الوقت - أرقام مرعبة هي حصيلة الحرب الإرهابية العدوانية التي يشنها كيان الاحتلال على قطاع غزة، عدد الضحايا الكبير بات هماً يؤرق الجميع بما فيهم الدول والمؤسسات والمنظمات الداعمة للاحتلال، فبدؤوا بمحاولات وضع حدّ لإبادة الفلسطينيين، ولمّا فشلت تلك الجهود أخذوا بالتفكير بمحاولات أكثر جدوى، كاللجوء إلى القضاء الدولي، واتخاذ قرارات على أعلى المستويات القيادية في العالم.
فريق محققي البعثة المشتركة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان بفلسطين أنهى جولته الأولى في مناطق شمال سيناء المصرية لتوثيق شهادات الجرحى الذين يتلقون العلاج في المستشفيات المصرية نتيجة العدوان الإسرائيلي.
وقد تم توثيق إفادات عشرات الحالات من الجرحى لأهميتها في إعداد تقرير عام مرحلي مطلع الشهر المقبل، في تكامل مع التحقيقات الميدانية داخل قطاع غزة لإعداد توثيق جنائي يمهد لملاحقة جنائية دولية لمجرمي الحرب الإسرائيليين.
وسيقوم فريق البعثة في تفريغ المعلومات واستمارات التوثيق وتوثيق الفيديو، واستخلاص المعلومات والتحقق، وسيواصل مهمته بلقاء الجرحى في مستشفيات القاهرة والمحافظات المصرية الأخرى وتوثيق شهاداتهم.
مواقف ضد الكيان والعدوان
معظم ساسة العالم أكدوا في البداية دعمهم الكامل لكيان الاحتلال، لكن بعد تطور مسار الحرب في غزة ومقتل عشرات آلاف الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال تغير الوضع، وبات قادة الدول الداعمة للكيان يشعرون بالحرج تجاه الدعم العلني للاحتلال.
في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا تقدم به الأردن، يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة"، بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حماس، وتم تبني القرار بأغلبية 120 صوتا مقابل 14 صوتا وامتناع 45 عن التصويت، في حين رفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الدعوات لوقف إطلاق النار، معتبرا أن وقف العمليات سيكون بمثابة "استسلام" لحماس.
ومنذ ذلك الحين، صعّدت بعض الدول انتقاداتها لكيان الاحتلال، واستدعت دول أخرى سفراءها أو قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان، وحتى الولايات المتحدة الداعم الرئيس للاحتلال، والتي صوتت ضد قرار وقف إطلاق النار، خففت من موقفها، إذ دعا الرئيس جو بايدن إلى "وقف مؤقت" للقتال، وبعدها غادر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب للضغط من أجل وقف إنساني للحرب، ومناقشة خطوات ملموسة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة.
ومن جهة ثانية يبدو بديهيا الحديث عن انحياز العرب إلى جانب أخوتهم الفلسطينيين، فقد سحبت البحرين سفيرها من "إسرائيل"، وغادر السفير الإسرائيلي المنامة، وكذلك الأردن استدعى سفيره في "إسرائيل"، ودعت المملكة العربية السعودية، التي كانت تسير نحو تطبيع محتمل مع "إسرائيل" إلى وضع حد فوري للعنف ولم تدن حماس صراحة، وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدان وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت ومصر والمغرب "استهداف المدنيين وانتهاكات القانون الدولي في غزة".
وفي تجمع كبير مؤيد للفلسطينيين في إسطنبول يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال أردوغان إن تركيا تستعد لإعلان "إسرائيل" "مجرمة حرب"، واستدعت الخارجية التركية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني سفيرها من تل أبيب وسط استمرار الحرب، واتهمت /إسرائيل/ "بعدم قبول دعوات وقف إطلاق النار، ومواصلة الهجمات ضد المدنيين، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر" إلى غزة.
وكان موقف جنوب إفريقيا أكثر حزما وفاعلية إذ رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل" في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تتهمها فيها بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة، ليصدر قرار أولي طلبت بموجبه محكمة العدل من /إسرائيل/ "منع ومعاقبة" التحريض على الإبادة، وإدخال مساعدات إلى القطاع المحاصر.
وانضمت المكسيك وتشيلي، في 18 يناير كانون الثاني الماضي إلى الدعوات للمطالبة بإجراء تحقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية في الحرب بين "إسرائيل" وحماس، إذ قالت وزارة الخارجية المكسيكية: إن التوصية هذه سببها "القلق المتزايد بشأن التصعيد الأخير للعنف، ولا سيما ضد أهداف مدنية، واستمرار ارتكاب جرائم مزعومة تقع ضمن اختصاص المحكمة، تحديدا منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الذي نفذه مسلحو حماس والأعمال العدائية اللاحقة"، مشيرة إلى أن "التقارير العديدة من الأمم المتحدة التي تتضمن تفاصيل عن حوادث كثيرة قد تعد جرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".
