الوقت- ردًا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة للتغطية على هزيمة الكيان أمام حركة حماس، زعم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: "لم نتنازل عن أيٍّ من أهداف الحرب أو إنهاء حكم حماس في غزة". في الواقع، ورغم فقدان قادة مثل الشهيد يحيى السنوار، والشهيد إسماعيل هنية، والشهيد محمد الضيف، والهجمات الشاملة العنيفة على مدار العامين الماضيين، فقد تمكنت حماس من البقاء، بل وحصلت على تنازلات في المفاوضات، مثل عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة، وأحبطت عمليًا الشعار الصهيوني الرئيسي المتمثل في تدمير المقاومة في فلسطين. هذه الاتفاقية، شأنها شأن صفقة جبريل عام ١٩٨٥، ستؤدي إلى تجدد الصراعات في المستقبل". وعلى الشبكات الافتراضية، بما في ذلك X، يصف محللون ناطقون بالعبرية، مثل قوات الجيش الإسرائيلي السابقة، وقف إطلاق النار هذا بأنه "فشل أمني" لأن حماس استخدمت الأسرى كورقة ضغط، وأجبرت إسرائيل على تقديم تنازلات دون استئصال الفلسطينيين.
خسارة المكاسب العسكرية دون مكاسب سياسية
لقد لجأ الكيان الإسرائيلي خلال العامين الماضيين إلى استخدام جرائم غير مسبوقة وهجمات وحشية على الشعب مما أدى إلى سيطرة أكثر من 75 في المائة من غزة على السيطرة العسكرية وتدمير بعض الأهداف المرتبطة بالمقاومة، لكن الخبراء الصهاينة يقولون إن هذه الانتصارات "لم تترجم إلى مكاسب استراتيجية مستدامة"، لأن قوات حماس ستستمر في السيطرة على غزة وأي آلية سياسية في غزة في المستقبل ستتأثر بحركة حماس، خاصة وأن الحركة ستحتفظ بأسلحتها.
الضغوط الداخلية وهزيمة نتنياهو السياسية
يعتبر العديد من الخبراء الصهاينة، مثل عصمت منصور (محلل فلسطيني إسرائيلي)، الاتفاق "تنازلاً كبيراً لحماس"، لأن نتنياهو تراجع تحت ضغط من ترامب والرأي العام المحلي (الذي يعطي الأولوية للأسرى). خلال العامين الماضيين، بدءًا من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في غزة (الذي وصل إلى مرحلته الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2025 بضغط من دونالد ترامب)، دخلت إسرائيل في حرب شاملة بهدف معلن هو "تدمير حماس بالكامل". إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يتضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، والانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من المناطق الحضرية في غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية، وصفه العديد من الخبراء والمحللين الصهاينة بأنه "فشل استراتيجي".
ويبرز هذا الرأي ليس فقط في وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل هآرتس وجيروزاليم بوست، بل أيضًا في تصريحات مسؤولين عسكريين سابقين ومراكز أبحاث أمنية مثل معهد واشنطن ومجلس العلاقات الخارجية. وأقر مراسل شبكة كان العبرية بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس لم تُهزم أو تستسلم بعد أكثر من عامين من الحرب. وقال: "اليوم انتهت الحرب باتفاق. كان الجميع ينتظر صورة استسلام حماس وهزيمتها، لكن الصورة التي رأيناها اليوم لا تبدو كذلك". أقرّ موقع "جيه إف إي دي" الصهيوني، في تقرير بعنوان "إسرائيل تستسلم؛ حماس تعلن النصر في منعطف صادم للأحداث"، بفشل الكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة.
وردًا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة للتغطية على هزيمة الكيان أمام حركة حماس، زعم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: "لم نتخلَّ عن أيٍّ من أهداف الحرب أو إنهاء حكم حماس في غزة". وكتبت صحيفة هآرتس أيضًا في هذا الشأن: "بعد عامين من الحرب، لا تزال حماس صامدة، تُطلق سراح الأسرى الفلسطينيين، وتُعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي".
كما أشار المحلل الصهيوني آفي يسخاروف إلى انتصار حماس وهزيمة الكيان الإسرائيلي في مقالٍ بصحيفة يديعوت أحرونوت. كتب يسخاروف: "إن العمليات العسكرية المكثفة للجيش الإسرائيلي في العامين الماضيين لم تتحول إلى إنجازات سياسية فحسب، بل تحولت إلى هزيمة سياسية فادحة، وهذا ما تصفه كلمة هزيمة". ووفقًا لهذا الخبير الصهيوني، فإن حماس تنتصر على الصعيدين السياسي والدولي. حماس تنتصر وتحقق أهدافها واحدة تلو الأخرى. هذا في حين أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو حوّلت استمرار الحرب إلى هدف سياسي، وتجاهلت أهدافها بإهمالها.
كما قال نداف شراغاي، المحلل السياسي الصهيوني: "هذا استسلام، وليس انتصارًا، بل إذلال واستسلام لإسرائيل". وهناك العديد من التصريحات المماثلة من خبراء ناطقين بالعبرية يصفون وقف إطلاق النار بالفشل، ولا مجال لذكرها جميعًا هنا. وفي هذه التصريحات وغيرها من التحليلات الحديثة في هذا الصدد، يشير الخبراء الصهاينة إلى حجج عديدة، والتي منها:
1- الفشل في تحقيق هدف تدمير حماس؛ البقاء الأيديولوجي والعسكري: منذ بداية الحرب، أكد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، مرارًا وتكرارًا أن الحرب ستستمر حتى "التدمير الكامل لحماس" ولن تتوقف حتى تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن اتفاق وقف إطلاق النار يُبقي حماس على حالها كقوة سياسية وعسكرية. يشير الخبراء الناطقون بالعبرية إلى هذا الأمر، ويحذرون من أن وقف إطلاق النار هذا سيُبقي حماس على قيد الحياة، ويبقي راياتها مرفوعة في غزة. في الواقع، ورغم فقدان قادة مثل الشهيد يحيى السنوار، والشهيد إسماعيل هنية، والشهيد محمد الضيف، والهجمات الشاملة الشرسة على مدار العامين الماضيين، فقد استطاعت حركة حماس البقاء، بل وحصلت على تنازلات في المفاوضات، مثل عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة، مُحبطةً بذلك الشعار الصهيوني الرئيسي المتمثل في تدمير المقاومة في فلسطين.
