الوقت - على الرغم من الجهود التي يبذلها الغرب لعزل إيران في العالم، إلا أن هذه الدولة لا تقدم نفسها كلاعب إقليمي ودولي مؤثر على المستويين السياسي والاستراتيجي فحسب، بل بفضل موقعها الجيوستراتيجي المتميز وامتلاكها ممرات برية وبحرية، أصبحت دولةً مركزيةً بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، باعتبارها الذراع الاقتصادي للقوى الشرقية.
استمرارًا للتعاون بين أعضاء منظمة شانغهاي، انعقد الاجتماع الـ22 لرؤساء وزراء الدول الأعضاء في شانغهاي يوم الخميس الماضي في بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان، وهو أول اجتماع رسمي لهذه المنظمة تحضره إيران كعضو رئيسي بعد استكمال عملية العضوية.
وتمت خلال هذا اللقاء مناقشة قضايا مختلفة، من بينها القضايا الاقتصادية والتجارية والتعاون متعدد الأطراف، وبعد انتهاء هذا الاجتماع، سيتم التوقيع على عدة وثائق تعاون بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي.
وألقى محمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني، الذي شارك في هذا الاجتماع نيابةً عن إيران، كلمته، ووصف مخبر في كلمته فرص إيران اللوجستية والعبور بأنها نادرة، وقال: "بناءً على ذلك، فإن إيران مستعدة لإنشاء ممر عبور شامل لربط الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وفي هذا المجال، اتخذت خطوات مهمة في شكل ممر الشمال-الجنوب، ومع تنفيذه الكامل، سيتم تسهيل الوصول التجاري والاقتصادي من جنوب وشرق آسيا إلى بلدان آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا والبحر الأسود وأوروبا".
كما شرح مخبر قدرات إيران الفريدة في مجال الموارد الطبيعية والقوى العاملة الماهرة والقدرات الصناعية والتعدينية والعبور والطاقة والتكنولوجيا، وأضاف: "أي استثمار في القدرات والفرص الاقتصادية لإيران، سيكون عملاً ذكياً".
ومن خلال الإشارة إلى أن النظام الدولي ينتقل من النظام التقليدي والأحادي إلى نظام جديد، يقوم على التعددية مع دور جميع البلدان والجهات الفاعلة الجديدة، أشار إلى: أن "جمهورية إيران الإسلامية، فيما يتعلق بأهداف سياستها الخارجية الرامية إلى المساعدة في إقامة نظام دولي عادل يقوم على المشاركة الجماعية، وضعت على جدول أعمالها الوجود النشط في الترتيبات متعددة الأطراف بشكل جدي، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، ومنظمة التعاون الاقتصادي، والدول الواقعة على طول بحر قزوين".
وأوضح النائب الأول للرئيس الإيراني المحاور المهمة للعب دور في النظام العالمي الجديد للتعاون مع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، وقال: "من أجل تشكيل نظام اقتصادي دولي عادل، ينبغي إدراج التجارة بالعملات الوطنية أو العملة المشتركة بشكل جدي على جدول الأعمال، ومن أجل خلق نموذج تنمية اقتصادية متوازن ومنسق وشامل مع تعاون مربح للجانبين، يتعين علينا أن نسعى إلى توسيع استخدام العملات الوطنية، وخاصةً العملات القائمة على التكنولوجيات الجديدة، بين الدول الأعضاء".
وقدّم مخبر في الجزء الرئيسي من كلمته 13 مقترحاً في 6 محاور، هي الاقتصاد والتقنيات الناشئة والأمن الغذائي والبيئة والتغير المناخي وأمن الطاقة والأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما رحبت به الدول الأعضاء والمراقبون.
وقال وزير النفط الإيراني جواد أوجي الذي رافق مخبر في هذه الزيارة: "إن جدول أعمال وزارته في هذه الزيارة، هو تمهيد الطريق لتوريد البتروكيماويات والمنتجات الأخرى لأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون".
