الوقت- في ظل تصاعد القلق من نشوب جولة جديدة من التوتر في ناغورنو كاراباخ في الأشهر الأخيرة، اجتمع مسؤولو باكو ويريفان مرة أخرى في موسكو حتى يتمكنوا من حل الخلافات وتحقيق سلام دائم.
وفي هذا الصدد، ناقش وزراء خارجية روسيا وأذربيجان وأرمينيا، "سيرجي لافروف" و"جيهون بيراموف" و"أرارات ميرزويان"، السلام بين البلدين خلال اجتماع ثلاثي في موسكو يوم الجمعة الماضي.
وأكدت تصريحات المشاركين في الاجتماع خلال الأيام الماضية على جدية الأطراف وسير المفاوضات، حيث قام وزير الخارجية الروسي لافروف بتقييم إيجابي لعملية التفاوض وقال: "تمكنا من التوصل إلى تفاهم بين الجانبين بخصوص معاهدة السلام وعدد من الأمور التي تمت مناقشتها وتم تقريبهما من وجهة نظر مشتركة ".
ووفقا لوزير الخارجية الروسي، أكد وزيرا خارجية باكو ويريفان أنه دون حل القضايا المتعلقة بترسيم الحدود، وإغلاق وسائل النقل والاتصالات الاقتصادية، ودون تحسن شامل للوضع الأمني في ناغورنو كاراباخ وحدود أرمينيا و أذربيجان، من الصعب المضي قدما في جوانب محددة من اتفاق السلام. وقال لافروف: "الأسبوع المقبل، ستعقد مجموعة ثلاثية برئاسة نواب رؤساء الأطراف الثلاثة اجتماعا حول القضايا المتعلقة بفتح خطوط النقل، ونأمل أن تكون النتيجة إيجابية".
في هذا الاجتماع، أشار "جيهون بيراموف" أيضا إلى أهمية إعادة العلاقات مع أرمينيا وقال: "نريد استعادة الوضع بعد الحرب بين أذربيجان وأرمينيا. ويتم توفير هذه العملية بطرق مختلفة. ونريد أيضًا أن يتم بذل كل الجهود بهذه الطريقة في وقت واحد. كل هذه الطرق مكملة لبعضها البعض". ومن جانبه شدد "أرارات ميرزويان" على أنه لا ينبغي السماح بزيادة التوتر في المستقبل، قائلا إن يريفان ملتزمة بالاتفاقيات الثلاثية لزعماء روسيا وأذربيجان وأرمينيا.
رفع الحصار عن "لاتشين باس"
إضافة إلى الاجتماع الثلاثي، عقدت اجتماعات منفصلة بين "لافروف" ووزراء باكو وايرفان وتم خلال اللقاء بين "لافروف" و"ميرزويان" بحث القضايا المتعلقة بالاستقرار والأمن في المنطقة وعملية تنظيم العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان. وناقش الطرفان تنفيذ المباحثات الثلاثية لرؤساء أرمينيا وروسيا وأذربيجان، وفي هذا السياق أكد "أرارات ميرزويان" على أهمية رفع الحصار غير القانوني عن ممر لاتشين. كما شدد "ميرزوفيان" على أهمية التخلي عن استخدام القوة بالتوازي مع عملية التفاوض. كما تم خلال هذا الاجتماع مناقشة جدول أعمال التعاون الثنائي بين أرمينيا وروسيا.
في الوقت الحالي، فإن أهم قضية صعبة في كاراباخ هي حصار معبر لاتشين من قبل القوات الأذربيجانية، والذي تريد السلطات الأرمينية والمجتمع الدولي إعادة فتحه. وعلى الرغم من ادعاء المسؤولين الحكوميين في باكو أنه لا توجد مشكلة في طريقة تقديم المساعدة للمواطنين الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ، إلا أن انقطاع طرق نقل الطاقة ومنع دخول المواد الغذائية يهدد حياة عشرات الآلاف من الأشخاص من الارمن في إقليم كاراباخ والسلطات الأذربيجانية يعرقلون هذا المسار.
الآن، قامت قوات الجيش الأذربيجاني بمنع دخول المواطنين الأرمن إلى هذه المنطقة من خلال إقامة العديد من نقاط التفتيش عند مدخل كاراباخ، وباقتحام أرواح الآلاف من الأرمن كرهائن، فهي تحاول إجبار سلطات يريفان على إعطاء تنازل سياسي وامتيازات عسكرية.
إن إحلال معبر لاتشين بطريقة ما محل ممر "زنكازور" المثير للجدل، والذي خططت باكو لبنائه بأي ثمن، كان من المفترض أن يربط بناء ممر زانج زور، الذي زعمت السلطات الأذربيجانية أنه تم الاتفاق عليه في اتفاقيات 2020، لربط الأراضي الرئيسية لجمهورية أذربيجان بمنطقة ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي. وبهذا الممر، سيتم قطع حدود إيران وأرمينيا تمامًا، لكن هذا الممر لم يظهر في المقدمة بسبب معارضة أرمينيا وإيران وإلى حد ما روسيا ورجال الدولة في باكو، وكانوا غاضبين للغاية من هذه القضية.
