الوقت- في الأشهر الأخيرة، سعى الكيان الصهيوني لتنفيذ خطته لتهجير سكان غزة قسرًا بهجماته المدمرة والمستهدفة.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت قضية التطهير العرقي في غزة من أكثر القضايا إثارة للجدل والحساسية على المستوى العالمي، وقد أدت إجراءات الكيان الصهيوني، بما في ذلك الحصار الاقتصادي والعسكري طويل الأمد، والهجمات الجوية والبرية المتكررة، والتدمير واسع النطاق للمنازل والمدارس والمستشفيات، والقيود الصارمة على الوصول إلى الموارد الأساسية كالماء والغذاء والدواء، إلى جعل الظروف المعيشية لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع غير إنسانية للغاية.
هذه السياسات، التي يعتبرها البعض محاولة مستهدفة لتهجير السكان الفلسطينيين قسرًا والقضاء عليهم تدريجيًا، متجذرة في التعقيدات التاريخية والسياسية والأيديولوجية لقضية فلسطين المتنازع عليها، والتي تتطلب بدورها مناقشة منفصلة ومفصلة.
منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهر الكيان الصهيوني عزمه على تطهير غزة من سكانها الفلسطينيين، للصهاينة خبرة وتاريخ عريقان في هذا المجال؛ فهم يسعون إلى تطهير الضفة الغربية عرقيًا منذ دخولهم الأراضي الفلسطينية واحتلالها، ويواصلون ذلك بكثافة متزايدة.
يمثل مفهوم "إسرائيل" الكبرى الهدف الأساسي للصهيونية ونخبها السياسية، فلعقود، سعى الكيان الصهيوني إلى تهجير السكان العرب من فلسطين التاريخية، بالنسبة للقيادة الحالية للكيان، ولشرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، مثّلت الحرب على غزة فرصةً جوهرية لطرد الفلسطينيين من غزة نهائيًا.
بدراسة سياسات الكيان الصهيوني في غزة، يُقسّم الخبراء والمحللون الاستراتيجية الصهيونية لتدمير غزة وتطهيرها عرقيًا إلى المراحل التالية:
حجب التغطية الإعلامية لما يحدث في غزة، وتقليص عدد السكان، وتدمير النظام الصحي بالكامل، وجعل غزة غير صالحة للسكن، وإضفاء الشرعية الدبلوماسية على التطهير العرقي في غزة.
يرتبط الكيان الصهيوني، ومحاولاته لإلغاء التغطية الإعلامية لما يحدث في غزة، بقمع التغطية الإعلامية المستقلة، والحد منها، والسيطرة على الروايات العالمية حول الصراع، تُتهم إسرائيل بتقييد تدفق المعلومات من غزة باستخدام أساليب مثل منع دخول الصحفيين الدوليين، وقطع الإنترنت والاتصالات، واستهداف الصحفيين الفلسطينيين بشكل مباشر.
أفادت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) بأن أكثر من 90% من ضحايا الإعلام في العالم منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانوا فلسطينيين، ما يعكس التركيز على الصحفيين في صراع غزة، وتأتي عمليات القتل في الوقت الذي تواصل فيه "إسرائيل"، بدعم غربي، وخاصة الولايات المتحدة، هجومها.
وقد أثار صمت وسائل الإعلام الرئيسية والحكومات الغربية إزاء هذه الجرائم انتقادات واسعة النطاق، ألقى تقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين عام 2024 باللوم على "إسرائيل" في "أكبر عدد من عمليات القتل المستهدفة للصحفيين دون تحقيق"، ووصف الصراع بأنه أكثر الفترات دموية لوسائل الإعلام منذ عام 1992. واصل الصحفيون في غزة قول الحقيقة رغم انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت والتهديدات المستمرة، لكنهم دفعوا الثمن بحياتهم، هذه المأساة ليست انتهاكًا للقانون الدولي فحسب، بل هي أيضًا تحذير للعالم بأن قمع الحقيقة جزء لا يتجزأ من هذه الحرب.
تشير الأدلة إلى أن الرقابة على المحتوى المؤيد للفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي، والتي غالبًا ما تكون تحت ضغط من الحكومات أو جماعات الضغط الموالية لـ"إسرائيل"، هي أيضًا جزء من هذه الاستراتيجية، ويقول النقاد إن الهدف هو تخفيف الضغط الدولي من خلال منع نشر الصور والتقارير التي قد تثير غضبًا عالميًا.
تقليص عدد السكان الفلسطينيين في غزة
تشير هذه المرحلة من سياسات الكيان الإسرائيلي تجاه التطهير العرقي في غزة إلى الإجراءات التي تؤدي إلى انخفاض عدد السكان في المنطقة من خلال القتل أو التهجير القسري أو خلق ظروف معيشية لا تُطاق، وفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، بلغ إجمالي عدد الشهداء في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى الآن 51,305 شخصًا، وبلغ عدد الجرحى في الهجمات الإسرائيلية على غزة 117,096.