تتكون منظمة شنغهاي من القوى الشرقية الناشئة بقيادة الصين وروسيا، والتي ستلعب دوراً مركزياً في التجارة الدولية في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، ويبلغ الحجم الاقتصادي لمنظمة شنغهاي نحو 20 تريليون دولار وتضم نصف سكان العالم، وما يميزها هو وجود التكامل الاقتصادي والجغرافي بين أعضائها، لأن أكبر منتجي النفط والغاز مثل روسيا وإيران وكبار المستهلكين مثل الصين والهند، موجودون فيها.
وفي إطار جهودها لإنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب وتقليل سيطرة الدولار على النظام المالي، تسعى الصين إلى جذب المزيد من الدول النشطة اقتصاديا للانضمام إلى المنظمة، من أجل زيادة ثقلها الاقتصادي.
استراتيجية الممر لطهران لكسب المزيد من الأرباح من شنغهاي
بما أن منظمة شنغهاي أعطت الأولوية لتطوير العلاقات التجارية بين الأعضاء في العامين الماضيين، لذلك ونظراً لمرور أكثر من 5 ممرات دولية عبر إيران، فإن هذا البلد سيساعد بشكل كبير منظمة شنغهاي للتعاون في تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري.
ولأن العلاقات التجارية تقع في ظل منظمة شنغهاي تحت عنوان "حزام واحد، طريق واحد"، يمكن لإيران أن تلعب دوراً مهماً في ربط الممرات الأوروبية بالصين، وإذا تمكنت إيران من تطوير طرق النقل وأساطيل السكك الحديدية، فإن الصين ودول أخرى في المنطقة ستعطي إيران الأولوية بلا شك في خططها.
على مدى العقد الماضي، حاول الصينيون إحياء طريق الحرير القديم من خلال إضافة طرق جديدة، وبعد الحرب في أوكرانيا وإغلاق طريق روسيا أمام البضائع الصينية، أصبحت طرق العبور الإيرانية أكثر على جدول الأعمال، والتي يمكنها نقل هذه البضائع إلى وجهتها في أقصر وقت وبإجراءات أمنية مشددة.
ولكي تصبح إيران حلقة اتصال حيوية بين آسيا وأوروبا، قامت الحكومة الإيرانية الحالية بتفعيل جميع خطوط النقل التي تمر عبر إيران، ما يمكّن إيران من جذب جزء كبير من التجارة العالمية.
إن زيارة كبار المسؤولين من دول آسيا الوسطى وروسيا، والوفود الاقتصادية من الصين إلى طهران في العام الماضي، تثبت جميعها أن طهران ستلعب دورًا رئيسيًا في التواصل بين الدول الأعضاء في شنغهاي والعالم الخارجي.
تتمتع إيران بموقع جغرافي فريد على مفترق طرق العالم، ما حوَّلها إلى مركز اتصالات وعبور حيوي في عبور البضائع، ممر الشمال- الجنوب وبالنظر إلى الدور الذي تلعبه إيران في تقليص المسافات بين دول المنطقة من حيث التبادل التجاري، يمكن أن يحقق العديد من الفوائد الاقتصادية.
وبما أن حدود روسيا مع أوروبا مغلقة، فإن خطوط السكك الحديدية الإيرانية ستلعب دوراً مركزياً في ربط دول شرق آسيا بالقارة الأوروبية، فضلاً عن تسهيل التجارة بين الصين وروسيا.
لقد أكدت إيران للدول الأعضاء أنها ستوفر طرقًا آمنةً وموثوقةً ومستقرةً في ممر الشمال-الجنوب، إلى جانب توفير البنية التحتية لميناء تشابهار.
يربط ميناء تشابهار الهند بآسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا، وبالتالي فإن تطوير واستخدام القدرات والبنية التحتية لهذا الميناء، يمكن أن يعزز التجارة في المنطقة.
وتحرص طهران أيضًا على تطوير الممر بين إيران وأفغانستان وأوزبكستان، الذي سيربط مدناً مثل مزار الشريف وهراة مباشرةً بميناء تشابهار، الأمر الذي ستكون له أهمية كبيرة في ازدهار التجارة بين دول المنطقة.
