الوقت- أولت المملكة العربية السعودية، التي جعلت الاستثمار والمساعدات المالية أحد سبل تطوير النفوذ الإقليمي وبناء التحالفات بفضل النفط البترولي الذي تمتلكه، اهتمامًا خاصًا بمنطقة القوقاز في تنفيذ هذه السياسة في السنوات الأخيرة. إن التطورات في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبيرة، وخاصة بعد بدء الحرب في أوكرانيا، هي مكان وجود وتأثير الخصمين الإقليميين الرئيسيين للمملكة العربية السعودية، وهما إيران وتركيا. وفي الوقت نفسه، فإن جمهورية أذربيجان هي الدولة التي شهدت أعلى مستوى من التطور في العلاقات مع الرياض مقارنة بدول آسيا الوسطى الأخرى. وفي هذا الصدد، عقد قبل عدة أيام في باكو منتدى الاستثمار السابع للمملكة العربية السعودية وجمهورية أذربيجان. وحسب تقرير وكالة الأنباء السعودية، فإن أنشطة هذا المنتدى تشمل عروضا عن استثمارات البلدين وجلسات حوارية حول عدد من القضايا بهدف تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
وفي ترحيبه بالوفد السعودي، أكد الرئيس الأذربايجاني إلهام علييف على أهمية اجتماع الأعمال بين باكو والرياض، مشيرا إلى أن أجندة التعاون الثنائي آخذة في التوسع. كما أعرب خالد بن عبد العزيز الفالح، وزير الاستثمار السعودي والرئيس المشارك للجنة الحكومية المشتركة بين السعودية وأذربيجان، عن أمله في نجاح اجتماع اللجنة المشتركة. كما أكد المسؤولون من الجانبين على أهمية زيادة تعزيز التعاون الاقتصادي وناقشوا مشاركة الشركات السعودية في مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة في أذربيجان. وفي يناير 2022، أعلنت وزارة الطاقة الأذربيجانية أن شركة أكوا باور السعودية بدأت في بناء مشروع لتوليد طاقة الرياح شمال العاصمة باكو، بقيمة حوالي 300 مليون دولار.
وقال رئيس الوفد السعودي إن بلاده مهتمة بالاستثمار في مشاريع الطاقة الجديدة وكذلك في الزراعة وغيرها من المجالات. كما تنشط المملكة العربية السعودية في إعادة إعمار المناطق المحررة في ناغورنو كاراباخ، وأعرب الفالح عن أمله في أن يؤدي هذا التعاون إلى ازدهار المنطقة.
سجلات التعاون الاقتصادي
عقدت اللجنة التجارية الأولى للمملكة العربية السعودية وجمهورية أذربيجان في سبتمبر 2014 في باكو تحت عنوان "تدفق رؤوس الأموال العربية إلى جمهورية أذربيجان" وناقشت مع مئة شركة سعودية استراتيجيات تنمية الاستثمار في البلدين. كان من المفترض أن تستخدم أموال الشركات السعودية في قطاعات البناء والخدمات وتشييد الفنادق والسياحة والإنتاج الغذائي والصناعي في جمهورية أذربيجان. وبناءً على المذكرة المشتركة الموقعة، اتفق الجانبان على تحليل القدرات الاقتصادية لبعضهما البعض، وبناء أنشطتهما الاقتصادية عليها. وفي ديسمبر 2021، عقدت اللجنة المشتركة بين البلدين اجتماعها السادس في الرياض وناقشت تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والثقافة، وهذا العام ستعقد الجولة السابعة في باكو.
ومع عقد اجتماعات مشتركة متتالية، ارتفع مستوى التعاون الاقتصادي. ووفقا للإحصاءات المعلنة، استثمرت المملكة العربية السعودية حاليا أكثر من 370 مليون دولار في البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية لأذربيجان، ومع تعزيز التعاون، هناك منظور إيجابي للعلاقات الثنائية. وتنشط حوالي 26 شركة سعودية في إجراء المعاملات بين البلدين، ويشارك الصندوق السعودي للتنمية بنشاط في بناء البنية التحتية المحلية، بما في ذلك القنوات والطرق والمدارس وإنشاء شبكات إمدادات المياه والصرف الصحي.
وفي عام 2019، زاد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 33 ٪ وهو ينمو كل عام. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2021 حوالي 30 مليون دولار، لكن السعوديين يحاولون زيادة هذا المستوى من التجارة، ويمكن للجنة المشتركة المساعدة في هذا الصدد، وتستورد أذربيجان معظم منتجات الثروة الحيوانية بما في ذلك لحوم الأغنام والجبن والمنتجات البتروكيماوية من المملكة العربية السعودية وتصدر المعادن السوداء والمنتجات الزراعية إلى المملكة العربية السعودية.
إن أذربيجان لديها العديد من القدرات في مجال الطاقة والبنية التحتية الاقتصادية، والتي هي مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية. ويرتبط الحضور النشط للمملكة العربية السعودية في أذربيجان أيضًا بالتغيرات والتطورات العالمية في الأشهر الأخيرة. ولعب تطبيع العلاقات السعودية مع تركيا، الحليف الرئيسي لباكو، دورًا مهمًا في سياسات الرياض الجديدة في أذربيجان. وأعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرًا أنها تخطط لاستثمار 5 مليارات دولار في الاقتصاد التركي، ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعب دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين الرياض وباكو. وبسبب الموقع الاستراتيجي لأذربيجان في القوقاز وقربها من آسيا الوسطى، يمكن للمملكة العربية السعودية استخدام إمكانات هذا البلد لتنفيذ مشاريعها الطموحة في هذه المنطقة. والحقيقة أن المملكة العربية السعودية تقوم بالكثير من الاستثمارات في قطاع الطاقة في أذربيجان وتستند إلى حقيقة أن هذا البلد يكسب الكثير من الدخل من هذا، والاستثمار في هذا القطاع الحيوي يسمح للرياض بالتأثير على سياسات باكو.