الرئيس الأمريكي وقع مؤخراً على مرسوم يسمح للإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين متورطين في أعمال العنف بالضفة الغربية، إذ جاء في بيان للرئيس الأمريكي، إن عنف المستوطنين المتطرفين في الضفة "وصل إلى أبعاد غير مقبولة ويمثل خطرا على السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها"، مضيفاً "وكذلك تلك الأعمال تمثل خطرا على الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".
مضمون التقرير
توصّل تقرير فريق محققي البعثة المشتركة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان بفلسطين إلى مجموعة بنود تلخصت بوجود أكثر من 100 جريح ومريض في مستشفيات شمال سيناء، والذين تتغير أعدادهم بين ساعة وأخرى في ظل التدفقات المتتابعة من معبر رفح بالتوازي مع التحويل المتتابع لمن استقر وضعه الصحي إلى المستشفيات في المحافظات المصرية الأخرى (نحو ألف جريح ومريض)، بالإضافة إلى سفر مجموعات منهم لتلقي العلاج في الخارج، وخروج بعضهم (نحو 900) إلى ملاذات مؤقتة (شقق سكنية) خصصتها سلطات شمال سيناء لإيواء من استقرت حالاتهم (ومرافقيهم).
إضافة إلى أن العينة الموثقة تتسم بأن 65 بالمئة من جرحى العدوان في مستشفيات شمال سيناء هم من النساء والأطفال، وهي نسبة تقترب من تقدير الأمم المتحدة بأن 75 بالمئة من ضحايا العدوان في القطاع هم من النساء والأطفال غير المنخرطين في أنشطة القتال، وأن 85 بالمئة من الإصابات تعاني من تحلل طبقات متنوعة من الجلد (فقدان الجلد)، وهو ما يرجح أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم أسلحة محرمة في العدوان الجاري.
كما تتسم العينة الموثقة بأن نحو 50 بالمئة من الحالات قد جرى بتر طرف واحد على الأقل (وبتر أطراف متعددة في بعض الحالات) بسبب الإصابات التي وقعت لها بنيران قوات الاحتلال، وأن 80 بالمئة من الضحايا تعرضوا للإصابة بعد نزوحهم من سكناهم عدة مرات، وتعرضوا للاعتداءات من قبل قوات الاحتلال بعد نزوحهم إلى ما سماه الاحتلال "مناطق آمنة" أو خلال عبورهم فيما وصفه الاحتلال "ممرات آمنة".
وتتسم العينة الموثقة بأن 40 بالمئة من الإصابات وقعت في مراكز إيواء يفترض أنها آمنة، وفي مقدمتها مقرات الأمم المتحدة ومنشآت تابعة للأمم المتحدة وترفع رايتها وتم تزويد سلطات الاحتلال بإحداثياتها.
وجاء في التقرير إن الفريق لاحظ أن ما لا يقل عن ألف شاحنة مقدمة من المجتمع المصري على طريق القاهرة الإسماعيلية بانتظار العبور إلى سيناء، وعدة مئات من الشاحنات تتحرك بالفعل من القنطرة إلى العريش، ونحو ألف شاحنة تنتظر دورها في محيط المركز اللوجيستي التابع للهلال الأحمر المصري في العريش، كما رصد الفريق أكثر من ألف شاحنة تمتد لعدة كيلومترات تصطف دون حراك عند معبر رفح بانتظار الإذن لها بالتحرك.
إذ إن الدورة الزمنية لعبور الشاحنة تستغرق نحو 15 يوماً بدلاً من الدورة التقليدية والتي أقصاها خمسة أيام، وهو ما يرفع تكلفة الشاحنة لأكثر من ضعف قيمة المساعدات، وقد تفقد الفريق الشاحنات التي جرى ردها بالكامل بعد رفض دخولها إثر تفتيشها من جانب الاحتلال في مركز نيتسانا أو في معبر كرم أبو سالم، بدعوى أنها تتضمن سلعا محظورة، ومن بين السلع المحظورة المساعدات الأكثر احتياجا للسكان، ومنها مثلا أنابيب الأكسجين وثلاجات حفظ الدواء وخيام مأوى ذات قدرة على توليد الطاقة أو أشياء تتضمن مكونات حديدية أو خشبية بدعوى أنها ثنائية الاستخدام.
وجاء أيضا في التقرير أنه تبين للبعثة وجود أحد المخازن بمساحة ألف متر مربع، تحتوي على المساعدات التي تم رفضها من الاحتلال الإسرائيلي، ويعاد تفكيك المساعدات وجمعها وتغليفها بعد أن أفسدت سلطات الاحتلال التغليف أثناء التفتيش المتعسف المقصود به إفساد المساعدات.
وتبقى أي جهود مبذولة بحاجة إلى قوة قادرة على إلزام الاحتلال بإيقاف حربه، والخضوع للقوانين الدولية.
