الوقت- أخيراً وبعد أشهر من الصراع السياسي بين الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق حول طريقة إجراء الانتخابات البرلمانية وتوزيع المقاعد، جاءت التوقعات بإجراء الجولة الانتخابية الأكثر حساسية في هذا الإقليم إلى النهاية.
وحسب إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فقد انتهت صباح اليوم الثلاثاء فترة الدعاية الانتخابية للولاية السادسة لبرلمان كوردستان في عموم إقليم كوردستان، وساد الصمت الانتخابي.
وكانت هذه نهاية فترة حملة انتخابية استمرت 20 يومًا للمرشحين بدأت في الـ 25 من سبتمبر/أيلول، تنافست خلالها الأحزاب السياسية والائتلافات والمرشحون المستقلون على مقاعد البرلمان المقبل.
ومن المقرر أن يتم التصويت أولا من خلال جمع أصوات قوات الأمن والسجناء في جميع أنحاء الإقليم يوم الجمعة، حيث يحق لنحو 215 ألفاً من قوات الأمن الداخلي والبشمركة وأعضاء الجيش العراقي الأكراد التصويت، وبعد ذلك ستفتح مراكز الاقتراع يوم الأحد (20 أكتوبر) لجميع الناخبين.
وحسب الهيئة المستقلة للانتخابات، فإن العدد الإجمالي للمرشحين المؤهلين للانتخابات البرلمانية الإقليمية هو 2,899,878، ويشمل هذا الرقم 2,683,618 ناخبًا عامًا و215,960 ناخبًا للمجموعات الخاصة.
وفي المجمل، ستتنافس الأحزاب على 100 مقعد في برلمان كردستان، منها 95 مقعداً عاماً و5 مخصصة للأقليات، ومن بين المقاعد العامة تم تخصيص 30 مقعدا للنساء، السليمانية 38 مقعدا، وأربيل 34 مقعدا، ودهوك 25 مقعدا، وحلبجة 3 مقاعد.
مع انتهاء فترة الحملة الانتخابية، يجهز إقليم كردستان نفسه للحظة سياسية مهمة ويتجه الناخبون إلى تحديد تركيبة البرلمان والحكومة المحلية في أربيل بعد سنوات طويلة، حيث كثرت في السنوات الأخيرة وتسببت الخلافات بين الحزبين الديموقراطي والاتحاد الوطني في جمود سياسي واستياء واسع النطاق بين المواطنين.
وأكد رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، في رسالة مصورة، أهمية هذه الانتخابات، وقال: "انتخاب برلمان قوي فرصة حيوية لتعزيز النظام الديمقراطي، وتعزيز مؤسساتنا، وتنفيذ الإصلاحات، وحماية إقليم كوردستان، ودعم النظام الاتحادي، وضمان حقوق القانون وهي أساس الشعب الكردي".
من جهة أخرى، أكد مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات استعداده الكامل لإجراء الانتخابات في 20 أكتوبر المقبل، والتزامه بضمان إجراء عملية انتخابية نزيهة وشفافة.
وقال البيان: "لقد طبقنا إجراءات صارمة لضمان تنفيذ عملنا باستقلال وحياد كاملين وتهدف هذه الإجراءات إلى منع أي تلاعب أو تغيير في إرادة الناخبين والحفاظ على كل صوت حتى إعلان النتائج النهائية".
كما أعلنت هيئة الانتخابات عن تعاونها مع شركة عالمية مرموقة متخصصة في برامج المراقبة لحل أي مشاكل فنية في أجهزة التصويت، وعلى أساسها سيتم إجراء العد والفرز اليدوي لجميع مراكز الاقتراع للتأكد من النتائج الإلكترونية.
صعود وهبوط الانتخابات البرلمانية
وستجرى الانتخابات المقبلة بعد 4 تأجيلات لوقت إجرائها، وبالتالي، وبغض النظر عن الشكوك المثارة بشأن مستوى شفافية وحصانة العملية الانتخابية ضد نفوذ الأحزاب والتيارات، فإن إجراء الانتخابات في حد ذاته يعد بمثابة إجراء تحقيق التوقعات العامة للمستقبل سيكون إيجابيا من الناحية السياسية.
وستلعب الانتخابات دورا مهما في إبعاد الإقليم عن خطر الفراغ الدستوري، وخاصة أن المحكمة الاتحادية، باعتبارها أعلى سلطة قضائية في العراق، أعلنت في مايو 2023، عدم دستورية قانون تمديد جلسات البرلمان المحلي.
في المقابل، وبينما لم يبق سوى أيام قليلة على فتح صناديق الاقتراع في الإقليم، فإن الأحداث في الإقليم تتأثر بشكل كامل بتطورات الحرب الإسرائيلية ومحور المقاومة.
