه: “قادتكم ليسوا سوى زمرة من الكاذبين والمخادعين، الذين لا يبتغون إلا مصالحهم الشخصية، نتنياهو وبينيت، وكل من سار على نهجهم، لا يؤمنون حقاً بما يزعمون من مبادئ، ولا يلتزمون حتى بالقوانين التي يسنّونها لكم، حياتهم الخاصة تُناقض تماماً الصورة التي يعرضونها أمامكم".
بقاء الملف النووي الإيراني في يد بينيت
تكشف الرسائل المسربة من هاتف نفتالي بينيت، عن تفاصيل تتجاوز حدود الخصوصية لتسبر أغوار القرارات والسياسات التي اتخذها رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني، فمن بين هذه الرسائل، يظهر جلياً أن بينيت واجه مراراً مشاكل في التعامل مع حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، ما دفعه إلى تغيير أسماء المستخدم وكلمات المرور بشكل متكرر سعياً لتعزيز أمنه الرقمي، وتكشف إحدى تلك الرسائل عن اعتقاده بأن تطبيق “سيجنال” أكثر أمناً من غيره من المنصات، بينما تشير رسالة أخرى إلى تلقيه رابطاً عبر “واتساب”، أدى عند الضغط عليه إلى تعطيل التطبيق لفترة طويلة، ما جعله غير قابل للاستخدام.
وفي رسالة مؤرخة بتاريخ الثاني من يوليو 2025، تلقى بينيت رسالةً جاء فيها: “أتمنى لك أسبوعاً سعيداً! المقابلة كانت رائعةً! من المهم التذكير بأن الاتفاق التناوبي مع يائير لابيد نصّ على أن يظل الملف النووي الإيراني في عهدتك، إنه اتفاق غير مسبوق في المشهد الأمني الإسرائيلي، إذ لطالما كان الملف الإيراني حكراً على رئيس الوزراء الحالي".
لا مبالاة بينيت وبن غفير في تأمين الكيان الصهيوني
وفي جزء آخر من الرسائل، يتبدى مشهد يعكس حالةً من الإهمال والتخبط، حيث تكشف رسالة بتاريخ الثلاثين من أكتوبر 2023 عن مراسلة وجهها شخص إلى بينيت يقول فيها: “صباح الخير يا نفتالي، أعتذر عن سؤالي الغريب هذا. أنا فعلاً عاجز عن الحصول على إجابة قاطعة لسكاننا، لا من وزارة الداخلية ولا من إدارة الأمن المدني، هناك قلق متزايد في منطقة “حديرا”، بسبب قربنا من القرى المجاورة، لقد تلقيت عشرات الطلبات من السكان للحصول على تصاريح لحمل السلاح، لكنهم لم ينجحوا في الحصول على الموافقات لأننا، على عكس منطقة مثل “حريش”، لا نقع مباشرةً على خط التماس، هل لديك خبرة في هذا الشأن أو تعرف شخصاً يمكنه المساعدة؟”.
وفي رده، أرسل بينيت تفاصيل الاتصال ببن غفير قائلاً: "اكتب له"، ليأتي الرد من الشخص المرسل: "لست متفائلاً بردوده، لكني سأحاول"، فردّ بينيت قائلاً: "أياً يكن ما يجيبك به، أعلمني".
وفي اليوم ذاته، تلقى بينيت رسالةً أخرى تفيد: “أتمنى لك أسبوعاً سعيداً، منذ يوم الجمعة لم نحصل على أي رد من بن غفير، لا عبر تلغرام ولا عبر واتساب، لا نجد أمامنا سوى أن نخبر السكان بأننا شكّلنا “مجموعة طوارئ”، على الرغم من أننا نشك بقدرتها على تقديم المساعدة الفعلية في حال حدوث طارئ في مدينة يبلغ عدد سكانها 105 آلاف نسمة، ربما تساعد هذه الخطوة في تهدئة النفوس، لكن السؤال يبقى: هل نحن نصنع أماناً زائفاً، أم إننا نسقط في مستنقع الإهمال والتهاون؟”.
