الوقت_ عقب الإدانات العربية والدولية التي أثارتها تصريحات تسلئيل سموتريتش، وبالتزامن مع تقارير عن مقاطعة الإدارة الأمريكية لزيارته لواشنطن، والأيام التي كانت مشحونة بشدّة بالتوتر نتيجة الإجرام الصهيونيّ واعتداءاته على أكثر من صعيد، حاول وزير المالية في حكومة العدو بتسلئيل سموتريتش التنصل من تصريحات أشار فيها إلى محو بلدة "حوارة" الفلسطينية شمال الضفة الغربية المحتلة، زاعماً أنها لم تكن مقصودة، ما كشف عمق العنصرية والطبيعة الإجرامية للكيان الصهيوني في الوقت الذي تتصاعد فيه الوحشيّة الإسرائيليّة بحق الشعب الفلسطينيّ، وانتهاج "إسرائيل" سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملته، في أعقاب المنهج الإباديّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، والأخبار التي تأتي من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك، ما يستدعي أن يتحمل المجتمع الدوليّ مسؤولياته الفوريّة تجاه فلسطين وأسراها لدى أولئك السفاحين، ومساءلة تل أبيب على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، وتذكير الدول بالتزاماتها القانونيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي.
إجرام غير مسبوق
يشهد العالم على إجرام العدو الإسرائيلي الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، في ظل اتهامات من منظمات حقوقيّة دوليّة معنية بحقوق الإنسان، بانتهاج الكيان الباغي سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، وإنّ الاحتلال المجرم يعترف بكل وقاحة باستهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، ورغبته بالهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، وحتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج الإبادة وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
وعلى هذا الأساس، حاول بتسلئيل سموتريتش التراجع عما قاله في تغريدة بحسابه على "تويتر" مؤخراً بقوله: "لست غاضبا من السفير الأمريكي لدى الكيان (توم نيدس)، أنا مقتنع أنه لم يقصد التحريض على قتلي عندما قال إنه يجب إلقائي من الطائرة، تماما كما لم أقصد إيذاء الأبرياء عندما قلت إنه يجب محو حوارة"، في ظل إدانات دولية وعربية لتصريحات أدلى بها مؤخراً، إضافة إلى تقارير إعلامية عبرية تحدثت عن مقاطعة الإدارة الأمريكية لزيارته المرتقبة للعاصمة الأمريكية،
ولأنّ الإجرام الإسرائيليّ لا مثيل له في العالم، قال سموتريتش رئيس حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف: "يستخدم الناس أحيانا تعبيرات قاسية لا يقصدونها لنقل رسالة حادة، يحدث ذلك للجميع" حسب زعمه، في وقت ينتهك فيه العدو الصهيوني المجرم القانون الدولي بشكل لحظيّ ويغض الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة، إضافة إلى استمرار التعنت الإسرائيلي في استخدام الآلة العسكرية الاحتلاليّة لإبادة هذا الشعب وسرقة أراضه والأراضي العربيّة المحتلة لصالح "لمامة المستوطنين".
من ناحية أخرى برهنت تصريحات المسؤول الإسرائيليّ من جديد على أنّ الكيان الصهيونيّ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وخيرُ دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين، وهذا حرفيّاً ما تدل عليه تصريحات الوزير الإسرائيلي العنصريّ، والذي لم تُثر تصريحاته استغراباً في الشارع العربيّ باعتبار أنّه لا يمكن حصر الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها العدو الصهيونيّ السفاح بحق الفلسطينيين والعرب والتي تكشف عنصريّة الكيان ودمويّته، ناهيك عن الجرائم الكثيرة التي تستهدف الأطفال والشيوخ والنساء جهاراً نهاراً، وإنّ التصريحات الصهيونيّة رغم أهميتها في الإضاءة على وحشية الصهاينة، إلا أنّها لا تُقدم ولا تؤخر في واقع الأمر، إذا لم تترافق مع محاسبة دوليّة تردع تلك العصابات عن عدوانها بحق الأبرياء.
أيضاً، أوصل الوزير الإسرائيلي أن الإسرائيليين خلال سنوات احتلالهم لم يكونوا مستعدين بأيّ حال من الأحوال سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي، فيما تركوا حلاً وحيداً للفلسطينيين هو وقوع "ثورة غضب" عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته تنهي جبروتهم وظلمهم، لأنّ التصدي للصهاينة وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة والعاصمة الفلسطينيّة القدس.
ولا يمكن لأحد أن ينسى أنّ جميع المجازر التي ارتكبتها مختلف العصابات الصهيونيّة اشتركت بإلقاء المتفجرات على الفلسطينيين وفتح النار في جميع الاتجاهات، فضلاً عن استخدام الأسلحة البيضاء الحادة دون أي تمييز بين شباب أو مسنين أو أطفال ونساء، وتخلل بعضها شق رؤوس أطفال بالعصيّ، ولم يخل منزل من الجثث، ثم اقتادوا النساء والرجال وأبقوهم دون ماء أو طعام، وفجروا المنازل بمن فيها، فإن المطلوب هو أن يكون أبناء الشعب موحدين دائماً حول مطالبهم، وإن قدرهم يجب ألا يكون إما تحت سطوة عصابات الاجرام، أو تحت الحكم العسكري، لأنهم أبناء هذا الوطن ويجب أن يكونوا موحدين حول حقوقهم ومقدساتهم وقدسهم وأقصاهم وبيوتهم وشعبهم، لأنهم جميعاً وباختصار “مهددون”.
