الوقت - في حين أدت الإجراءات العسكرية التركية في السنوات الأخيرة في دول الجوار، وخاصةً سوريا والعراق، إلى خلافات عميقة بين أنقرة وجيرانها، زعمت صحيفة "حرييت" الصادرة في هذا البلد مؤخرًا في مقال، أن جيش هذا البلد يخطط لعملية برية واسعة النطاق ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وحسب صحيفة حرييت، فقد تم التوصل إلى اتفاق مع المسؤولين المركزيين والمحليين في العراق، حول تنفيذ هذه العملية العسكرية.
وكتب عبد القادر سلفي، وهو كاتب عمود مقرب من الحكومة التركية: "في البداية، سيتم تنفيذ عملية برية واسعة النطاق في منطقة عمليات "مخلب"، وزعم سلفي كذلك أنه قبل بدء العملية، تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المركزية في العراق، وحكومة أربيل الخاضعة لسيطرة عائلة بارزاني.
وحسب هذه الصحيفة، تتوقع أنقرة إغلاق كامل حدودها مع العراق البالغ طولها 378 كيلومتراً، أمام من تسميهم "الإرهابيين".
من أجل تسليط الضوء علی الخطط العسكرية التركية في شمال العراق، أجری موقع "الوقت" التحليلي حواراً مع "السيد هادي سيد أفقهي"، الخبير في قضايا غرب آسيا.
الوقت: ما هي أهداف أردوغان من الهجمات المتكررة على شمال العراق؟ يزعم الأتراك أنهم ينسقون مع الحكومة المركزية العراقية، كيف تقيّمون هذا الادعاء؟
السيد هادي أفقهي: لم تنسق تركيا قط مع الحكومة المركزية العراقية بشأن اعتداءاتها على الأراضي العراقية، وبالمناسبة، السيد حيدر العبادي قال عدة مرات في فترات مختلفة، إنه إذا كان هناك عقد أو اتفاق عسكري بيننا وبين تركيا، فإننا ألغيناه ولسنا على استعداد لتجديده.
لكن للأسف لا تزال تركيا على وئام تام مع أربيل في إقليم كردستان، والذي يمكن القول إنه صهيوني وعش لجواسيس الموساد، لأن إقليم كردستان لديه علاقة وثيقة مع أمريكا والکيان الصهيوني، كما أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وله علاقة قوية مع الکيان.
ولذلك، فهذه مؤامرة على الشعب العراقي ووحدة أراضيه ومصالح العراق الاستراتيجية، فكيف تدعي الصحيفة التركية أن ذلك تم بالتعاون مع الحكومة العراقية؟ لا بدّ أن ذلك تم بالتنسيق مع إقليم كردستان، وفي هذه الحالة لا داعي للتنسيق على الإطلاق.
لكن عدة مرات خارج أراضي الإقليم، تعدت تركيا على أراضي العراق، ومن المثير للدهشة أنه بعد عشرات التحذيرات والرسائل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أن الجماعات الإرهابية والانفصالية مثل كوموله وبيجاك والحزب الديمقراطي الكردستاني، تنفذ عمليات إرهابية من أراضيها ضد إيران، فإنها لا تستجيب، بينما من حق إيران الدفاع عن سلامة أراضيها.
يقولون إن وحدة أراضي بلادنا قد انتهكت، لكن الطائرات المقاتلة التركية والأمريكية تحلق في سماء العراق، وبطبيعة الحال، تركيا تنسّق، ولكن فقط مع إقليم كردستان، ولذلك، فإن مسألة التنسيق هي ادعاء كاذب تماماً نشرته صحيفة حرييت التركية، بل إن الحكومة المركزية في العراق احتجت عدة مرات، لكن تركيا ما زالت تنتهك وحدة أراضي العراق.
ومن المثير للاهتمام أن جميع التبادلات الاقتصادية بين العراق وتركيا عالية جداً، لكن العراق لا يستخدم هذه الورقة الاقتصادية الرابحة في التعامل مع تركيا والضغط عليها، وأنقرة تنفذ بانتظام عمليات جوية وبرية في شمال العراق، بحجة محاربة إرهابيي حزب العمال الكردستاني وبيجاك.