استقالة نائب وزير النقل عقب الضربات الصاروخية الإيرانية
تُظهر الوثائق المستخرجة من هاتف نفتالي بينيت أن خطاباً رسمياً قد صدر بتاريخ الثامن عشر من يوليو 2025، يعلن فيه أوري ماكليف استقالته من مناصبه الرسمية، وجّه ماكليف هذا الخطاب إلى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، معلناً تنحيه عن منصب نائب الوزير في مكتب رئيس الوزراء، وكذلك عن موقعه كنائب لوزير النقل والسلامة على الطرق، وقد جاء في نص الرسالة أن الاستقالة، وفقاً للقانون، تعني تلقائياً التخلي عن عضويته في الكنيست (برلمان الكيان)، وقد أُرسلت نسخة من هذا الخطاب إلى ميري ريغيف، وزيرة النقل، ليأخذ بذلك طابعاً رسمياً وقانونياً وإدارياً صرفاً.
إن توقيت نشر مثل هذا الخطاب، الذي جاء في أعقاب الضربات الصاروخية الإيرانية التي طالت الأراضي المحتلة وخلّفت دماراً واسعاً، يعكس بوضوح حالة التوتر والاضطراب التي تخيم على بنية الحكومة والائتلاف الحاكم، حيث تتجلى تصدعات عميقة في أركان منظومة الحكم.
استقالة متان كهانا من الكنيست
وفي العاشر من يوليو 2025، أي بعد أسبوع واحد من اتفاق وقف إطلاق النار، صدر خطاب رسمي يحمل شعار الكنيست، يعلن فيه متان كهانا، عضو البرلمان، استقالته من منصبه، وقد وُجّه هذا الخطاب إلى أمير أوحانا، رئيس الكنيست، وارتكز كهانا في استقالته على المادة الأربعين من “القانون الأساسي: الكنيست”، معلناً تنحيه عن مقعده النيابي، وقد ذُيِّل الخطاب بتوقيع يدوي من كهانا، مرفقاً بتاريخ الاستقالة ومعلومات الاتصال الرسمية لمكتبه داخل الكنيست.
لقد تكبدنا أضراراً استراتيجيةً جسيمةً
وفي وثيقة أخرى، صدرت عن وزير الخارجية الصهيوني، ورد خطاب رسمي يحمل بين سطوره تحليلاً نقدياً للسياسات الحكومية الأخيرة، وتأثيرها على المصالح الاستراتيجية والأمنية للكيان، يُظهر محتوى الخطاب أن الأيام الأخيرة حملت معها قلقاً متزايداً من تداعيات المواقف والتصريحات المتخذة، وخاصةً فيما يتعلق بالاتفاقيات والالتزامات الدولية، وقد أشار الخطاب إلى أن تلك السياسات أضرت بالعلاقات الخارجية، وأثرت سلباً على الاقتصاد، ووضعت مكانة الكيان على الساحة الدولية في مهب الريح.
وحذّر كاتب الوثيقة من أن إضعاف الاتفاقيات الدولية قد يؤدي إلى تصاعد العزلة السياسية، وتزايد الضغوط الاقتصادية، وتفاقم الأخطار التي تهدد الأمن القومي، ودعا المسؤولين رفيعي المستوى إلى اتخاذ قرارات ترتكز إلى رؤية بعيدة المدى تراعي المصالح العليا للكيان، وقد اختُتم الخطاب بتوقيع رسمي وإحالة إلى الجهات العليا في الحكومة، ما أضفى عليه طابعاً تحذيرياً وسياسياً صريحاً، كاشفاً النقاب عن خلافات جوهرية في أعلى هرم السلطة حول توجهات الحكومة الكبرى ومسارها الاستراتيجي.
أرقام مشبوهة في قائمة جهات الاتصال لنفتالي بينيت
كشفت المراجعات المتأنية لقائمة جهات الاتصال في هاتف نفتالي بينيت عن ارتباطه الوثيق بعدد من الشخصيات الجدلية، من بينهم خبراء ومحللون ذوو صلة وثيقة بالملف الإيراني في دول متعددة، وفيما يلي عرض لبعض أبرز هذه الأسماء:
كريم سجادبور Karim Sadjadpour: باحث بارز في مؤسسة كارنيغي، متخصص في الشؤون الإيرانية والسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، يُعرف بتحليلاته العميقة حول إيران، التي يقدّمها عبر وسائل الإعلام الدولية، يتمثل دوره غالباً في تقديم الاستشارات ووضع السياسات، إضافةً إلى كونه خبيراً بارزاً في الحوارات المعنية بإيران.
