الوقت- تقول شبكة الحكومة البريطانية: "إذا أغلقت أنصار الله في اليمن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، فإن الاقتصاد الغربي سيذرف الدموع"، وذكر موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تحليل له: "أن ما حدث في البحر الأحمر خلال الأسابيع الأخيرة هو عمل عنف غير مسبوق وخطير، من جهة من قبل محور المقاومة الذي تقوده إيران، ومن جهة أخرى، من قبل القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت بريطانيا أنها ليست فقط مستعدة لخوض حرب ضد الحوثيين، بل حمل وزير خارجية هذا البلد إيران مسؤولية ما حدث بشكل مباشر، وبعد ساعة من نشر هذا الخبر دخلت سفينة حربية إيرانية البحر الأحمر".
والغرض من التهديدات البريطانية هو منع أنصار الله من مواصلة هجماتهم، لكن هذه الجماعة تقول إنها لن تستمر في هجماتها فحسب، بل سترد أيضا بقوة على أمريكا.
لماذا هذه المنطقة حساسة جدا؟ يربط البحر الأحمر مضيق باب المندب بقناة السويس، وهو أحد أهم طرق التجارة الدولية السريعة في العالم، ويمر عبر هذا الطريق حوالي 10% من إجمالي التجارة العالمية و30% من إجمالي نقل الحاويات البحرية في العالم، وفي السنوات الخمس والعشرين الماضية، تضاعفت قدرة سفن الحاويات أربع مرات، ولهذا السبب، ليس من الصعب الحديث عن أهمية أمن الشحن في هذه المنطقة بالنسبة لاقتصاد أوروبا والعالم.
في عام 2021، عندما تم إغلاق قناة السويس لمدة ستة أيام بسبب انحراف سفينة شحن، ظهرت تقارير صادمة عن الخسائر المالية للحصار، ومن بين أمور أخرى، قدرت شركة التأمين "أليانز" أن كل يوم يتم فيه إغلاق قناة السويس، يخسر الاقتصاد العالمي ما بين 6 و10 مليارات دولار.
كما قدرت وسائل الإعلام التجارية العالمية المتخصصة المسماة "لويدز ليست" أن البضائع التي تبلغ قيمتها ما يقرب من 10 مليارات دولار تمر عبر قناة السويس يوميا، ويذهب ما يقرب من نصف هذه البضائع إلى أوروبا من آسيا، ويتم إرسال النصف الآخر من أوروبا إلى آسيا في الاتجاه المعاكس.
كل سفن الشحن الصغيرة والكبيرة هذه، لكي تنقل حمولتها، عليها أن تعبر البحر الأحمر وتمر عبر مضيق باب المندب، وهو مضيق يقع أحد جانبيه تحت سيطرة اليمن، ويعني تعطيل هذا المسار أنه يتعين على سفن الشحن أن تبحر حول قارة أفريقيا بأكملها في غضون أسبوعين تقريبًا بدلاً من المسار الأقصر بكثير المتاح؛ الأمر الذي يمكن أن يدمر اقتصاد العالم [الغربي].
أكدت مجلة السياسة الخارجية المرموقة في أمريكا، أن الشريان الحيوي للاقتصاد الغربي في البحر الأحمر قد تم عصره وتضييقه بأيدي اليمن، وفي إشارة إلى تصرفات الأسابيع القليلة الماضية في استهداف أو الاستيلاء على السفن وناقلات النفط المرتبطة ب"إسرائيل"، كتبت مجلة فورين بوليسي: منذ حوالي 500 عام، كان البحر الأحمر مكانًا للتنافس بين القوى العظمى؛ منذ بحث البرتغاليين عن طريق بحري إلى آسيا حتى فترة الحرب الباردة، ولا يزال أهم رابط تجاري بين آسيا وأوروبا.
وقناة السويس هي ثاني أكبر قناة في العالم و30% من سفن الحاويات في العالم تمر عبر قناة السويس، هذه السفن مهمة جدا، وتتدفق سفن النفط المهمة المحملة بالطاقة في تلك المنطقة، ويمر كل يوم 7.1 ملايين برميل من النفط و4.5 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي عبر باب المندب (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر)، ولذلك، فإن الهجمات التي شنتها قوات أنصار الله على السفن الإسرائيلية في الأيام الأخيرة قد خلقت قدرة محتملة على التعطيل.
