الوقت- في الوضع الذي بعد العملية الصاروخية والطائرات المسيرة للحرس الثوري الإسلامي إلى الأراضي المحتلة، والتي رسمت منظور قواعد الردع في المنطقة، كان الكثيرون ينتظرون رد فعل الكيان الصهيوني، لكن اختار قادة تل أبيب، خوفاً من المواجهة المقبلة مع الجمهورية الإسلامية، خيارات أقل إزعاجاً، بحيث يصبح المدى الحقيقي للتهديدات المطروحة على طاولة الصهاينة ضد إيران واضحاً للجميع بعد عقود؛ الحقيقة التي لخصها بن جوير، الوزير المتشدد في حكومة نتنياهو، في كلمة واحدة: سخيفة!
لكن يبدو أن جزءاً من تعويضات الصهاينة عن الضربة العقابية التي وجهتها إيران إلى العراق قد حدث، حيث أفادت وسائل إعلام، صباح السبت، بتعرض قاعدة "كالصو" التابعة لقوات الحشد الشعبي العراقية في محافظة بابل، لهجوم جوي.
وقال مسؤول عسكري إن قاعدة "كالصو" تابعة لقوات الجيش والحشد الشعبي وتستخدمها بشكل مشترك، وذكر بيان لقوات الحشد الشعبي أن فريق تحقيق وصل إلى مكان الانفجار وإلى الآن، إضافة إلى الأضرار المادية، قتل شخص وأصيب 8 آخرون.
في غضون ذلك، قال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل، في بيان، إن الهجوم على قواعد الحشد الشعبي لم يكن مخططاً له وتم استهداف عدة قواعد، وأضاف إن "التحقيقات الأولية تظهر أن الهجمات في محافظة بابل لم تكن بطائرات مسيرة، بل بالصواريخ".
واستهدفت هذه الهجمات العدوانية مرآباً للسيارات ومكتبين لقوات الحشد الشعبي عند المدخل الرئيسي لقاعدة كالصو، وكانت شدة الهجمات قوية، كما قال مسؤول في وزارة الداخلية العراقية: إن "الانفجار الناتج عن الهجمات الصاروخية طال المعدات والأسلحة، بما فيها الأسلحة الثقيلة والمدرعات، في قاعدة كالصو".
وقال رئيس اللجنة الأمنية في محافظة بابل: إن هذا الهجوم نفذ بطائرة مسيرة، وصرح هذا المسؤول العراقي: "وقعت 5 انفجارات نتيجة هجمات بطائرات دون طيار على قاعدة قوات للحشد الشعبي؛ ويعود حجم الحريق إلى وجود الأشجار حول القاعدة.
كما أكد مسؤول عراقي آخر أنه "بناء على المعلومات الأولية، فإن الانفجار ناجم عن غارة جوية إسرائيلية، وستقوم بغداد بالتحقيق في الأمر"، ولفتت "الميادين" إلى أن الانفجارات في كالصو كانت قوية، وذكرت أن الاحتمالات تشير إلى أن الهجوم تم بطائرات مسيرة، لكن بعض المسؤولين الأمنيين العراقيين قالوا إن الهجوم تم بعدة صواريخ.
ورغم أنه لم يتم بعد تحديد الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة بشكل رسمي، إلا أن الأدلة تشير إلى أن الهجوم نفذه الصهاينة، في وقت مبكر من صباح السبت، كتب حساب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، في رسالة قصيرة وذات معنى على قناة إكس، "سبت سعيد"، ويعتقد البعض أن هذه الرسالة كانت مقدمة للهجوم على كتائب المقاومة، والتي نفذتها بعد ساعة.
ومنذ اشتداد الصراع بين فصائل الحشد الشعبي والقوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، مباشرة بعد هذا الهجوم، نفى القائد المركزي لـ "CENTCOM" الأمريكية في بيان أي تورط له في هذا الهجوم وقال: "نحن على علم بالتقارير التي تدعي أن الولايات المتحدة نفذت غارات جوية في العراق، هذه التقارير غير صحيحة وليس للجيش الأمريكي أي نشاط في المنطقة التي وقع فيها الانفجار"، وقال مسؤولون أمنيون في تل أبيب أيضًا إنهم لن يعلقوا على الهجوم على قاعدة كالصو.
تهديد المقاومة العراقية بالانتقام
وبعد هذا الهجوم هددت مجموعات الحشد الشعبي بالرد الساحق على مرتكبي هذه الجريمة، وكتب أبو علاء الولائي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء على حسابه على منصة "X": "سيتم الرد على كل من يقف وراء هذا الهجوم الشنيع على مقرات الحشد الشعبي"، وأضاف "من يقف وراء الهجوم ومن يثبت تورطه في هذه الجريمة النكراء سيدفع الثمن بعد استكمال التحقيقات اللازمة"، وقال: "إذا كان العدو يحسب أن قوات الحشد الشعبي مقيدة ولا يتوقع جواباً، فليعلم أن المقاومة ليست كذلك".