الوقت: ماذا سيكون موقف الحكومة المركزية العراقية تجاه العمل العسكري المحتمل لتركيا؟ وما تأثير هذه العملية على مستقبل العلاقات بين البلدين؟
السيد هادي أفقهي: يجب القول إنه حتى الحكومة العراقية لا تستطيع احتواء إقليم كردستان، حيث يصدر الإقليم النفط، وتريد الحكومة العراقية من أربيل أن تعلن عن إحصاءات تصدير النفط اليومية، وأسعار مبيعات النفط، والدول التي هي وجهات النفط المصدّر.
وبموجب الدستور والاتفاقيات المبرمة بين الحكومة المركزية في العراق وإقليم كردستان، فإن إقليم كردستان ملزم بإعادة الدخل من صادرات النفط إلى الحكومة المركزية، لكن الحكومة المركزية العراقية غير قادرة على التعامل مع هذا الانتهاك من قبل الإقليم، وقد أعلنت أمريكا مؤخراً أنها تريد إبرام اتفاقية دفاعية مع الإقليم، وبهذا الإجراء تريد أمريكا الإيحاء بأن الإقليم منفصل عن أراضي العراق.
لكن عندما يطرح موضوع الحقوق، يدعي إقليم كردستان أن الحكومة المركزية في العراق أهملته، ولا يحصلون على حقوقهم، كما تعاني الحكومة العراقية من الإرهاب الداخلي وقوات الاحتلال الأمريكي، تغتال باستمرار كبار قادة الحشد الشعبي، ولذلك، فهي لا تتورط مع الحكومة التركية بسبب العلاقات التجارية.
کما أن الحكومة العراقية لم تكن قادرةً على حل تحدياتها المائية مع تركيا، حيث يجف نهرا دجلة والفرات اللذان يجريان من شمال العراق إلى جنوبه في الصيف، وبهذا الخصوص، قدّمت الحكومة العراقية شكوى وعقدت اجتماعات وتفاوضت، لكنها حتى الآن لم تستطع إقناع الحكومة التركية وأردوغان نفسه، الذي يبني عشرات السدود على نهري دجلة والفرات، ولا يحترم الحقوق المائية للشعب العراقي.
من غير المتوقع أن تلتزم الحكومة المركزية الصمت التام إزاء هذا الإجراء التركي، لكنها ستصدر بياناً في النهاية، ويمكن القول إن إقليم كردستان مرتزق، ويتآمر مع أمريكا والکيان الإسرائيلي والحكومة التركية.
الوقت: هل يمكن أن تتماشى هذه العملية العسكرية التركية، مع تنفيذ الممر البري المعروف بـ "الممر الجاف" من الخليج الفارسي إلى تركيا عبر العراق؟
السيد هادي أفقهي: هذا يعتمد على ما ستستفيد منه الحكومة العراقية من هذا الممر في حال تنفيذه، وما هي الشروط التي يمكن أن يفرضها العراق على تركيا، ونتيجةً لذلك، لا يمكن التوصل إلى نتيجة نهائية بشأن هذه القضية في الوقت الحالي.
لكن ذلك ممكن لأن بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات العربية المتحدة، التي قامت باستثمارات ضخمة في إقليم كردستان وتركيا، تتابعه بقوة.
الوقت: هل تعتقدون أن برامج تركيا الأمنية والعسكرية تمكنت من تحقيق أهداف أنقرة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة؟
السيد هادي أفقهي: على أي حال، فإن تركيا دولة قوية، لأنها تحظى بدعم حلف شمال الأطلسي، ولها علاقات جيدة ووثيقة مع الکيان الصهيوني والدول الخليجية، وكذلك مع مصر التي حسنت علاقاتها بعد زيارة أردوغان للقاهرة.
وفي الشأن السوري، لا تزال القوات التركية متواجدة في سوريا وفي مدن مثل عفرين، ويمكن القول إن تركيا تدخلت رسمياً في الشأن السوري، وأعتقد أن الوضع الأمني في الدول المحيطة بتركيا، أي الدول المجاورة لها، جيد، لكن الوضع الداخلي لهذا البلد ليس جيدًا، بحيث إنه في بعض الأحيان يتم تنفيذ عمليات إرهابية، وتكون هناك صراعات وتوترات بين الحكومة ومجموعات حزب العمال الكردستاني.