ما هي القضايا التي تم الاتفاق عليها؟
ويأتي الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية في موسكو استمرارا لسلسلة الاجتماعات التي عقدت بين مسؤولي باكو ويريفان في الأشهر الأخيرة في دول مختلفة لإنهاء ثلاثة عقود من التوتر الأمني في كاراباخ. وفي الشهر الماضي، تحدث وزيرا البلدين مع بعضهما البعض في واشنطن، وعلى الرغم من أن الأمريكيين قالوا إن النتائج كانت بناءة، فقد حدث تبادل متقطع لإطلاق النار بين قوات البلدين في كاراباخ، وكانت آخر مرة يوم الخميس الماضي (18 مايو) وقبل الاجتماع في موسكو، توصل الجانبان إلى وقف إطلاق النار.
وقد التقى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مؤخرا وناقشا قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عاصمة بلجيكا. وقال باشينيان: "التقيت يوم 14 مايو مع علييف في بروكسل بوساطة تشارلز ميشيل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي. وفي الاجتماع الذي عُقد في براغ في أكتوبر 2022 بوساطة من رئيس فرنسا ورئيس المجلس الأوروبي، أكدنا أنا والرئيس الأذربيجاني مرة أخرى التزام بلدينا بميثاق الأمم المتحدة. وبناءً على إعلان (ألما آتا)، الذي يؤكد أننا نعترف بوحدة أراضي وسيادة بعضنا البعض على أساسها، اتفقنا على أن هذا سيكون أساس عمل لجان ترسيم الحدود".
وأكد رئيس وزراء أرمينيا، في هذه الاجتماعات بالقول، "إننا اتخذنا عمليا خطوة أخرى إلى الأمام" وأشار إلى أن أراضي أذربيجان تبلغ 86 ألف كيلومتر مربع وإن أراضي أرمينيا تبلغ 29 ألف كيلومتر مربع، وهو أمر ينبغي احترامه وهذا الإجراء هو خطوة مهمة في إرساء الاستقرار والسلام في المنطقة، ووضع اللمسات الأخيرة على نص معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان وترسيم الحدود".
أيضا، وفقا لباشينيان، في بيان رئيس المجلس الأوروبي بشأن اختتام الاجتماع الثلاثي، تم التاكيد على أهمية التعاون مع المجتمع الدولي والحوار بين باكو وستيباناكيرت (جمهورية آرتساخ الأرمينية) فيما يتعلق بالحقوق والأمن تم التأكيد على أرمن ناغورنو كاراباخ. وهذه عملية مهمة لتحقيق تسوية حقيقية وشاملة للعلاقات مع أذربيجان وإقامة سلام دائم في المنطقة. لذلك، فإن هذا سيسرع بشكل كبير من توقيع معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان.
وأكد باشينيان أيضًا أنه تم إبرام اتفاقيات إيجابية في بروكسل فيما يتعلق بإحياء خط السكك الحديدية بين أرمينيا وأذربيجان، والتزمت أرمينيا بفتح الاتصالات المنصوص عليها في الفقرة 9 من البيان الثلاثي لشهر نوفمبر 2020 والبيان الثلاثي المؤرخ 11 يناير 2023، وهو على استعداد لتطبيق مبادئ السيادة والكفاءة والمساواة والمعاملة بالمثل بين الأطراف.
وفي الاجتماعات التي عُقدت بين كبار المسؤولين في باكو ويريفان في العام الماضي لإنهاء النزاعات في كاراباخ، أعلن الجانبان موافقتهما على إحلال السلام، ولكن بمجرد مغادرتهما الاجتماع، شن الطرفان حربًا كلامية على كل منهما ومرة أخرى تم تبادل إطلاق النار، وأعادوا فتح الحدود.
أهداف روسيا واهتماماتها
بصفتها الضامن لاتفاقيات كاراباخ، تحاول روسيا إنهاء التوتر في هذه المنطقة في أسرع وقت ممكن، لأنه مع استمرار هذه الأزمة، ستفتح القوى الخارجية، بما في ذلك القوى الغربية، أقدامها على جنوب القوقاز، وفي الوضع الحالي، وهذه المسألة ستجعل الروس غير قادرين على التركيز على التطورات في أوكرانيا، وهذه فرصة جيدة للغربيين لتحقيق النجاح في الميدان.
وفي الآونة الأخيرة، أرسل الاتحاد الأوروبي عددا من خبرائه إلى هذه المنطقة المتنازع عليها بحجة إحلال السلام والاستقرار في كاراباخ، وقوبلت هذه الحركات برد فعل حاد من الروس. ومن وجهة نظر موسكو، فإن الأهداف الحقيقية لواشنطن وأوروبا لا تسعى على الإطلاق إلى حل وسط أو حلول متوازنة في المنطقة، لكن أفعالهم هي دعاية تهدف إلى إخراج روسيا من جنوب القوقاز. لهذا السبب، يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقناع حلفائه في القوقاز بإنهاء النزاعات حتى يشعر بالراحة من الحدود الجنوبية. إن إصرار السلطات الأذربيجانية على إغلاق معبر لاتشين يشكل عقبة خطيرة في طريق اتفاقات السلام ويمهد الطريق للصراعات في المستقبل.
