الوقت- وسط التحركات المتزايدة لسلطات جمهورية أذربيجان لتنفيذ مطالبهم من اتفاق السلام لعام 2020 مع أرمينيا بشأن أزمة ناغورنو كاراباخ، ولا سيما ربط العبور المباشر بجمهورية ناختشيفان عبر اراضي أرمينيا، والتي يعارضها عدد كبير من الحلفاء الإقليميين وأصحاب المصلحة، إلا أن باكو اتبعت نهج جذب أكبر عدد من الحلفاء والداعمين لبرامج هذا البلد في نزاع كاراباخ.
وفي هذا الصدد، وبعد الإجراء المثير للجدل المتمثل في فتح سفارة باكو في الأراضي المحتلة والرحلات الدبلوماسية لمسؤولي الجانبين من أجل تعزيز العلاقات بشكل كبير، كان لتبليسي في الأيام الماضية وجهة أخرى أظهر الأذربيجانيون الرغبة في تعزيز التحالف معها. وفي الأسبوع الماضي، خلال زيارة وزير دفاع جورجيا، جافانشير بورشولادزه، إلى باكو ولقاء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ونظيره الأذري الجنرال ذاكر حسنوف، شدد الجانبان على زيادة التدريبات العسكرية المشتركة. وعقد اجتماعات عمل عسكرية متبادلة بين البلدين، وتم التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري في المنطقة.
وحسب تقرير وكالة أزارتاج، فإن الجانبين، بالتزامن مع عقد الاجتماع الدوري لرئيسي البلدين تماشيا مع تطور العلاقات الشاملة، دعا الجانبان إلى توطيد العلاقات العسكرية الثنائية في منطقة القوقاز والاهتمام فيما يتعلق بتوفير السلام والأمن في المنطقة، وتوسيع نطاق التعاون في مجال التدريب العسكري، وتحدثوا عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة ومتعددة الأطراف، وخاصة مع تركيا.
المكونات الجيوسياسية للتعاون بين تبليسي وباكو
منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق، بدأت جورجيا وجمهورية أذربيجان عملية تطوير العلاقات، والتي ترجع أساسًا إلى العوامل الجيوسياسية واحتياجات كلا الجانبين لربط طرق العبور التي تربط البحر الأسود ببحر قزوين ونتيجة لذلك، فإن أوروبا والفضاء الأوسع يربط عبر المحيط الأطلسي بآسيا الوسطى ويتيح مسار العبور هذا نقل الشحنات التجارية والعسكرية والطاقة من وإلى آسيا الوسطى عبر الممرات الجوية والسكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة في جورجيا وأذربيجان.
في كل من أذربيجان وجورجيا، تعتبر شراكة العبور هذه مهمة على نطاق واسع لأنها تعتبر أداة لمزيد من التكامل بين البلدين في الفضاء الاقتصادي والأمني الأوروبي. وفي وقت سابق في يناير 2011، قال الرئيس شيفرنادزه عن أذربيجان أن "مصالحنا تكمل بعضها البعض. "نحن بحاجة إلى خطوطهم الحديدية ... يحتاجون إلى موانئنا على البحر الأسود إذا أرادوا تصدير أي شيء إلى الغرب."
وتمتلك أذربيجان موارد هيدروكربونية كبيرة، وقد أتاح تنفيذ مشاريع التنقيب الكبيرة متعددة الجنسيات لهذا البلد أن يصبح أحد البلدان المصدرة للنفط، والذي يبحث عن حصة جادة من التصدير المباشر للغاز الطبيعي إلى أوروبا قريبًا. وهذا الإنجاز ساعد في تنفيذ التخطيط لهذه الخطة الطموحة من خلال اتفاقيات مع جورجيا. وساعد تصدير الطاقة أذربيجان على أن تصبح القوة الاقتصادية المهيمنة في جنوب القوقاز، حيث وفقًا لبيانات البنك الدولي منذ عام 2011، تمتلك أذربيجان وحدها أكثر من 72 ٪ من إجمالي الإنتاج لمنطقة جنوب القوقاز بأكملها.
من ناحية أخرى، كان لعب دور في مشاريع الاقتصاد الكلي الإقليمية مثل طريق الحرير الجديد للصين واستراتيجية "التعاون الشرقي" للاتحاد الأوروبي جزءًا آخر من الاتجاهات المتزايدة للتعاون بين تبليسي وباكو.
ويعد خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس حاليًا أكبر مشروع في عملية إعادة بناء طريق الحرير، الذي تنفذه جمهورية أذربيجان. وتلعب جمهورية أذربيجان أيضًا دورًا نشطًا في إنشاء ممر النقل بين الشمال والجنوب. إن تكامل هذين المشروعين، مثل خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس وممر النقل بين الشمال والجنوب، سيفيد الصين ودول آسيا الوسطى وجمهوريات جنوب القوقاز (أذربيجان وجورجيا) وتركيا وأوروبا. وبالنظر إلى أزمة الحرب في أوكرانيا، تزيد هذه المشاريع الكبيرة من الدور الاستراتيجي لمنطقة جنوب القوقاز في كل من مبادرة طريق الحرير الجديد وفي توفير أمن الطاقة الأوروبي. في الوقت نفسه، يبدو أن جورجيا تتطلع إلى لعب دور أكثر بروزًا من خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر قزوين وسيرسل خط الأنابيب هذا الغاز الأذربيجاني في بحر قزوين عبر جورجيا إلى تركيا ثم إلى أوروبا.