وفي هذا الصدد، أعلن هوشيار زيباري، أحد قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الاقتصاد العراقي الأسبق، أن الانتخابات ستجرى في موعدها وقال: "الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وتوترات أخرى في المنطقة، لن تؤثر على الانتخابات البرلمانية في الإقليم، فالحكومة تقود إقليم كردستان حتى تتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية".
الانتخابات تحت إشراف المنظمات الدولية
وستجرى الانتخابات البرلمانية في الإقليم تحت مجهر المراقبين الأجانب، وفي هذا الصدد كشف زيباري أيضاً أن حزبه دعا السفارات والمنظمات الدولية إلى مراقبة الانتخابات البرلمانية الكوردستانية عن كثب حتى تكون هذه العملية شفافة ونزيهة وخالية من التزوير.
وأجريت آخر انتخابات برلمانية في كردستان في عام 2018، وستجرى بإشراف لجنة الانتخابات الاتحادية بناء على التعديلات القانونية والإجرائية التي قدمها القضاء العراقي للمجلس الانتخابي الإقليمي، وقلصت انتخابات كردستان عدد المقاعد البرلمانية المخصصة للأقليات وستجرى في إطار نظام المحاصصة والموافقة على أربع دوائر انتخابية بدلا من دائرة واحدة.
تدخل القضاء العراقي في انتخابات كردستان العراق تم عندما كاد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السياسي الكردي المخضرم مسعود بارزاني أن يعطل عملية الاستحقاق المتوقعة في الإقليم، وخلال ذلك تغلب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني وهدد بمقاطعة الانتخابات، وشهدت الحملات الانتخابية للحزبين توتراً وصاحبتها خطابات نارية من قيادات هذين الحزبين.
وردد زعماء حزب يكيتي ومن بينهم زعيمه بافل طالباني، خلال حملاتهم الانتخابية، شعار إصلاح عملية الحكم في الإقليم، وهو ما يعني انتزاع مقاليد السلطة من حزب البارزاني الذي يتولى أهم المناصب الحكومية، بما فيها رئيس الإقليم ورئيس الدولة.
ورداً على شعار حزب الاتحاد الوطني، قالت قيادات الحزب الديمقراطي عبر مسرور بارزاني رئيس وزراء الإقليم: "نظراً لأن حزبهم يتمتع بسلطة شعبية ومؤهل للفوز بالانتخابات وبالتالي الحفاظ على الحكومة، فلا يمكنهم الاستسلام".
ومع اشتعال عدة جبهات في منطقة غرب آسيا، وتحذيرات من توسع دائرة الصراع إلى العراق، فإن إجراء الانتخابات يخيم عليه جو من عدم اليقين.
وكان بهروز الجاف، الأستاذ الكردي، قد قال في وقت سابق: إن الانتخابات البرلمانية في كردستان تتأثر بالأوضاع الداخلية في العراق، وفي حال تعرضت البلاد لهجوم من قبل "إسرائيل"، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد على إجراء الانتخابات، لأن مفوضية الانتخابات العراقية تشرف رسميا على عملية الانتخابات.
الدور التدخلي للقوى الأجنبية
ورغم تزايد المحفزات الداخلية التي ساعدت أطراف إقليم كردستان على تجاوز مختلف العقبات وتعزيز الأمن، إلا أن المراقبين للعراق والإقليم يتخوفون من دور القوى الأجنبية.
وحسب العرب فإن للولايات المتحدة مصلحة مباشرة في استقرار إقليم كردستان وجهوده لتحقيق الحكم الذاتي، ودعمت في البداية استفتاء الاستقلال في سبتمبر 2017 واعتبرت قادة أربيل السياسيين جديرين بالثقة.
وبدا اهتمام أمريكا بانتخابات إقليم كردستان واضحاً في تصرفات السفيرة الأمريكية ألينا رومانوفسكي التي ناقشت قضية الانتخابات مع أكثر من مسؤول في بغداد وأربيل وطلبت منهم الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد حتى لا يتم تأجيلها مرة أخرى، وقال رومانوفسكي في وقت سابق في تعليق على منصة X "إننا نشجع جميع المقيمين المؤهلين في إقليم كوردستان على المشاركة الكاملة في إرساء الديمقراطية في بلادهم من خلال التصويت في الانتخابات المقبلة".
ستجرى الأسبوع المقبل الانتخابات البرلمانية الأكثر حساسية في إقليم كردستان، والتي قد يغير مصيرها هياكل القيادة والحكم السياسي في هذا الإقليم، وربما يهز أسس حكم عائلة البارزاني بعد عقدين من الزمن.