وأوقفت شركات شحن الحاويات الكبرى في العالم، بما في ذلك Maersk وMSC وCosco وHapag Lloyd، الشحن عبر هذه المياه بسبب مخاوف من خسائر في الأرواح أو أضرار، وطالبت أمريكا الدول بالانضمام إلى فريق العمل لمواجهة تصرفات أنصار الله، لكن هذه المواجهة هي صراع غير متكافئ على نحو مدهش، لقد نجح أنصار الله في تعريض أحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي للخطر بحفنة من الصواريخ والطائرات دون طيار.
وقد ركز عدم التماثل في النقاش حول تكلفة الطائرات دون طيار مقابل تكلفة الصواريخ المستخدمة للدفاع عن السفن، وإذا نجح هجوم الطائرة دون طيار، فيمكن أن يدمر سفينة تبلغ قيمتها أكثر من 50 مليون دولار وتحمل بضائع تجارية، على الأرجح في حدود 500 مليون دولار، وفي بعض الحالات ضعف هذا المبلغ تقريبًا، لكن المشكلة الحقيقية هي مسألة أخرى، وإذا خفف أنصار الله هجماتهم بسرعة وتمكنوا بشكل مستمر من الوصول إلى الطائرات دون طيار والصواريخ (وهو ما يبدو مرجحا)، فإن تكلفة الحفاظ على عملية مرافقة بحرية سوف ترتفع بسرعة إلى عشرات المليارات من الدولارات.
في بداية الحرب اليمنية، هاجم الحوثيون بعض السفن بأسلحة أقل فعالية، لكنهم أصبحوا الآن قوة عسكرية أكثر تجهيزًا، وهم يدينون بهذا التقدم العسكري إلى التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية، الأمر الذي جعل طهران ترى أن لها نقطة عالية في دعم أنصار الله، لفترة طويلة، كان الحل الذي طرحته القوى العظمى للحفاظ على أمن طريق الشحن في البحر الأحمر هو التواجد العسكري القوي.
وكانت محاولة الغرب للسيطرة الكاملة على هذه المنطقة واسعة النطاق وخطيرة لدرجة أنه في عام 1956، أعلن الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، مستلهمًا من حركة تأميم النفط في إيران، أن قناة السويس هي قناة وطنية، ولكن بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" هاجموا مصر وتسبب الهجوم في إغلاق قناة السويس لمدة خمسة أشهر، ولكن الآن، أصبحت أهمية قناة السويس والبحر الأحمر كبيرة لدرجة أن إغلاق هذا الممر المائي لمدة خمسة أشهر سيؤدي إلى ركوع الاقتصاد العالمي.
لم يعد البحر الأحمر فناءً خلفيًا بعيدًا للإمبراطوريات الأوروبية، فالوضع في البحر الأحمر يجعل من الممكن أن تصبح هذه المنطقة عمليا واحدة من أكثر البحار ازدحاما من حيث الوجود العسكري، على غرار العديد من النقاط الاستراتيجية الأخرى على هذا الكوكب، مثل بحر الصين الجنوبي، والخليج الفارسي، والبحر الأبيض المتوسط.
ويظهر الوجود العسكري الغربي في البحر الأحمر أن الولايات المتحدة وحلفاءها يغذون تصعيد التوترات في هذه المنطقة، لكنهم يحاولون الضغط على حكومة صنعاء من خلال خلق مساحة وإجبارها على الانسحاب من العمليات العسكرية، ومع ذلك، فإن أنصار الله لا يعيرون اهتماما لمثل هذه التحركات، وحذروا من أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن جميع السفن الإسرائيلية ستكون ضمن أهدافهم المشروعة، والآن، حقق أنصار الله قدرات كثيرة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة والبحر، ويستطيعون توجيه ضربات قاتلة للسفن الأمريكية والسفن الصهيونية.
لقد أظهرت التجربة أن مساعي واشنطن لبناء تحالفات في الخليج الفارسي كان لها نتائج كارثية على دول المنطقة وأعطتها انعدام الأمن بدلا من الأمن ومثال على ذلك الحروب في سوريا واليمن التي قامت بها الدول الإسلامية، حيث هاجم التحالف السعودي المعتدي اليمن في مارس/آذار 2015 بضوء أخضر من الولايات المتحدة وادعى أنه يستطيع احتلال صنعاء خلال أسبوعين وإبعاد أنصار الله عن السلطة، لكن بعد 9 سنوات لم يحققوا شيئا، بل تمكنت الطائرات بعيدة المدى والطائرات دون طيار لأنصار الله من قلب الميزان لمصلحتها، ويسعى السعوديون الآن جاهدين للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار والخروج من المستنقع الذي صنعوه بأنفسهم.
