الوقت- شهدت مدينة شرم الشيخ مؤخراً حدثاً مثيراً للجدل، حيث ظهر جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في مراسم رسمية أثناء إلقاء الرئيس المصري بياناً رسمياً، وقد أثار هذا الحضور دهشة واسعة، خاصة لأولئك الذين يتابعون سياسات الفيفا السابقة في القضايا التي تمس العلاقات الدولية، وخصوصاً المتعلقة بـ"إسرائيل"، فالموقف الذي اتخذه إنفانتينو سابقاً، حين رفض التدخل في مشاركة الفرق الإسرائيلية في البطولات الرياضية بحجة أن هذه قضية جيوسياسية، جعل الجميع يتساءل: ما الذي تغيّر الآن ليتواجد في مسألة واضحة ذات طابع سياسي وجيوسياسي؟
الرياضة ومسؤولية المنظمات الدولية
لطالما اعتُبرت الرياضة وسيلة للتقريب بين الشعوب، لكنها لم تنجُ من أن تكون جزءاً من الصراعات السياسية أحياناً، ومن هنا، يواجه الاتحاد الدولي لكرة القدم تحدياً مستمراً بين الالتزام بالقواعد الرياضية المحايدة والتدخل في القضايا الإنسانية والسياسية حين تتقاطع مع الرياضة، إنفانتينو، بصفته رئيس الفيفا، أصبح رمزاً لتلك المفارقة؛ فهو يرفض سابقاً التدخل في القرارات المرتبطة بالسياسة، لكنه يظهر الآن في حدث جيوسياسي، ما يفتح الباب للتساؤل عن حدود مسؤولية المنظمات الرياضية الدولية.
المواقف السابقة مقابل الحضور الحالي
على مر السنوات، واجه الفيفا ضغوطاً كبيرة من الدول والمنظمات التي تطالب بوقف مشاركة فرق معينة لأسباب سياسية، وكان موقف رئيس الفيفا صريحاً بأن هذه المسائل تتعلق بالجغرافيا السياسية وليست من اختصاص الرياضة. هذا الموقف كان يحافظ على حياد المنظمة الدولية ويجنبها الانخراط في الصراعات السياسية المباشرة. لكن حضور إنفانتينو في شرم الشيخ يظهر تحولاً واضحاً في النهج، إذ يضع الرجل نفسه في قلب حدث له بعد سياسي وجيوسياسي واضح، ما يعكس إما تغييراً في الاستراتيجية أو تأثراً بالضغوط السياسية والاقتصادية المحيطة بالحدث.
الرياضة والضغط على القيم والمبادئ
يتجاوز الأمر مجرد حضور شخصية رياضية بارزة في فعالية سياسية، ليصل إلى قلب النقاش حول استقلالية الرياضة عن السياسة، الرياضة، التي يفترض أن تكون منصة للوحدة والعدالة، تتعرض لضغوطات متزايدة من الأطراف السياسية لتحقيق أهداف بعيدة عن أهدافها الرياضية الأساسية، هذا يضع الفيفا ومثيله من المنظمات الرياضية الدولية أمام معضلة أخلاقية: هل يمكنهم الاستمرار في التمسك بالحياد في مواجهة التأثيرات السياسية القوية؟ أم إن الانخراط في هذه الأحداث سيصبح القاعدة الجديدة؟
التناقض بين القول والفعل
أبرز ما يثير الجدل في هذا السياق هو التناقض بين ما سبق وأن صرح به إنفانتينو وبين ما يفعله اليوم، ففي الماضي، أكد على أن أي قضية تتعلق بـ"إسرائيل" هي شأن جيوسياسي خارج نطاق اختصاص الفيفا، مما كان يبرر عدم تدخل المنظمة في بطولات رياضية تتضمن فرقاً إسرائيلية، أما اليوم، فإن حضوره في اجتماع له طابع سياسي وجيوسياسي يوحي بأنه لم يعد هناك حدود واضحة بين الرياضة والسياسة، وهو ما يضع التساؤلات حول معايير اتخاذ القرار داخل الفيفا ومدى استقلاليته عن الضغوط الدولية والمحلية.
انعكاسات الحضور على الرياضة العربية والدولية
بالنظر إلى المواقف الرياضية التي اتخذتها بعض الدول العربية ضد "إسرائيل"، فإن ظهور رئيس الفيفا في حدث سياسي بمثل هذه الطبيعة قد يثير مشاعر متباينة لدى جماهير الرياضة والسياسيين على حد سواء، فمن جهة، يُنظر إلى الحضور كخطوة تعزز الانفتاح والحوار بين الأطراف المختلفة، ومن جهة أخرى، يمكن أن يُعتبر تجاوزاً لمبادئ الحياد الرياضي، وتهديداً للمصداقية التي بنيت على أساس الفصل بين الرياضة والسياسة، هذا التناقض يطرح تحدياً كبيراً للمنظمات الرياضية في المستقبل، ويجعل كل قرار تتخذه تحت المراقبة الدقيقة للشارع الرياضي والسياسي معاً.
المخاطر المستقبلية للرياضة عند الانخراط في السياسة
توضح حالة إنفانتينو أن أي انخراط للمنظمات الرياضية في القضايا السياسية يحمل مخاطر كبيرة على مصداقيتها وحيادها، فبمجرد أن تصبح الرياضة أداة سياسية، فإن القرارات المتعلقة بالبطولات والمنافسات قد تتأثر بالمواقف الجيوسياسية بدلاً من قواعد اللعبة والمستوى الفني، هذا الأمر قد يؤدي إلى فقدان ثقة الجماهير واللاعبين على حد سواء، ويضعف من قدرة المنظمات الرياضية على تقديم نموذج عالمي موحد، ويجعل كل تحرك لها تحت مجهر الانتقاد والتحليل السياسي، حتى لو كان له دوافع رياضية محضة.
التساؤل الكبير: هل الرياضة لا تزال بريئة؟
الواقع يشير إلى أن الرياضة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد السياسي العالمي، وهذا ما يراه البعض تحوّلاً خطيراً، فكل حضور رسمي لشخصيات رياضية في فعاليات سياسية يحمل رسالة رمزية، وقد يؤثر على قرارات رياضية مستقبلية، في حالة إنفانتينو، يظهر واضحاً أن الرياضة لم تعد مجرد ساحة للتنافس الرياضي، بل أصبحت أداة يمكن أن تُستخدم لدعم مواقف سياسية، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ التي لطالما سعت المنظمات الرياضية الدولية لحمايتها.
بين السياسة والرياضة
حضور جياني إنفانتينو في شرم الشيخ يمثل نموذجاً حياً للتحديات المعقدة التي تواجه الرياضة في العصر الحديث، فهو يعكس التناقض بين المبادئ المعلنة للمنظمات الرياضية الدولية وواقع التأثيرات السياسية المحيطة بها، كما يفتح النقاش حول دور الشخصيات الرياضية الكبرى في الأحداث السياسية، وما إذا كان الحياد الرياضي لا يزال ممكناً في عالم تتشابك فيه الرياضة والسياسة بشكل متزايد، في النهاية، يظل السؤال الأكبر: هل يمكن للرياضة أن تحافظ على براءتها وسط هذا التشابك، أم إن الحضور في مثل هذه الأحداث مؤشر على نهاية فصلها عن السياسة؟
