الوقت- خيمت على مدار الأيام المنصرمة ظلال كثيفة من أنباء استمرار احتجاجات مناوئي أردوغان ومؤازري أكرم إمام أوغلو، وأنباء الزلزال الذي ضرب إسطنبول وكوتاهيا، فضلاً عن تداعيات الأزمة الاقتصادية المستشرية، حتى كادت تحجب أضواء مفاوضات السلام بين تركيا وتنظيم العمال الكردستاني الموصوم بالإرهاب.
غير أن وفداً من ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي (الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني في تركيا) قد التقى بصورة رسمية مع يلماز تونج، وزير العدل في حكومة أردوغان.
انعقد هذا اللقاء في أجواء من السرية التامة، ولم يُفصح عن تفاصيل المباحثات التي دارت بين الساسة الأكراد المقربين من حزب العمال الكردستاني والوزير تونج، غير أن مصادر وثيقة الصلة بحزب العدالة والتنمية أفادت بأن ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي قدموا خلال هذا اللقاء مذكرةً مكتوبةً رسميةً، بحضور المستشار القانوني لأوجلان، ناشدوا فيها وزير العدل بالإسراع في إطلاق سراح زعيمهم.
وتطرقت صحيفة “سوزجو”، الأوسع انتشاراً في العاصمة أنقرة، في صدر صفحتها الأولى صورةً وعنواناً إلى أنه رغم استبعاد إطلاق سراح أوجلان ومنحه فرصة العيش حياةً طبيعيةً في إحدى المدن التركية، إلا أن الحكومة اتخذت تدابير من شأنها تغيير ظروف معيشته تغييراً جذرياً.
وكشفت “سوزجو” أن جهاز المخابرات التركي “ميت” قد صارح الساسة الأكراد بأنه لا يمكن لأي جهة أن تكفل سلامة أوجلان في ظل احتمالات الثأر من قبل أسر العسكريين الذين لقوا حتفهم، وكذلك من الجماعات القومية المتشددة.
وعليه، فقد تم التوصل إلى تفاهم أولي يقضي بتشييد فيلا فسيحة في جزيرة إمرالي، ليتسنى لأوجلان أن يقيم فيها برفقة خمسة من رفاقه الحزبيين، ومن المقرر أن يُمنح أوجلان حق استخدام شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الإعلامي، وأن يتاح له تدريجياً الانخراط في العمل السياسي الرسمي والقانوني.
لن نرهب من حفنة قطاع الطرق
تناول عبد القادر سلوي، أحد أبرز المحللين الأتراك والمقرب من أردوغان، في مقال تحليلي تاريخ حزب العمال الكردستاني وذكرياته الشخصية قائلاً: “تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 ونفّذ باكورة هجماته المسلحة عام 1981، كان تورغوت أوزال يتولى رئاسة الوزراء التركية آنذاك وعزم على التوجه شخصياً إلى موقع الحادث، رافقته بصفتي صحفياً في مقتبل مشواري المهني، أشار رئيس الوزراء بسبابته نحو الجبل قائلاً: لن نرهب من حفنة من قطاع الطرق، غادر هو على متن مروحية من مدينة فان، بينما انطلقنا نحن في ناقلة جنود، بيد أننا تأخرنا في الانطلاق، استفسرت من القائد عن السبب، فأجاب: لا بد من انتظار بزوغ الفجر، قد يباغتنا أتباع آبو في الطريق، كان من اللافت للنظر أن اسم حزب العمال الكردستاني لم يكن قد ذاع بعد، وكان تعداد عناصره محدوداً للغاية حتى أنهم كانوا يُعرفون بمسمى مجموعة صغيرة من أتباع آبو”.
وأفصح سلوي عن مشاورات جنرالات الجيش التركي مع نظرائهم البريطانيين لاستقاء الخبرات قائلاً: “أسر إلي الجنرال دوغان غورش باشا، القائد السابق لهيئة الأركان العامة: كانت تربطني صداقة وثيقة برئيس الأركان البريطاني، فالتمست منه أن يطلعني على أساليبهم في مكافحة الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) لنستلهم منها في مواجهة حزب العمال الكردستاني، فوجّه إلي ولنظيري الجنرال خورشيد تولون دعوةً لزيارة إنجلترا. بدلوا المروحية التي تقلنا مرتين، ثم عصبوا أعيننا وأنزلونا في قلب غابة شاسعة وقالوا لنا: نقيم هنا مركزاً تدريبياً ندرّس فيه جنودنا فنون حرب العصابات، يتعين عليكم ألا تجابهوا حزب العمال الكردستاني بمنطق الجيوش النظامية، بل بأسلوب العصابات ذاتها، ذلك هو مفتاح النصر الأوحد”.