مئير جاودانفر Meir Javedanfar: محلل وأكاديمي إسرائيلي من مواليد إيران، يُعنى بتفسير وتحليل القضايا الإيرانية، يُعرف في الأوساط الأكاديمية بتركيزه على الشؤون الإيرانية والسياسة المعاصرة، ويبرز كخبير في الشأن الإيراني في المحافل السياسية والأكاديمية والإعلامية.
إيستر أشروف Esther Ashroff: ورد اسمها في قائمة جهات الاتصال مرفقاً بلقب “خبيرة في الشؤون الإيرانية”، ما يكشف عن دورها الواضح في هذا المجال.
بِکاه إبراهيمي Pegah Ebrahimi: مستثمرة وشريكة مؤسسة لصندوق الاستثمار “FPV Ventures”، ولها باع طويل في إدارة الاستثمارات في شركات التكنولوجيا، تُعد شخصيةً بارزةً في مشهد الاستثمارات والابتكارات التكنولوجية.
برنارد هنري ليفي (ברנאר-אנרי לוי / Bernard-Henri Lévy): كاتب ومخرج صهيوني، عرف بتأثيره الواسع في الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية والصهيونية، حاز عام 2018 على جائزة “الأخلاق والإعلام المؤثر” من مؤسسة America Abroad Media، بفضل فيلمه “البيشمركة ومعركة الموصل”، يُشتهر ليفي بعلاقاته الوثيقة مع الشبكات الاستخباراتية الغربية والصهيونية، ويتخذ من الكتابة والنشاط الإعلامي غطاءً لأنشطته، حيث لعب دوراً في مشاريع تغيير الأنظمة في ليبيا وشمال إفريقيا، كما شارك في جهود تقويض الاستقرار في إيران.
إلى جانب هذه الأسماء، تضمّ قائمة جهات اتصال بينيت أرقاماً لشخصيات دولية بارزة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وسام ألتمان المدير التنفيذي لشركة “OpenAI” وأحد رواد صناعة الذكاء الاصطناعي، كما تتضمن القائمة أسماء شخصيات أمنية بارزة في الكيان الصهيوني، من بينهم:
-تامير باردو، رئيس الموساد السابق
-يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق
-ديفيد بارنيا، الرئيس الحالي لجهاز الموساد والمشرف على العمليات الاستخباراتية والخارجية
-إيتسيك بن إسرائيل، جنرال متقاعد وخبير بارز في الأمن السيبراني والدفاعي
-أوزي ديان، جنرال متقاعد وشخصية أمنية سياسية ذات تأثير كبير في دوائر صناعة القرار الأمني في الكيان.
عملية أخطبوط حنظلة: فضيحة مدوية في الإعلام الدولي
لقد وجدت عملية “أخطبوط حنظلة” صدى واسعاً في وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك الصحافة العبرية، حيث عبّر الصحفيون الصهاينة عن قلقهم العميق إزاء هذا الانكشاف الأمني الفاضح، والذي ألقى بظلاله على هشاشة البنية السيبرانية للكيان، وفي نهاية المطاف، أقرّ نفتالي بينيت نفسه بصحة الادعاءات المتعلقة باختراق هاتفه، على الرغم من أنه كان أحد مؤسسي شركة متخصصة في الأمن السيبراني قبل أن يخوض غمار السياسة، وقد كان بينيت على مدى السنوات الماضية من أشدّ المروجين لأهمية تعزيز القدرات السيبرانية الإسرائيلية، إلا أن هذه الحادثة جاءت لتكشف عن عجز تلك القدرات في التصدي لعمليات الاختراق الموجعة.
عجز القبة الحديدية
في أعقاب العدوان الأخير على غزة والمعركة التي امتدت اثني عشر يوماً مع إيران، تبيّن أن القبة الحديدية التي طالما تغنّى بها الكيان الصهيوني، لم تفلح في التصدي للصواريخ الإيرانية، ولم يكن الأمر مختلفاً على صعيد الأمن السيبراني، إذ عجزت “القبة السيبرانية” الإسرائيلية عن مجابهة عمليات الاختراق التي تنفذها قوى المقاومة، وقد أثبتت عملية “أخطبوط” أنها ليست سوى نموذج من بين سلسلة طويلة من الاختراقات التي طالت المعلومات الحساسة للكيان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كما أن البنى التحتية الإسرائيلية تعرّضت مراراً لضربات سيبرانية موجعة خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى شلل واسع النطاق في قطاعات حيوية، وأظهر بجلاء عمق الضعف الذي يعانيه الكيان في مواجهة التحديات الرقمية.