كما تقوم تركيا أيضًا بشن هجمات جوية علی المناطق الكردية الداخلية، وفيما يتعلق بالوضع الداخلي في تركيا، يجب أن أقول إن أردوغان لديه الكثير من المعارضين، وهو بالكاد فاز بفارق بسيط عن زعيم الحزب الجمهوري، والمنافسون المحليون لتركيا منافسون جديون في الجوانب السياسية والأمنية، لكن على المستوى الإقليمي، تتمتع ترکيا بعلاقات جيدة مع الدول المجاورة لها.
الوقت: يُطرح احتمال القيام بعمليات برية تركية في شمال العراق، في وقت تشتد فيه مسألة طرد القوات الأمريكية من العراق في الأجواء السياسية في هذا البلد، ما هي تأثيرات هذا الإجراء المحتمل على عملية طرد القوات الأمريكية؟ وبالأساس هل يمكن اعتبار أمريكا مستفيدةً في هذا الأمر؟
السيد هادي أفقهي: أعتقد أن أمريكا لن تغادر العراق، بل ستغيّر بانتظام عنوان وجودها وذرائع بقائها في العراق، في البداية دخلوا العراق تحت عنوان قتال "داعش"، لكن بعد الإطاحة بـ"داعش" بقيت القوات الأمريكية في هذا البلد.
بعد اغتيال القياديين البارزين في محور المقاومة اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اشتدت ضغوط قادة محور المقاومة والحشد الشعبي على المواقع الأمريكية في العراق، وفي هذا الوضع، أثارت الحكومة العراقية والسيد السوداني مسألة توقيت انسحاب القوات الأمريكية، التي حسب رواية يبلغ عددها 3500 شخص، وحسب رواية أخرى 5000 شخص.
كما أعلنت واشنطن أنه لا يوجد أي عائق أمام المفاوضات مع بغداد، لكننا نكلف قواتنا العسكرية بمهمة عسكرية أخرى، ونطالب ببقاء قواتنا في العراق.
تلاحظون أنهم غالبًا ما يغيرون مواقفهم وأدبياتهم، حيث قالت أمريكا في البداية إن القوات الأمريكية مقاتلة، وموجودة في هذا البلد للقيام بأعمال عسكرية، ثم أعلنت أن قواتها موجودة في هذا البلد لأغراض تدريبية ولوجستية، ولمساعدة القوات العراقية.
منذ عهد السيد حيدر العبادي إلى عهد مصطفى الكاظمي، كانت السلطات العراقية تطالب دائماً بانسحاب أمريكا الكامل من بلادها، لكن أمريكا كانت ترفض دائماً، وبقيت في هذا البلد بالقوة.
والنقطة الأخرى هي أن أمريكا لديها أوراق رابحة خطيرة في العراق، فبعد سقوط صدام وحتى قبل ذلك، بعد الغزو العراقي للكويت، دخلت هذه الدولة تحت الفصل السابع من مجلس الأمن، والدخل الذي يجنيه العراق من صادراته النفطية اليوم، لا يذهب إلى خزينة هذا البلد، بل يُعطى للأمم المتحدة، وبأمر من أمريكا يرسلون عائدات مبيعات النفط تدريجياً إلى البنك المركزي العراقي.
لقد نفّذت أمريكا استثماراً ثقافياً وتنظيمياً في العراق، لدرجة أنها قادرة على تدمير العراق، والتظاهرات وأعمال الشغب التي أدت إلى استقالة عادل عبد المهدي، هي نتيجة النفوذ الأمريكي في هذا البلد.
وبعد استشهاد أبو تقوي الذي كان أحد كبار قادة كتائب حزب الله، رغم أن الكتائب كانت قد أعلنت وقف إطلاق النار، وكان السوداني قد أبلغ قادة الكتائب بعدم القيام بعمليات عسكرية، وضمن عدم حدوث هجوم عسكري من قبل الولايات المتحدة على مواقع المقاومة، ومع ذلك شهدنا اغتيال قائد رفيع المستوى في الحشد الشعبي في قلب بغداد، إذن، فأمريكا لم تأت لتخرج من العراق بسهولة، فقط شكل وجودها في هذا البلد هو الذي سيتغير.
وعلى الجانب الآخر من القضية، لم يتم التوصل إلى إجماع في البرلمان العراقي على انسحاب الولايات المتحدة، وحالياً، المشاركة في التصويت في البرلمان على قانون طرد القوات الأمريكية، لا تتم إلا بحضور قوى المقاومة.
