الوقت-عارض زعيم حزب "الوحدة الوطنية" ووزير في المجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي، بيني غانتس، بشدة الدعوات المتزايدة لاستبدال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأكد غانتس أن الوقت "ليس مناسباً لاستبداله"، وذلك وفقًا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، وأضاف إنه يعارض هذه الدعوات التي تأتي من عدة اتجاهات داخل النظام السياسي، حيث تشجع على العمل نحو استبدال نتنياهو، وقال غانتس في حوارات داخل غرف مغلقة إنه في خضم الحرب، ليس الوقت مناسبًا لتغيير رأس الهرم السياسي، وكان غانتس أعرب عن هذا الموقف عدة مرات في الآونة الأخيرة، ونقلت الهيئة عن مقربين من غانتس أنه اعتبر "الحديث هذه الأيام عن تغيير رئيس الوزراء في هذا الوقت بالذات ليس أقل من وهم".
حكومة إسرائيليّة فاشلة
يطالب إسرائيليون باستبدال نتنياهو، وخاصة بعد رفضه تحمل مسؤولية الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة "حماس" ضد مستوطنات "غلاف غزة" في 7 أكتوبر الماضي، ومن المقرر أن يتم التحقيق في إخفاقات يوم 7 أكتوبر بعد انتهاء الحرب على غزة، وذلك وفقًا لتصريحات عدة من المسؤولين الإسرائيليين، ومن ناحية أخرى، تراكم القضايا الأخرى كالأسرى والملفات الاقتصادية والاجتماعية الحساسة للغاية، حيث يشير الإسرائيليون ووسائل إعلامهم إلى تراجع شعبية نتنياهو لمراحل كبيرة للغاية بسبب الحرب الأخيرة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، و يرون أنه لم ينجح في حل بعض المشاكل الاقتصادية المستمرة، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وتأمين السكن بأسعار معقولة، فماذا عن قضايا مثل الحرب وبغض النظر عن الاستمرار في السلطة يعتبر الإسرائيليون أن تراجع شعبية نتنياهو يعكس رغبة الجمهور في تغيير وجوه القيادة بعد فترة طويلة من الاستمرار في السلطة، حيث يرون أن هناك حاجة لتنويع السياسة وتجديد الروح السياسية في كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ولا شك أن أسلوب القيادة يُعتبر موضوعًا حيويًا، حيث يُجادل النقاد الذين يعارضون نتنياهو بأن أسلوب قيادته ساهم في تراجع شعبيته، ويُنظر إلى أن أسلوبه يثير الانقسام والاستقطاب، ويركز بشكل مفرط على مصالحه الشخصية والسياسية بدلًا من المصالح العامة للكيان، كما يعتقد البعض أن نهج المواجهة الذي يتبعه قد أعاق الحوكمة الفعَّالة وبناء توافق الآراء، وهم يرون أن هذا النهج قد أثَّر سلبًا على المؤسسات الديمقراطية في "إسرائيل"، مُشيرين إلى تآكل هذه المؤسسات، و شهدت فترة حكم نتنياهو نقاشات واهتمامًا كبيرًا حول تآكل المؤسسات الديمقراطية في "إسرائيل"، ويرى النقاد أنه قوض استقلال القضاء وهاجم وسائل الإعلام، محاولًا إضعاف الضوابط والتوازنات، وأدى ربما إلى خيبة الأمل وتراجع الدعم العام، في سياق تصاعد طموحاته الشخصية.
ولقد أثارت فترة حُكم نتنياهو الطويلة وفترات ولايته المتعددة كرئيس للوزراء مخاوف لدى البعض بشأن تفضيله بقاءه السياسي وطموحه الشخصي على حساب مصالح الكيان على المدى الطويل، يعتقد البعض أن هذا التصور قد ساهم في تزايد الحاجة إلى قيادة جديدة، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدولية والسمعة السيئة للكيان تعرضت لانتقاد، حيث تعرضت علاقة نتنياهو بزعماء العالم وتصرفاته في الشؤون الدولية للنقد، ويُجادل البعض بأن نهجه، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وارتكاب المجازر، قد ساهم في تدهور مكانة الكيان على الساحة الدولية، ما أدى إلى تشويش العلاقات مع أغلب دول العالم.
