الوقت- بعث الاجتماع الأخير بين رئيسي الولايات المتحدة والصين، في خضم التوترات التجارية بين الجانبين، بصيص أمل في وقف إطلاق النار في الحرب التجارية، ولا سيما أن تصريحات الجانبين عقب الاجتماع أشارت إلى تفاؤلهما، وفيما يتعلق بنتائج الاجتماع، قال ترامب إنه سيمنحه ١٢ درجة على مقياس من واحد إلى عشرة، وقال إنه "تم اتخاذ سلسلة من القرارات المهمة"، وأضاف: "لقد توصلنا إلى استنتاجات حول العديد من النقاط المهمة".
كما قال شي جين بينغ في بيان إن البلدين لديهما "آفاق جيدة للتعاون"، وإن العلاقات تحت قيادته وقيادة ترامب حافظت على "استقرارها العام"، صرح شي جين بينغ أيضًا بأن فريقي التفاوض التجاري بين البلدين قد "توصلا إلى توافق أولي بشأن معالجة مخاوفهما الجوهرية" خلال الاجتماع الأخير.
وأضاف: "ينبغي على الجانبين تبني منظور طويل المدى والتركيز على فوائد التعاون، بدلًا من الوقوع في دوامة الانتقام"، وعلى الرغم من هذه التصريحات المتفائلة، تُظهر مراجعة نتائج الاجتماع أن قضايا رئيسية لا تزال قائمة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وقد لا يكون من السهل التفاؤل بنتائج الاجتماع.
غموض بشأن تسوية المعادن النادرة
لعل أهم قضية حالية في العلاقات الأمريكية الصينية هي حظر الصين لصادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، تسيطر الصين على معظم عمليات تعدين ومعالجة المعادن النادرة، وهذا الحظر يُثير قلق الولايات المتحدة، تُعد هذه المنتجات حيوية للإنتاج العسكري أو بعض قطاعات أشباه الموصلات الكهربائية، وسيكون حظر دخول هذه المواد إلى الولايات المتحدة تحديًا للولايات المتحدة.
وصرح ترامب بأنه أثار هذه القضية مع شي جين بينغ، و"سيواصلان هذا النهج"، أفادت التقارير بأن القضية نوقشت في اتفاقية مدتها عام واحد، لكن السؤال المطروح هو: أين سيكون مصير تجارة البلدين في المعادن النادرة بعد عام؟ في حين زعم ترامب أن قضية المعادن النادرة برمتها قد حُلت وأُزيلت الحواجز، إلا أنه لم يشر إلى ما إذا كانت الصين ستمدد الاتفاقية بعد عام.
من ناحية أخرى، لم يذكر بيان الصين المعادن النادرة تحديدًا، لكن وزارة التجارة الصينية أعلنت أنها ستعلق ضوابط التصدير المعلنة مقابل تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 50%، لذا، لم يُعلّق حظر صادرات المعادن الصينية النادرة إلى الولايات المتحدة إلا لمدة عام، لكن المشكلة لم تُحل على المدى الطويل.
مصير الفنتانيل غير مؤكد
فيما يتعلق بدواء الفنتانيل، قال ترامب إن شي جين بينغ "سيبذل قصارى جهده لوقف تدفق المواد الكيميائية إلى الولايات المتحدة لصنع الفنتانيل"، وكانت الولايات المتحدة قد فرضت سابقًا رسومًا جمركية بنسبة 20% على البضائع الصينية، وذلك تحديدًا للضغط على بكين لمنع دخول الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.
يقول ترامب الآن إنه خفض التعريفة الجمركية إلى 10% بناءً على تصريحات شي يوم الخميس الماضي، وسيمنع الصين من تصدير الفنتانيل إلى الولايات المتحدة في المقابل، كما أكدت وزارة التجارة الصينية تعليق التعريفات الجمركية على الفنتانيل وسلع أخرى، وقالت إنها ستعدل إجراءاتها المضادة وفقًا لذلك. ومع ذلك، ليس من الواضح كيف ستمنع الصين تصدير الفنتانيل إلى الولايات المتحدة؟ الفنتانيل مادة أفيونية قوية جدًا (أقوى بمئة مرة من الهيروين)، وقد أصبح سببًا رئيسيًا للوفيات الناجمة عن جرعات زائدة في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى في السنوات الأخيرة.