كما تولي جمهوريات آسيا الوسطى اهتمامًا خاصًا بطرق العبور لنقل بضائعها إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي، وعندما تكون حدود روسيا مغلقةً أمام أوروبا، فيمكنها استخدام طريق العبور هذا لتصدير بضائعها، ولذلك، فإن هذه البلدان غير الساحلية، التي تعاني من القيود الإقليمية ولا تستطيع الوصول إلى المياه المفتوحة، تعتزم تحقيق هذا الحلم القديم من خلال إيران.
کذلك، فإن دول آسيا الوسطى، التي ترى مثل روسيا أن الطريق الأوروبي غير متوافر، تبحث عن طرق بديلة لنقل بضائعها إلى مناطق أخرى، وأهم هذه المسارات هي إيران التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في وصول هذه الدول إلى أهدافها.
الطاقة الإيرانية تعزز شنغهاي
بالنظر إلى مكانة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة في العالم، والتي تجعلها أكبر الدول في العالم في هذا المجال، سيتم بحث أهم المزايا التجارية التي تتمتع بها إيران في مجال الطاقة.
تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي وثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، وبما أن الحكومة الإيرانية تسعى أيضًا إلى تحويل إيران إلى مركز للطاقة في المنطقة، فإنها تحتاج إلى ترتيبات أساسية لتحقيق هذا الهدف.
وإذا تمكنت إيران من تطوير طرق العبور الخاصة بها وضم المزيد من الدول إلى هذه الشبكة، فيمكنها السيطرة على نبض الطاقة في المنطقة في المستقبل، ويمكن للدول الأعضاء الاستفادة من هذه الاحتياطيات الهائلة للجمهورية الإسلامية.
ومن ناحية أخرى، فإن معظم الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي وهي من بين الشركاء التجاريين العشرة الأوائل لإيران، وتشكل تجارة إيران مع أعضاء هذه المنظمة نحو 40% من تجارتها الخارجية مع العالم، ما يوفر منصةً وفرصةً لتطوير العلاقات الاقتصادية مع أعضاء المنظمة.
وفي هذا الصدد، قال روح الله لطيفي المتحدث باسم لجنة ترويج الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية: إن "قيمة التجارة بين إيران وأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون بلغت 21 ملياراً و730 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وهي تنمو بنسبة 10% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي".
وإضافة إلى ذلك، يمكن لعضوية إيران في منظمة شنغهاي أن تعزز الأهداف الأمنية الرئيسية الواردة في المادة الأولى من ميثاق المنظمة، وهي "المكافحة المشتركة للشرور الثلاثة المتمثلة في الإرهاب والانفصالية والتطرف".
ونظراً لتجربتها الناجحة في التعامل مع الإرهاب، تستطيع إيران أن تلعب دوراً رئيسياً في التعامل مع المخاوف الأمنية الأفغانية المتعلقة بالإرهاب وتهريب المخدرات.
بالنسبة لإيران، يعدّ إرساء الاستقرار في أفغانستان أو تقليل الآثار غير المباشرة للإرهاب أو الصراع في هذا البلد، إحدى الأولويات الرئيسية، وعلى هذا، فمن خلال البنية الإقليمية لمكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهاي، تستطيع إيران أن تشارك في تدريبات مكافحة الإرهاب التي تجري كل عامين، وأن تنسق الجهود مع الأعضاء الآخرين لمحاربة "الشرور الثلاثة" في المنطقة.
إن عضوية إيران الدائمة في منظمة شنغهاي، وتطوير التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء فيها، إضافة إلى رفع مكانة إيران الجيوسياسية على الساحة العالمية، ستعزز أيضًا دورها الفعال في التجارة العالمية.
کما أن انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي، إضافة إلى تحييد مخططات أمريكا والغرب بهدف عزل طهران والضغط عليها، سيفتح آفاقاً اقتصاديةً وتجاريةً أوسع لهذا البلد.
وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي، فإن الوجود الرسمي لطهران إلى جانب القوى الشرقية الأخرى مثل الصين وروسيا والهند، يعزز اقتصاد إيران ويمنعها من تقديم تنازلات في المفاوضات النووية، لتخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها.