موقف الصهاينة والأمريكيين والسُلطة
بمجرد إدلائه بالتصريحات الفاشية تلك، قال نيدس معلقا على زيارة سموتريتش إلى واشنطن الأحد المقبل في ظل تصريحه بشأن حوار: "أنا حقا غاضب من سموتريتش، هو أحمق، سيقوم برحلة إلى واشنطن، وإذا كنت قادرا لألقيت به من الطائرة"، ونقلت وسائل إعلام عبرية التصريح الأمريكيّ، بينها صحيفة "يسرائيل هيوم" والقناة "12" الخاصة التي اعتبرته "نصف مزحة" لكنها تعكس المزاج السائد داخل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وعلى المقلب الآخر، دعم نتنياهو –كما هو متوقع- وزير ماليته، قائلا في بيان صدر مؤخراً: "من المهم أن وزير المالية سموتريتش أوضح أنه لا ينوي إيذاء الأبرياء أو العقاب الجماعي، أعرف مواقفه وقد انعكست في توضيحه"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وأشار نتنياهو ملمحا إلى تصريح السفير الأمريكي: "لا أحد منا يخلو من الأخطاء، بما في ذلك الدبلوماسيون الأجانب"، حيث كان من المقرر أن يصل سموتريتش إلى واشنطن في أول زيارة منذ تعيينه في حكومة نتنياهو، وسيلقي كلمة أمام مؤتمر "البوندس"، وهي منظمة تعمل على بيع سندات الحكومة الإسرائيلية لمستثمرين أجانب، حسب صحيفة "هآرتس" العبرية، لكن القناة "12" العبرية نقلت عن مسؤول إسرائيلي لم تسمه قوله إن سموتريتش "أصبح شخصية غير مرغوب فيها لدى الإدارة الأمريكية"، وأضاف: "حتى قبل هذه التصريحات، لم تكن الإدارة متحمسة له، ولكن الآن أصبح الأمر واضحا تماما بعد دعوته لمحو حوارة، لن يلتقي به أي مسؤول أمريكي".
من ناحية أُخرى، أكدت السلطة الفلسطينية أهمية "تجريم الاحتلال" والعمل على "سرعة إنهائه"، وشددت على ضرورة "عدم الاكتفاء بإدانة سموتريتش وتصريحاته العنصرية"، حيث دعا وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الدول التي لم تعلق على هذه التصريحات العنصرية الخطيرة إلى سرعة إعلان مواقف صارمة اتجاهها، مضيفاً إنّه ينبغي على المجتمع الدوليّ ألا ينسى أن المتطرف بتسلئيل سموتريتش يستوطن في إحدى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو يعتبر من قيادات المستوطنين ومن يمثلهم داخل حكومة نتنياهو، معبراً أنّ المطلوب هو عدم الاكتفاء بإدانة سموتريتش، وإنما أيضا إدانة الاحتلال وتجريمه، والعمل الحقيقي من أجل سرعة إنهائه، وإلى جانب الولايات المتحدة، أدانت دول ومنظمات عديدة دعوة سموتريتش إلى محو بلدة حوارة بينها: فرنسا ومصر والسعودية والإمارات والأردن والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.
ومن الجدير بالذكر أنّ تصريحات المسؤول الصهيونيّ العنصريّ جاءت بعد هجوم شنّه مئات المستوطنين الإسرائيليين على حوارة وبلدات فلسطينية أخرى، ما أسفر عن مقتل فلسطيني وإحراق وتدمير عشرات المنازل والسيارات الفلسطينية، وتلك الهجمات أعقبت مقتل إسرائيليين في إطلاق نار على سيارة كانا يستقلانها بالقرب من البلدة، وذلك بعد أيام من قتل الجيش الإسرائيلي 11 فلسطينيا خلال اقتحامه مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية في 22 فبراير/ شباط الماضي، حيث تتصاعد التوترات في الأراضي الفلسطينية منذ أن منح الكنيست في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي الثقة لحكومة جديدة برئاسة نتنياهو توصف بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، لاسيما على مستوى سياساتها المتطرفة تجاه الشعب الفلسطيني.
خلاصة القول، يكشف الإسرائيليون يوماً بعد آخر حقيقة كيان "إسرائيل" الدمويّة التي تتستر على جناياتها من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يدير اليهود الكثير منها، فيما تحارب تل أبيب بكامل قوتها المقاطعة التي تشنّها منظمات معروفة لمقاضاة وكشف وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ومنع إضفاء الشرعية على "إسرائيل"، في وقت تتصاعد الرغبة الإسرائيليّة في قتل المدنيين وتدمير مستقبلهم ومقدساتهم وتهديد أرواحهم، وكأن الصهاينة وآلتهم العسكريّة يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه وليفعل العالم ما يشاء، وإنّ التصريحات الأخيرة هي بمثابة شهادة إسرائيليّة محقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة.