استمرار القيود على الرقائق
لطالما شكّلت قضية الرقائق الأمريكية والقيود الأمريكية على صادرات الرقائق المتطورة إلى الصين نقطة خلاف في النزاعات التجارية بين بكين وواشنطن، وفيما يتعلق بالرقائق، صرّح ترامب بأنه وشي جين بينغ قد توصلا إلى اتفاق بشأن شراء رقائق أمريكية من شركة إنفيديا، ولكن عندما سُئل عما إذا كان سيسمح ببيع شريحة بلاكويل الجديدة للذكاء الاصطناعي من إنفيديا إلى الصين، نفى ترامب ذلك، وقال: "نحن لا نتحدث عن بلاكويل"، شريحة بلاكويل B30A هي منتج جديد من إنفيديا، ومن المقرر أن تحل محل شريحة H20، وستظل محظورة على الصينيين.
صمت بشأن تايوان
تُعدّ قضية تايوان نقطة خلاف بارزة أخرى في العلاقات الصينية الأمريكية، ورغم تصريح ترامب بأنه وشي جين بينغ اتفقا على العمل معًا لإحراز تقدم في حرب أوكرانيا، إلا أن قضية تايوان ظلت طي الكتمان في المحادثات بين الجانبين، وصرح ترامب للصحفيين على متن طائرته بأن قضية تايوان "لم تُطرح قط" في اجتماع عُقد مؤخرًا مع الرئيس الصيني، هذا على الرغم من أن ضم تايوان كمقاطعة صينية هو الهدف الرئيسي لشي جين بينغ، وأن الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لتايوان في مواجهة التهديدات الصينية، إلا أن كلا الجانبين يبدو أنه فضّل الصمت بشأن قضية تايوان على الحوار، ربما لإدراكهما أنهما لن يتوصلا إلى أي أرضية مشتركة بشأن تايوان.
استمرار عدم استقرار العلاقات
يتضح من الهدنة التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين أنها ليست اتفاقية طويلة الأمد، ومن المتوقع أن تظل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين غير مستقرة، في هذه الحالة، من المرجح أن يستغل كلا البلدين هذه الهدنة لتعزيز ترسانتيهما العسكرية والتحضير لمفاوضات مستقبلية، في الوقت نفسه، توفر الاتفاقيات الأخيرة فرصةً للصين لالتقاط الأنفاس، الصين سعيدة بإمكانية التوصل إلى هدنة تجارية للأشهر الاثني عشر المقبلة، يبدو أنه بعد الاجتماعات الأخيرة بين زعيمي الصين والولايات المتحدة، سيعمل مسؤولون ومستشارون من كلا البلدين على وضع بعض التفاصيل، وستُتخذ القرارات المهمة عندما يلتقي رئيسا البلدين في الأشهر المقبلة، ولم يكن الاتفاق الأخير سوى إطار عمل للمحادثات المستقبلية.
لقد غيّرت القدرة على استخدام تهديد العناصر الأرضية النادرة وهيمنة الصين عليها موازين القوى لصالحها، من ناحية أخرى، تتمتع الولايات المتحدة بتفوق تكنولوجي، وسيستخدم الأمريكيون هذه الميزة التكنولوجية كورقة ضغط على الصين، لكن الصين تتمتع بتفوق العناصر الأرضية النادرة، الذي تستخدمه كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة، لذلك، على مدار السنوات القليلة الماضية، تغيرت معادلة اللعب لصالح بكين، وقالت الصين: "إذا أردتم اللعب بحذر، فسنفعل ذلك".
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن ساعة ترامب السياسية تدق أسرع بكثير من ساعة الرئيس الصيني، وترامب، بسبب حدود ولايته، ليس لديه الكثير من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع الجانب الصيني، في المقابل، يتمتع الرئيس الصيني بميزة الوقت، ويمكنه تأجيل الاتفاقيات مع الولايات المتحدة تحت ذرائع مختلفة. لذلك، في المفاوضات مع الصين، الوقت ليس في صالح ترامب، والصين قادرة على مواصلة اللعب ضده لفترة أطول بكثير.