الشرط الجوهري
يرى سلوي أن إلقاء السلاح من قبل الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، هو المخرج الوحيد من الأزمة، بيد أن المعضلة تكمن في أن الحزب لم يقدم حتى الآن أي تعهد محدد بهذا الصدد.
وثمة إشكالية أخرى تتمثل في مطالبة حكومة أردوغان بنزع سلاح الأذرع شبه العسكرية التابعة لحزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية السورية، وليس من الواضح ما إذا كان الأكراد السوريون سيذعنون لهذا المطلب.
يسطر سلوي: “بإلقاء السلاح وتفكيك حزب العمال الكردستاني، ستطوى صفحة الكفاح المسلح التي افتتحت في الخامس عشر من آب/أغسطس 1984، وستغدو تركيا قدوةً في القضاء على تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي عبر السبل الديمقراطية، وبذلك، سيتعاظم دور تركيا في ميزان القوى بالشرق الأوسط. ولن تتمكن القوى العظمى من توظيف حزب العمال الكردستاني كأداة لإشاعة الفوضى، بيد أن هذه العملية ليست مجالاً للمساومات، فلن تُتخذ أي خطوة ما لم يلق حزب العمال الكردستاني سلاحه”.
أمريكا و"إسرائيل" تتربصان بكم!
من القضايا المتشابكة مع مفاوضات السلام بين الحكومة التركية وتنظيم العمال الكردستاني، احتمالية التدخل غير المباشر أو التخريب من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في مسار المحادثات، يعتقد جازماً نخبة من خبراء الأمن الأتراك أن قادة حزب العمال الكردستاني على صلة وثيقة بكل من واشنطن وتل أبيب، وأنه لا ينبغي الاستهانة بخطورة هذا المعطى.
يصرح عصمت أوزجليك، أحد المحللين البارزين في تركيا، حول موقف أمريكا و"إسرائيل": “خاطب أوجلان رفاقه بصراحة متناهية قائلاً: ألقوا السلاح، حلوا الحزب، اندمجوا في نسيج الدولة والمجتمع التركي، لكن ثمة قوى متنفذة لا تروق لها فكرة تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه، وأوجلان مدرك تمام الإدراك لهذا الواقع، نمى إلى علمي أن سري ثريا أوندر أفضى إلى دوغو برينجك: حين زرنا أوجلان في جزيرة إمرالي، حذّر بروين بولدان قائلاً: لا ريب في أن أمريكا وإسرائيل ستسعيان لتصفيتكما، إنه إنذار بالغ الخطورة، لديهما مخطط لاغتيالكما".
أقل من شهر
صرح عمر جليك، الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية، بأنه فيما يتعلق بتفكيك حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه بالكامل، ستشهد الساحة تطورات إيجابية وسيتحقق هذا الهدف في غضون فترة لا تتجاوز الشهر، وفي السياق ذاته، أعلن أفغان آلا، نائب أردوغان في حزب العدالة والتنمية والمفوض الرئيسي بملف التفاوض مع حزب العمال الكردستاني، أن الحكومة تتحفظ على إفشاء تفاصيل الاتفاق المرتقب.
ومن أبرز الغموض المحيط بالمآل النهائي للمفاوضات: ما المصير الذي سيؤول إليه قادة وأعضاء حزب العمال الكردستاني؟
أدلى الجنرال ياشار غولر، وزير الدفاع التركي، بدلوه في هذا الشأن قائلاً: “قبل كل اعتبار، يتعين عليهم حل تنظيمهم، ثم يلي ذلك تسليم الأسلحة والاستسلام، سنحدد لهم مواضع تسليم العتاد، وإذا نفذوا ذلك بحذافيره، فسيتم تمهيد الطريق لعودتهم”.
كل هذه التطورات تأتي في وقت أعلن فيه جميل بايك، الرجل الثاني في هرم حزب العمال الكردستاني ورئيس مجلس قيادته، أنه من منظوره، فإن العودة إلى تركيا له ولرفاقه ستفضي إلى الزجّ بهم في غياهب السجون لفترات مديدة، وأنهم لا يضمرون أي نية للعودة إلى الأراضي التركية.