أدت أوامر الإخلاء المتكررة، وخاصة في شمال غزة، إلى جانب القصف المكثف للمناطق السكنية وحصار بعض المناطق في غزة مثل رفح، إلى نزوح جماعي إلى الجنوب، وخاصة مناطق مثل رفح وخان يونس.
إن إجراءات الكيان الصهيوني لمنع دخول المساعدات والغذاء وقطع الكهرباء وتدمير موارد المياه في غزة، بما في ذلك إجراءات الكيان الصهيوني، تهدف أيضًا إلى إجبار سكان غزة على النزوح، وفي نهاية المطاف التطهير العرقي في غزة.
ويصف بعض المحللين، مثل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2023، هذه الإجراءات بأنها محاولة "لإعادة توطين الفلسطينيين قسراً" أو إخراجهم بشكل دائم من أجزاء من غزة، وقد قُدّمت تصريحات السلطات الإسرائيلية، مثل اقتراح "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة أو خطة "الجنرالات" لإخلاء شمال غزة، كدليل على النوايا الرئيسية للكيان.
تدمير نظام الرعاية الصحية وخلق أزمة صحية
اقترح تدمير البنية التحتية الصحية في غزة كجزء من استراتيجية لإضعاف قدرة المنطقة على تلبية احتياجات سكانها.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود، سُجِّلت أكثر من 560 هجمة على المرافق الصحية في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هذه الهجمات قصف مستشفيات مثل الشفاء وناصر وكمال عدوان، وتدمير عيادات محلية، وقد استشهد أو اعتُقل أكثر من ألف طبيب وممرض وموظف طبي، ودُمر جزء كبير من مستشفيات غزة بالكامل.
وخلص تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن نمط الهجمات الإسرائيلية المميتة على المستشفيات والمناطق المحيطة بها في غزة، وما صاحبها من قتال، قد دفع كيان الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار التام، وكان له تأثير كارثي على وصول الفلسطينيين إلى الرعاية الصحية والطبية.
كما أن استراتيجية الكيان الإسرائيلي للتطهير العرقي للفلسطينيين جعلت من المستحيل توفير الرعاية الأساسية، كما وردت تقارير عن وفاة مرضى بسبب عدم توافر غسيل الكلى أو العلاج الكيميائي أو الجراحة الطارئة، ووصفت منظمة أطباء بلا حدود الهجمات بأنها "متعمدة" وتهدف إلى زيادة معاناة المدنيين.
تحويل غزة إلى أرضٍ ميتة
تركز هذه المرحلة على التدمير واسع النطاق للبنية التحتية الحيوية، وتهيئة ظروف بيئية تجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه بحلول أوائل عام 2025، سيكون أكثر من 90% من الوحدات السكنية في غزة قد دُمرت أو تضررت بشدة، وستنهار شبكات المياه والصرف الصحي، وستُدمر أكثر من 80% من الأراضي الزراعية، وقد أدى القصف المكثف، الذي تُقدر بعض المصادر أنه يعادل قنبلتين نوويتين متعددتي الرؤوس، إلى تلوث بيئي، بما في ذلك تلوث المياه الجوفية والتربة.
في الواقع، تسببت الحرب المستمرة في غزة في أضرار بيئية جسيمة للمنطقة، ما أثر على الهواء والماء والأرض، وعلى جميع من يعتمدون عليها، كما تم توثيق آثار التلوث بالمعادن الثقيلة نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، فالهواء ملوث بمواد كيميائية من أسلحة مثل الفوسفور الأبيض بسبب الاستخدام المكثف للمتفجرات، والتعرض لذخائر الفوسفور الأبيض يؤدي بدوره إلى انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية، ما قد يُلحق الضرر بالنباتات القائمة، الأرقام المنشورة حول انبعاثات الكربون مذهلة أيضًا، أنتجت الحرب ما يُقدر بـ 536,410 أطنان من ثاني أكسيد الكربون في أول 120 يومًا، 90% منها ناتجة عن الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية على غزة، هذه الكمية تفوق إجمالي انبعاثات الكربون السنوية للعديد من الدول المعرضة لخطر تغير المناخ.
خلق شرعية سياسية ودبلوماسية لخطة التطهير العرقي
يشير هذا إلى محاولة لتبرير أفعال الكيان الصهيوني على المستوى الدولي وتخفيف الضغط الدبلوماسي والقانوني، يعتمد الكيان الإسرائيلي على الدعم القوي من حلفائه الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، ويستخدم حججًا مثل "مكافحة الإرهاب" أو "حق الدفاع عن النفس"، ويحاول إضفاء الشرعية على عملياته في غزة.
ويُنظر إلى استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) ضد قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي، واستمرار المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات للكيان الإسرائيلي، ورفض المقترحات الدبلوماسية لوقف القتال، كجزء من هذه الاستراتيجية، استراتيجية الكيان الإسرائيلي في التطهير العرقي للفلسطينيين، ويُستشهد بالضغط على المنظمات الدولية مثل وكالة الأونروا وقمع الانتقادات العالمية، بما في ذلك وصف منتقدي الكيان بـ"المعادين للسامية"، كوسائل للحفاظ على هذه الشرعية الدبلوماسية.