نتنياهو أمام مصاعب جمّة
لقد واجه نتنياهو اتهامات فساد متعددة طوال حياته السياسية، من بينها تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، كان لهذه الاتهامات تأثير كبير على الإدراك العام، حيث يؤكد النقاد أن المزاعم والإجراءات القانونية الجارية قد قوضت ثقة الجمهور في قيادته وساهمت في تراجع شعبيته، ومنتقدو نتنياهو يشيرون إلى عدم إحراز تقدم في عملية السلام بل العكس، حيث يجادلون بأن مقاربته للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لم تسفر عن تقدم كبير نحو اتفاق سلام دائم، ويرى البعض أن سياساته، مثل التوسع الاستيطاني والالتزام الضعيف بحل الدولتين، أعاقت آفاق السلام وزادت الإحباط بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يدعمون تسوية تفاوضية.
وتشير الانتقادات أيضاً إلى الانقسامات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الإسرائيلي، حيث يُشدد على أن استراتيجياته السياسية زادت من تفاقم تلك الانقسامات، ويُجادل البعض بأنه استخدم خطابًا مثيرًا للانقسام واستغل خطوط الصدع الاجتماعي والثقافي لتوطيد قاعدة دعمه، ما ساهم في الاستقطاب والشعور بالغربة بين شرائح معينة من السكان، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي قبل عملية "طوفان الأقصى"، يثير عدم المساواة الاقتصادية قلقًا، حيث يُجادل النقاد بأن سياسات نتنياهو فضلت الأثرياء والشركات الكبيرة على حساب الطبقة الوسطى والمجتمعات المحرومة، يُعتقد أن هذا التفاوت الاقتصادي قد ساهم في تراجع الدعم لقيادته.
وتشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل العديد من البلدان وخاصة المحتلة، تحولات في مواقف وأولويات الأجيال، ويرى بعض المحللين أن تراجع شعبية نتنياهو، وخاصة بين الناخبين الشباب، يعكس رغبتهم في قيادة جديدة ونهج مختلف للحكم يتماشى مع قيم ومخاوف الأجيال الشابة، وتشكل تحديات تشكيل الائتلاف جزءًا مهمًا في المشهد السياسي، حيث كانت قدرة نتنياهو على تشكيل حكومات ائتلافية والحفاظ عليها حاسمة لاستمراره السياسي، ومع ذلك، واجه في السنوات الأخيرة تحديات في الحفاظ على تحالفات مستقرة، ما أدى إلى انتخابات متكررة وأزمة سياسية، وربما كان عدم الاستقرار هذا يسهم في تصوّر الجمهور وجود حكومة غير فعّالة وتراجع في الدعم العام.
أما فيما يتعلق بتصوّر الاستبداد، فإن النقاد يؤكدون على أن أسلوب قيادة نتنياهو أظهر ميولًا استبدادية، بما في ذلك تركيز السلطة وتجاهل الأعراف الديمقراطية، ويشيرون إلى محاولاته إضعاف المؤسسات والسيطرة على وسائل الإعلام وقمع المعارضة كدليل على الاستياء المتزايد من قيادته، وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، يتعرض نتنياهو لانتقادات بسبب عدم معالجته لها بشكل مناسب، مثل الإسكان الميسور التكلفة وعدم المساواة في الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة، ويجادل النقاد بأن سياسته ركزت في المقام الأول على الأمن والنمو الاقتصادي، متجاهلة احتياجات المجتمعات المهمشة وتفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
أيضاً، العلاقة مع الأحزاب الدينية والمتشددة كانت محل انتقادات بسبب اعتماد نتنياهو عليها للحفاظ على تحالفاته السياسية، ويرى البعض أن هذا التحالف قد منح هذه الأحزاب نفوذًا غير متناسب، ما أدى إلى سياسات تفضل مصالحها وتنفر شرائح أكثر علمانية وليبرالية في المجتمع الإسرائيلي، كما أشير إلى أن نتنياهو يفتقر إلى رؤية واضحة لمستقبل الكيان، ويرى النقاد أنه لم يقدم حلاً مبتكرًا لمواجهة التحديات الملحة، مثل تغير المناخ، أو اضطراب التكنولوجيا، أو الإصلاح التعليمي، وهذا النقص في الرؤية المستقبلية قد ساهم في انخفاض شعبيته.
الخلاصة، إنّ تورط نتنياهو في الحرب على غزة وملف الأسرى الإسرائيليين وتهديد حياتهم أنهى باختصار مستقبله السياسيّ، ناهيك عن العديد من الفضائح الشخصية والخلافات التي أثرت على صورته وساهمت في إدراك الثغرات الأخلاقية بين بعض شرائح الجمهور، حيث تراوحت هذه الحوادث بين عادات الإنفاق البذخ إلى تضارب المصالح، وأخيراً وليس آخراً مستنقع الدماء والأسرى في غزة.
