الوقت - بعد الاقتراب من العرش في السنوات الأخيرة، بذل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جهودًا متضافرةً لإبراز صورة إصلاحية عن نفسه، والتظاهر بأن المقاربات التقليدية للسعودية قد ولت، وأن شعب هذا البلد سيعيش بمزيد من حرية التعبير والعمل والسلوك من الآن فصاعدًا.
ويحاول ابن سلمان تقديم نفسه على أنه ليبرالي جديد، من خلال تطوير نماذج للحياة الأوروبية الحديثة في مشاريع كبيرة، بغض النظر عن حقيقة أن الأساليب الاستبدادية مختلطة بعقليته.
وقد شهدنا هذا السلوك في مظاهر مختلفة خلال السنوات الماضية على صعيد القمع الداخلي، وزيادة أحكام السجن والإعدام بحق المعارضين السياسيين، وتفشي انتهاكات حريات الأقليات الدينية، والمهاجرين الأجانب، وانتهاكات حقوق المرأة، وانتشار الفساد.
من ناحية أخرى، وضعت سلطات الرياض أسس سياستها الخارجية على كسب دعم القوى الغربية، لبقاء حكمها غير الديمقراطي في السعودية. إضافة إلى أنهم يبذلون جهودًا مكثفةً في تطوير الفكر الوهابي والتكفيري بناءً على هذا النهج في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تدخل واسع لهذا البلد في الشؤون الداخلية للحكومات الإقليمية والدولية الأخرى والترويج للحرب ضد بعضها، بما في ذلك اليمن.
ما سيتم النظر فيه في هذا المقال، هو أبعاد السياسات المتناقضة للحكومة السعودية على الصعيدين المحلي والدولي، ووصف الانتهاك الواسع النطاق للأسس الإنسانية في سلوك حكام السعودية.
الوضع المؤسف للشيعة في السعودية
كانت نقطة انطلاق التشيع في العالم الإسلامي الحجاز وتحديداً المدينة المنورة، حيث شكلت جماعة من صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مثل أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار جوهر التشيع في المدينة المنورة، باتباع نص وتعليمات الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم). ولاحقاً، في نفس القرن الأول، دخل المذهب الشيعي العراق وإيران، لكن وجود الشيعة في شبه الجزيرة العربية استمر.
يشكل الشيعة الآن حوالي 15 إلى 20 بالمئة من سكان السعودية. ويعيش معظمهم في المنطقة الشرقية ومدينتي الاحساء والقطيف، وانضمت هذه المناطق إلى الحكومة السعودية الجديدة عام 1913.
عندما ضمّ الملك عبد العزيز المنطقة الشرقية إلى أراضيه، وعد الشيعة بأنهم سيكونون قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، لكن هذا الوعد لم يتحقق.
إضافة إلى المنطقة الشرقية، يعيش بعض الشيعة أيضًا في الحجاز، وخاصةً في المدينة المنورة. كما يعيش الشيعة الإسماعيليون والزيديون في نجران وجنوب شبه الجزيرة العربية. وهناك 30 ألف شيعي في الرياض وحدها، ذهبوا إلى هناك للعمل والتجارة.
تمتلك المنطقة الشرقية في السعودية، حيث يعيش غالبية الشيعة، 80٪ من نفط السعودية، لكنها تعتبر من أكثر المناطق حرمانًا في البلاد. ويتمركز الشيعة بشکل رئيسي في السعودية في هذه المحافظة، وتقع مدينتا الاحساء والقطيف، أكبر مدينتين شيعيتين في السعودية، في هذه المحافظة.
لطالما كان الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية، في وضع اقتصادي أدنى من الفئات الأخرى في المجتمع السعودي. وجاء في تقرير نشرته اللجنة الدولية لحقوق الإنسان لمحامي مينيسوتا عام 1996، أن المنطقة الشرقية من أفقر المناطق في السعودية.
تنفق الحكومة السعودية أموالاً أقل لتنفيذ مشاريع البناء والطرق والصحة والتعليم في هذه المناطق. وكان السكن العشوائي في هذه المناطق لا يزال شائعًا حتى أوائل الثمانينيات، ولا تزال المدن والمناطق الشيعية تفتقر إلى المرافق الصحية والعلاجية الحديثة، التي يمكن الوصول إليها في مدن مثل الرياض وجدة.
وعلى الرغم من وجود غالبية الشيعة في هذه المحافظة، إلا أنه لا يحق لهم شغل مناصب مثل رئاسة البلدية أو مركز شرطة أو مجموعة في الجامعات الحكومية. وفي الاحساء، لا يمكن أن يصبح الشيعة حتى نواب مديري المدارس الابتدائية.
يعيش شيعة المنطقة الشرقية في المنطقة الاستراتيجية الأكثر حيويةً في السعودية. هذه المنطقة مهمة من نواحٍ عديدة: أولاً، هذه المنطقة من المناطق التي تحتوي على أكبر حقول النفط في البلاد والعالم.