وبالنظر إلى أن البلدين موجودان أيضًا في أوبك + ، فإن زيادة التعاون في مجال الطاقة هو ما تبحث عنه الرياض. في الواقع، وحسب المراقبين، فإن أحد أهداف المملكة العربية السعودية في توسيع العلاقات مع أذربيجان في مجال الطاقة، إضافة إلى ضمان اتباع باكو لسياسات الرياض فيما يتعلق بأسعار النفط وحصصه لخفض أو زيادة إنتاج النفط الخام، للحصول على حصة في تنفيذ مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات، لأنه كلما زاد الاستثمار في البنية التحتية، ازداد النفوذ السعودي قوة.
الترويج للفكر الوهابي
بما أن وجود المملكة العربية السعودية في الدول الإسلامية وخاصة الشيعية مرتبط بقضايا دينية وثقافية إضافة إلى القضايا الاقتصادية، يتم تنفيذ سيناريو مماثل في جمهورية أذربيجان. وفي العقود الماضية، بذل السعوديون جهودًا إضافية للترويج للأفكار الوهابية في الأراضي الإسلامية والتأثير على الرأي العام للعالم الإسلامي حول المملكة العربية السعودية.
وبعد إعلان استقلال جمهورية أذربيجان في عام 1991 وفي الوقت نفسه الذي تفاقمت فيه الفوضى ومشاكل معيشة الشعب، دخلت المؤسسات الوهابية إلى هذا البلد تحت ستار تقديم المساعدة والإحسان. وحسب التقارير، بدأت المملكة العربية السعودية أيضًا في تجنيد طلاب الدراسات الدينية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في الواقع، تماشيًا مع الحركة الوهابية في جمهورية أذربيجان منذ البداية، تمكنت من إنشاء حركة وهابية من خلال المتعلمين الأذربيجانيين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وفي العقدين الماضيين، ازداد أيضًا عدد إرسال المبشرين الوهابيين إلى أذربيجان، وتقدر بعض المصادر عدد السلفيين المتمركزين في أذربيجان بأكثر من 50000 شخص، بعضهم منخرط في الترويج للأفكار الوهابية. وكلما انتشرت الأفكار السلفية والوهابية في أذربيجان، كان من الأسهل على السعوديين دخول هذا البلد ومواءمته مع سياساتهم.
من ناحية أخرى، قدمت حكومة أذربيجان أيضًا منصات للسعوديين للتصفح. وفي السنوات الأخيرة، فرضت باكو قيودًا واسعة النطاق على الأنشطة الدينية الشيعية وحظرت الحداد في الأماكن العامة خلال شهر محرم. ويمكن أن تكون معارضة حكومة باكو للأفكار الشيعية فرصة جيدة للترويج للوهابية.
الأهداف السياسية والإقليمية
نظرًا لحقيقة أن منطقة القوقاز أصبحت مهمة جدًا في السنوات الماضية، يحاول السعوديون أيضًا إعداد دور لأنفسهم في هذه المنطقة. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد تبنت موقفًا محايدًا تقريبًا في التوتر بين أرمينيا وأذربيجان، إلا أن زيادة العلاقات الثنائية مع باكو في المجالين الاقتصادي والعسكري تظهر أن السعوديين هم أكثر في جبهة باكو. وحقيقة أن شعب جمهورية أذربيجان وجزء كبير من دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وحتى تركيا مسلمون، مقارنة بأرمينيا، وهي دولة ذات أغلبية مسيحية ومدعومة من الغرب، فإن باكو لها أهمية في نظر الرياض التي تدعي أنها زعيم العالم الإسلامي. وإضافة إلى ذلك، يمكننا حتى الحديث عن وجهة نظر الرياض الانتهازية في قضية التوترات المتزايدة بين إيران وجمهورية أذربيجان في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أن السعوديين، كما ذكرنا، لديهم موقف رسمي محايد في معظم نزاعات آسيا الوسطى.
ومن ناحية أخرى، يسمح موقع أذربيجان على حافة بحر قزوين للمملكة العربية السعودية بالوصول إلى هذه المنطقة البحرية. وازدادت أهمية بحر قزوين بعد الأزمة الأوكرانية، وهذا الموقع سيلعب في المستقبل دورًا مهمًا في نقل البضائع بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. ومن خلال تطوير علاقاتها مع باكو، يمكن للسعودية أن تلعب دورًا فعالاً في خطط نقل الطاقة من بحر قزوين، والتي تهدف إلى تقصير يد إيران.
قضية أخرى مهمة هي أن أذربيجان لديها علاقات واسعة مع الكيان الصهيوني وأقامت علاقات أمنية عسكرية وثيقة مع الکیان الصهيوني، وفي الأشهر الأخيرة، مع افتتاح سفارة باكو في تل أبيب، تعززت هذه العلاقات بشكل أكبر. لذلك، تحاول المملكة العربية السعودية، التي تسير على طريق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، تطوير علاقاتها مع جمهورية أذربيجان. لأن هؤلاء الفاعلين الثلاثة في صراع حاليًا مع إيران، وتجمعهم في معسكر واحد، أي على الحدود مع عدوهم المشترك.
