الوقت - في واقعة فجّرت موجة من الغضب والاستنكار داخل الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، أثار وصف صحيفة "الغارديان" البريطانية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ"الرئيس المؤقت" عاصفة من الجدل، وسط تحليلات متباينة حول دوافع هذا الوصف، وما إذا كان زلّة مهنية أم موقفًا سياسيا متعمّدا.
جاء الوصف المثير للجدل ضمن تقرير نشرته الصحيفة البريطانية حول ردود فعل زعماء العالم على وفاة بابا الفاتيكان فرانسيس، حيث أوردت تعزية السيسي مستخدمة عبارة "الرئيس المؤقت"، وهو ما اعتبره إعلاميون ومحللون مصريون إهانة غير مبررة وتجاوزًا غير مهني.
الإعلامي المصري مصطفى بكري كان من أوائل من علقوا بغضب، وكتب: "عندما تصف صحيفة (الغارديان) الرئيس السيسي بأنه الرئيس المؤقت، فهي إما أصيبت بالجهل الشديد، ولا تعرف أن الرئيس السيسي تم انتخابه انتخابًا حرًا مباشرًا وبأغلبية كاسحة في انتخابات تنافسية، أو أنها أُصيبت بـ(حول) متعمّد، لأننا نعرف من هي (الغارديان) وما هو طبيعة دورها وعدائها لمصر".
وأشار بكري إلى أن الصحيفة لها مواقف سابقة "منحازة ضد الجيش المصري"، مذكّرا بتقارير نشرتها خلال فترة حكم جماعة الإخوان، اتهمت فيها الجيش بارتكاب جرائم قتل ضد المتظاهرين، وتابع بنبرة حادة: "ليس غريبًا إذًا أن تصف الرئيس المُنتخب بأنه مؤقت... لو كان ذلك خطأ، فعليكم الاعتذار عن جهلكم، أما إذا لم تعتذروا، فأنتم بذلك تؤكدون أنكم أداة من أدوات المؤامرة ضد مصر".
جدل مهني أم مؤامرة سياسية؟
الجدل الذي اندلع لم يكن محصورًا بالإعلاميين، بل امتد إلى محللين سياسيين رأوا في الخطأ ـ إن كان خطأً فعلا ـ إساءة لا يمكن تجاهلها، فقد اعتبر بعض أنصار السيسي أن الحادثة تأتي في سياق أوسع من التربص بالرجل الذي "حوّل مصر إلى قوة عسكرية واقتصادية"، كما وصفوه.
وفي المقابل، اعتبر آخرون أن ما حدث هو خطأ مهني جسيم يرتقي إلى مرتبة "الجريمة الصحفية"، وخاصة أن المفردة الإنجليزية المستخدمة من قبل "الغارديان" يمكن أن تُترجم إلى "المؤقت" أو "الانتقالي" أو "المكلف"، وهي توصيفات لا تنطبق قانونيًا أو سياسيًا أو حتى صحفيًا على منصب السيسي الحالي.
الإعلامي أسامة جاويش وصف الواقعة بأنها "إهانة وفضيحة"، مضيفًا إن موضع التعزية في التقرير نفسه شهد الإشارة إلى رئيس البرازيل لولا داسيلفا، دون وصفه بـ"المؤقت"، ما يستبعد فرضية الخطأ الطباعي، حسب رأيه.
الغارديان تتراجع.. ولكن بعد فوات الأوان؟
لاحقًا، أجرت "الغارديان" تعديلًا على النص وغيّرت وصف السيسي إلى "الرئيس المصري"، مشيرة إلى أن ما حدث كان "خطأ غير مقصود"، إلا أن هذا التوضيح لم ينجح في تهدئة الغضب المصري، الذي يرى في الواقعة دليلًا جديدًا على "التحامل الغربي" تجاه مصر، وخاصةً في ظل ما تشهده العلاقات الدولية من تغيرات جذرية.
مناورات جوية تُشعل الخلفيات
وفي خلفية هذا التصعيد، ربط محللون بين وصف الصحيفة وبين التوتر الجيوسياسي المتصاعد، حيث تشهد مصر تحولات استراتيجية لافتة على الصعيد العسكري، من أبرزها المناورات الجوية المشتركة مع الصين تحت عنوان "نسور الحضارة – 2025".
السياسي زهدي الشامي أشار إلى أن هذه المناورات ليست مجرد تدريبات تقليدية، بل تعكس شراكة استراتيجية قد تثير قلق واشنطن وتل أبيب، وخاصة مع الأنباء عن حصول القاهرة على طائرات الجيل الرابع J-10c الصينية ومنظومات الدفاع الجوي HQ8B، التي تنافس نظيرتها الروسية S-400.
لعبة التوازنات الدولية
ترى د. وفاء إبراهيم، أستاذة الفلسفة السياسية، أن ما جرى في "الغارديان" لا ينفصل عن "لوثة" أصابت الغرب بعد اقتراب مصر من الصين وروسيا، واعتبرت أن المناورات والتسليح المتقدم ليس مجرد تعزيز للقدرات، بل "إشارة قوية إلى تبدل موازين النفوذ الإقليمي".
وقالت: "قد لا يكون من المستغرب أن نشهد تبعات ذلك في تصريحات أمريكية أو تحركات دبلوماسية مقبلة، وربما حتى في الإعلام الغربي".
ورغم تعديل "الغارديان" لصياغتها، إلا أن الواقعة لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة، وتثير التساؤلات حول حقيقة ما إذا كانت خطأ بريئًا أم رسالة مشفرة في صراع أوسع تدور رحاه على رقعة الشرق الأوسط.
وبينما تستمر مصر في مناوراتها العسكرية وتبدّل توازناتها الدولية، قد يكون لوصف واحد من صحيفة غربية ما هو أبعد بكثير من مجرد خطأ تحريري... فقد تكون الكلمات أحيانا طلقة أولى في معركة باردة.