وبعد هذه التهديدات أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق أنها ستنفذ هجمات في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وأعلنت: "أن مجاهدينا يردون على جرائم كيان الاحتلال في غزة ودعماً لأهل هذه المنطقة، وكذلك رداً على الهجوم على قاعدة الحشد الشعبي، فقد هاجموا هدفاً مهماً في إيلات المحتلة بطائرات مسيرة، كما أكدت المقاومة الإسلامية في العراق أنها رداً على قتل الشعب الفلسطيني واستهداف معسكرات الحشد الشعبي تواصل تدمير معاقل العدو".
وتظهر لهجة الكلمات التحذيرية للأمين العام لكتائب سيد الشهداء أنهم يعتبرون فصائل المقاومة الأمريكية متورطة في هذا الهجوم، وتجدر الإشارة إلى أن مجموعات الحشد الشعبي علقت هجماتها على المواقع الأمريكية بعد أن اتفق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع السلطات الأمريكية على سحب قوات الاحتلال من الأراضي العراقية، لكن هذا التحذير يوضح أنه إذا ثبت أن الولايات المتحدة ستساهم في هذا الهجوم، لن تفي جماعات المقاومة بالتزامات الحكومة، وسيكون من الممكن شن جولة جديدة من الهجمات على مواقع القوات الأمريكية.
ورغم أن الأمريكيين حاولوا تبرئة أنفسهم من التورط في هذا الهجوم، إلا أن ذلك لا يقلل من مسؤولية هذا البلد في مهاجمة فصائل المقاومة، لقد تم التأكيد على أن السبب الرئيسي للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة هو دعم الولايات المتحدة الثابت لهذا الكيان، الذي ترك أيدي الصهاينة حرة لقتل المزيد من الفلسطينيين بمساعدة الأسلحة والدعم السياسي في مجلس الأمن، و في المقابل، ترى جماعات عراقية أن أمريكا هي السبب الرئيسي لانعدام الأمن في العراق والمنطقة، ويبدو أن هذا البلد زود "إسرائيل" بمعلومات عن مقرات الحشد الشعبي حتى تتمكن من تنفيذ هجماتها بدقة.
ولذلك فإن أمريكا شريكة في أي نوع من أنواع الحرب الإسرائيلية في المنطقة وضد فصائل المقاومة وعليها أن تدفع ثمنها، وتجدر الإشارة إلى أن فصائل المقاومة في العراق نفذت عشرات الهجمات على القواعد الأمريكية في المنطقة خلال الأشهر الستة الماضية، وهي تصر على مواصلة هذه الهجمات حتى يغادر المحتلون هذا البلد وتتوقف الحرب في غزة.
تعويضات عن أصفهان
ووقع الهجوم على قاعدة الحشد الشعبي بعد يوم من استهداف قاعدة جوية في أصفهان بغارة جوية يوم الجمعة بعدد من الطائرات الصغيرة، وهو هجوم نسبته بعض المصادر المطلعة إلى "إسرائيل".
وزعمت سلطات تل أبيب، الأسبوع الماضي، أنها سترد بقوة على العمليات الصاروخية والطائرات المسيرة للحرس الثوري، لكن فشل الطائرات المسيرة في تحقيق أهدافها وعدم قدرة مقاتلات الاحتلال على دخول الأراضي الإيرانية وتنفيذ عمليات عسكرية أجبر سلطات تل أبيب على الانسحاب من سياساتها المعلنة.
لقد أصبح نتنياهو وأعوانه يعتقدون أن المواجهة المباشرة مع إيران سيكون لها ثمن باهظ لوجود الكيان في الأراضي المحتلة، ولذلك، بدلا من المواجهة المباشرة، يستهدفون قوى المقاومة وحلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة من أجل نيل كرامتهم، واستعادة الهيمنة والردع من أيديهم.
وذلك على الرغم من أن هذا النوع من رد الفعل لم يكن قادرًا حتى على إرضاء القادة الصهاينة، وفي فضيحة سياسية كبيرة وصفها إيتامار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، بأنها "سخيفة" بعد الهجوم الفاشل على قاعدة أصفهان، الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل في داخل الأراضي المحتلة، ويبدو أنه من أجل إرضاء وزراء الحكومة، نفذ نتنياهو العملية في القاعدة العراقية ليظهر أنه لن يفشل في ضمان أمن الصهاينة.
ومع الهجوم الأخير على قاعدة الحشد الشعبي، فإن نطاق عمليات مجموعات المقاومة سيتسع بلا شك إلى الأراضي المحتلة، لأن قوى المقاومة في لبنان والعراق واليمن أظهرت خلال الأشهر الستة الماضية أنها مستعدة لخوض حرب جديدة، والقيام بعمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني، حتى لو اضطروا إلى مواجهة التحالف الغربي، فلا خوف من أنصار الكيان.