ثانيًا، يلعب الشيعة في هذه المحافظة دورًا مهمًا في استقرار البلاد الاقتصادي، على صعيد الأمن الدولي والتجارة العالمية. وثالثاً، يتواجد الشيعة السعوديون في منطقة قريبة من ثلاث دول معظمهم من الشيعة، وهي إيران والعراق والبحرين.
يختلف وضع شيعة المدينة المنورة عن شيعة المنطقة الشرقية من السعودية. يعاني شيعة المدينة المنورة من مزيد من الضغوط والصعوبات، بسبب المراكز الدينية الشيعية المهمة مثل مقبرة البقيع الموجودة في هذه المدينة، وبسبب التواصل المكثف الذي يمكن أن يکون لديهم مع زوار الحرم النبوي. کما تم تدمير المساجد والحسينيات في المدينة المنورة.
ولا يحقّ للشيعة الكشف عن مذهبهم، أو إقامة الشعائر الدينية في الأماكن العامة. کما لا يمكنهم إقامة الأذان وارتداء ملابس رجال الدين. أيضًا، سُلب منهم حق بناء الحسينية والمسجد بشكل عام، ولا يمكنهم إقامة صلاة الجماعة إلا في الصالة.
تضمّ المدينة المنورة أكثر من 50 ألف شيعي، يعمل معظمهم في مناصب حكومية منخفضة المستوى والزراعة والعمل الحر. وبسبب الموقع الاستراتيجي الخاص لهذه المدينة، يعاني شيعة المدينة المنورة من فتاوى علماء التكفيريين، واستفزازات رجال الدين الوهابيين السعوديين المتطرفين، إضافةً إلى التضييق والتمييز الاجتماعي، ويرون مقدساتهم عرضةً لهجوم هذه العناصر.
تبلغ مساحة منطقة نجران التي تقع جنوب غرب السعودية على الحدود مع اليمن 360 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها يتجاوز 620 ألف نسمة، 90٪ منهم من الشيعة.
ويقدر عدد الشيعة الإسماعيليين في نجران بـ 250 إلى 300 ألف نسمة، وبالطبع يستقر جزء كبير من الشيعة الزيديين من قبيلة وائلة في نجران، وتضم منطقة نجران أيضًا عددًا صغيرًا من الشيعة الاثني عشرية. وهکذا، فإن أكثر من 90٪ من السكان البالغ عددهم 620 ألف نسمة في هذه المنطقة، هم من الشيعة.
إن الضغوط الشديدة على شيعة هذه المنطقة، وصلت إلی درجة جعلت منظمة هيومان رايتس ووتش تحذر في تقريرها من شدة التمييز ضد الشيعة الإسماعيلية والزيدية في نجران، وذكرت أن هذا التمييز يوجد في مجال الوظائف الحكومية والتعليم والعدالة.
انتهاك الحرية الدينية
تظهر تقارير خاصة لمفتشين في مجال حرية الدين والمعتقد، اعتقالات واسعة النطاق لأتباع الأقليات الدينية في السعودية، وخاصةً الشيعة.
هناك تمييز اجتماعي واسع النطاق ضد سكان المنطقة الشرقية أو الشيعة في الاحساء. حيث إنه ليس لديهم حتى الحق في العمل في المدارس الخاصة أو رياض الأطفال. کما يحظر على الشيعة تقلد بعض المناصب، مثل وزير أو رئيس بلدية أو دبلوماسي أو ممثل رسمي للحكومة في منظمة دولية.
وفي تقرير صدر عام 2011، أشارت أسماء جهانجير، المقررة الخاصة المعنية بحرية الدين والمعتقد، إلى مثال آخر على التمييز ضد الشيعة. محمد العريفي، الذي اختارته وزارة الشؤون الدينية ليكون إمام الجمعة في مسجد جامع الرياض، في 1 يناير 2010، ألقى خطابًا تمييزيًا تمامًا ضد الشيعة خلال صلاة الجمعة.
حيث طالب العريفي بالقضاء على الشيعة في العالم، بمن فيهم شيعة السعودية. وقال العريفي إن الشيعة ليسوا مؤمنين حقيقيين، واستندوا في نظريتهم على مبادئ الكفر وهي من مخلفات الدين الفارسي. وقدّم الشيعة كلهم على أنهم خونة ومحسوبون على إيران. وقبل ذلك أيضًا، طلب من الجيش السعودي على حدود اليمن قتل كل شيعي يرونه في قتالهم ضد الشعب اليمني.
في ظل هذه الضغوط الواسعة، يعتبر رجال الدين الشيعة من أكثر الجماعات التي تتعرض للأعمال غير القانونية والقمعية لآل سعود. والمثال الواضح علی ذلك هو الشيخ نمر باقر النمر.
رجل الدين الشيعي هذا، وهو من السعودية ومنتقد لحكومة آل سعود، أعدم من قبل المحكمة السعودية بتهمة انتقاد الحكومة ودعم الاحتجاجات الشعبية في هذا البلد. وأعلنت المحكمة السعودية اتهامات باطلة ضده بالتحريض والانحراف عن المعتقدات، ورفض طاعة الحكومة والتشجيع على قلب النظام السياسي.