إن التعاون الدبلوماسي بين أذربيجان وجورجيا في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) هو مثال آخر على الجهود الدبلوماسية المنسقة بين البلدين لدفع الأهداف الاستراتيجية المشتركة. وكان كلا البلدان جزءًا من عملية التفاوض منذ عام 1996 لتقليل الوجود العسكري الروسي في مناطق تشمل جنوب القوقاز ومولدوفا.
وفي مايو 1996، في مؤتمر معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا في فيينا، أصدرت أذربيجان وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا بيانًا مشتركًا يؤكدون التزامهم بمبادئ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا واهتمامهم بتوثيق التعاون في القضايا الإقليمية. في الواقع، لا ترى روسيا دور الغرب في قضايا جنوب القوقاز، لذلك قامت بنشر قواتها العسكرية في أرمينيا وبعد غزو المناطق الانفصالية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا عام 2008، كان وجودها العسكري في هذه المنطقة قد زاد.
التحديات التي تواجه العلاقات الاستراتيجية
على الرغم من التعاون الماضي الناجح والمستقر بين جورجيا وجمهورية أذربيجان على أساس المصالح الوطنية والاعتماد المتبادل، هناك أيضًا قضايا ومشاكل بين تبليسي وباكو اتسعت في السنوات الأخيرة وألحقت الضرر بعملية التعاون بين البلدين. ومن القضايا الرئيسية التي تسببت في توتر العلاقات بين البلدين، التوترات والخلافات المحيطة بالمنطقة التاريخية ومجمع الكنائس الواقعة على الحدود المشتركة بين البلدين والمعروفة باسم كشكيشيداغ أو داويت جارجا.
وعلى الرغم من أن هذا الخلاف في حد ذاته ليس قضية جديدة، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت أهميته لكلا الجانبين ونتيجة لذلك أصبحت الخلافات المحيطة به أكثر خطورة. ويعتبر الجورجيون هذه المجموعة جزءًا مهمًا من التراث الديني لجورجيا. من ناحية أخرى، يعتبر المؤرخون الأذربيجانيون أن هذا المكان هو تراث الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية والكنيسة الألبانية في القوقاز القديمة. وتعتبر أذربيجان نفسها خليفة لألبانيا القوقازية القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي.
وفي أوائل عام 2020، قوبل بناء وتركيب تمثال لجندي أرمني قتل في حرب كاراباخ واعتبره الأرمن بطل حرب في قرية أرمينية في جورجيا باحتجاجات قوية من باكو. وفي 14 يوليو 2021 أيضًا، اشتبكت مجموعة من القرويين والناشطين الجورجيين مع قوات الحدود الأذربيجانية وحاولوا نزع سلاحهم في منطقة دير ديفيد الجورجي.
وبينما يقع جزء من الموقع الديني في أذربيجان، تسمح اتفاقية غير رسمية تعود إلى التسعينيات للحجاج والسائحين بزيارة الموقع بحرية من جورجيا. وبينما كانت هناك علاقات دافئة بين الجانبين، لم يكن ترسيم الحدود من أولويات باكو أو تبليسي. حتى لجنة ترسيم الحدود كانت موجودة منذ سنوات، وقد عرض المسؤولون الجورجيون حل المشكلة من خلال تبادل الأراضي - عرضت أذربيجان بشكل أساسي أراضٍ مماثلة الحجم في أماكن أخرى على الحدود مقابل السيادة على مجمع ديفيد جارجي. ولم تكن باكو مستعدة لقبول هذا الخيار لثلاثة أسباب على الأقل. أولاً، أدى فقدان سدس أراضي البلاد في الحرب إلى إحجام الحكومة عن تقديم تنازلات إقليمية حتى لدولة صديقة. ثانيًا، يعتمد جزء من حالة أذربيجان التاريخية للسيادة على ناغورني كاراباخ على الحجة القائلة بأنها خليفة ألبانيا القوقازية القديمة. لذلك، فهم قلقون من أنه إذا قدموا تنازلات بشأن المناطق التاريخية التي يعتبرونها مرتبطة بألبانيا في القوقاز، فإن حجتهم التاريخية في كاراباخ ستضعف. ثالثًا، وربما الأهم، يتمتع هذا المجمع بموقع استراتيجي عالٍ، وهو ذو أهمية كبيرة في هذا المجال الحساس. ويقع هذا الدير على بعد 30 ميلاً فقط من حدود البلدين مع أرمينيا. وخلال حرب 1994-1992، ألغمت القوات الأذربيجانية جزءًا من حدودها مع جورجيا لمنع القوات الأرمنية من دخول أذربيجان عبر جورجيا.
حاليا تطالب جمهورية أذربيجان بدور قيادي في منطقة جنوب القوقاز، ونتيجة لذلك، تعتقد أن الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى تتطلع إلى باكو لحل القضايا الثنائية مع جورجيا. لكن المشاكل الأخيرة أظهرت أن جمهورية أذربيجان لا تستطيع تعزيز علاقاتها الثنائية بالاعتماد فقط على المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية. من الواضح أن القوة الناعمة لأذربيجان، بسبب المشاريع الاجتماعية لشركة النفط الحكومية لهذا البلد في جورجيا، وكذلك وجود الشتات الأذري في جورجيا وحدها، لا يمكن أن تؤثر على تبليسي. وبناءً على ذلك، فإن الاتفاق العسكري الأخير بين الجانبين، على الرغم من قيام أذربيجان به كدليل على بناء التحالف (بما في ذلك باكو - تبيليسي وأنقرة) ضد جبهة مؤيدي أرمينيا، ولكن في الممارسة العملية، الخلافات بين الطرفين سوف تحد إلى حد كبير من تأثير ذلك التحالف.