٢- إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين؛ إطلاق سراح المقاومين: تتضمن الصفقة الأخيرة إطلاق سراح حوالي ألف مقاتل فلسطيني (بمن فيهم المحكوم عليهم بالسجن المؤبد) مقابل ٢٠ أسيرًا إسرائيليًا حيًا. يُطلق خبراء إسرائيليون على هذه الصفقة اسم "الفدية الاستراتيجية". يُحذر ناثان ساكس من مؤسسة بروكينغز: "العديد من هؤلاء السجناء أفراد خطرون أُطلق سراحهم بالفعل وانضموا مجددًا إلى المقاومة". "هذه الصفقة، شأنها شأن صفقة جبريل عام ١٩٨٥، ستؤدي إلى تجدد القتال في المستقبل".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها X، يصف محللون ناطقون بالعبرية، ومنهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي، وقف إطلاق النار بأنه "فشل أمني" لأن حماس استخدمت الأسرى كورقة ضغط وأجبرت إسرائيل على تقديم تنازلات دون القضاء عليها تمامًا. ويقولون إن هذه الصفقة تُنهي الأولوية الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى على حساب تقويض الأمن على المدى الطويل، حيث ستتعافى المقاومة في غضون سنوات قليلة.
٣- خسارة المكاسب العسكرية دون مكاسب سياسية: خلال العامين الماضيين، سيطر الكيان الصهيوني عسكريًا، مستخدمًا جرائم غير مسبوقة وهجمات وحشية على الشعب، على أكثر من ٧٥٪ من غزة ودمر بعض الأهداف المرتبطة بالمقاومة. لكن خبراء صهاينة يقولون إن هذه الانتصارات "لم تتحول إلى مكاسب استراتيجية مستدامة"، لأن قوات حماس ستواصل سيطرتها على غزة، وأي آلية سياسية في غزة مستقبلًا ستتأثر بحركة حماس، لا سيما وأن هذه الحركة ستحتفظ بسلاحها. ويرون أن هذا سيستمر في إلقاء ظلال تهديد المقاومة على الكيان بشكل أوسع من ذي قبل. ولا شك أن العديد من الأطفال والمراهقين والشباب الفلسطينيين الذين شهدوا الجرائم الصهيونية سيحملون أسلحة للانتقام من إسرائيل مستقبلًا. هذا البقاء، وفقًا للخبراء الصهاينة، يسمح لحماس بإعادة بناء نفسها كما كانت من قبل - كما حدث في اتفاق عام 2011 (إطلاق سراح السنوار مقابل جلعاد شاليط) وزرع بذور الصراعات اللاحقة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، بما في ذلك عملية اقتحام الأقصى المنتصرة.
4- الفشل في استعادة الأسرى؛ إذلال القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي: إحدى القضايا الرئيسية التي يشير إليها الصهاينة هي فشل هذا الكيان في استعادة الأسرى الصهاينة باستخدام القوة. على الرغم من استخدام جميع الأدوات والوسائل الحديثة والمتطورة، لم يتمكن جيش هذا الكيان من العثور على أسراه واستعادتهم (باستثناء حالات قليلة محدودة) ووافق أخيرًا على اتفاق وقف إطلاق النار لاستعادة الأسرى. يعتبر الصهاينة هذا إحراجًا لقوتهم العسكرية والأمنية. ٥- الضغوط الداخلية وهزيمة نتنياهو السياسية: يعتبر العديد من الخبراء الصهاينة، مثل عصمت منصور (محلل فلسطيني-إسرائيلي)، الاتفاق "تنازلاً كبيراً لحماس" لأن نتنياهو تراجع تحت ضغط ترامب والرأي العام المحلي (الذي يُعطي الأولوية للأسرى).
ويعتبر ائتلاف نتنياهو اليميني (مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جيفر) هذا "استسلاماً" وهددوا بالانشقاق عن الائتلاف الحكومي. ووفقاً لهم، فبعد ٢٤ شهراً من الحرب، والمجازر واسعة النطاق و٦٠ ألف شهيد، وتدمير غزة، لم تُدمر حماس، وبالتالي شنّ جيش الكيان عملياً حرباً عبثية استمرت عامين في غزة.
وأخيراً، يرى الصهاينة أن الاتفاق مع حماس وبقاء المقاومة في غزة ليس هزيمة عسكرية فحسب، بل هزيمة أيديولوجية أيضاً. لأن الكيان فشل في استعادة "ردعه"، وحماس لا تزال حيةً تنبض بالحياة رمزاً للمقاومة. وفي نهاية المطاف، حول هذا الاتفاق غزة إلى "مقبرة للاستراتيجيات الفاشلة"، حيث دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً من الناحية الإنسانية والسياسية (أكثر من 60 ألف شهيد فلسطيني وعزلة عالمية) دون تحقيق أي نصر حقيقي.
