الوقت - كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يحلم بخطط طموحة لمستقبل السعودية الاقتصادي بما يتوافق مع خططه لاعتلاء عرش الملك، من أجل تحسين مكانة البلاد الاقتصادية على الساحة الدولية.
في هذا الصدد، وفي أحد أهم المشاريع الجارية، يحاول ابن سلمان إعادة تجربة دبي في الإمارات والتي أصبحت الآن مركزًا اقتصاديًا على الخليج بسبب الاستثمار الأجنبي وتطوير البنية التحتية، وذلك بجعل المملكة العربية السعودية حاضرة اقتصادية عن طريق إقامة مدن متطورة حديثة تنافس مدن الغرب. أعلن ابن سلمان عن خططه لبناء مدينة نيوم منذ عام 2017، ويقول المسؤولون السعوديون إن الخطة هي المشروع الأكثر طموحًا في العالم، حيث سيتم بناء 16 قسمًا قبالة ساحل البحر الأحمر في شمال غرب محافظة تبوك. في عام 2018، أعلن ابن سلمان أن نيوم ستكتمل بحلول عام 2025، وأن مرحلتها الأولى على وشك الاكتمال وستبدأ العمل قريبًا. ويقال إن بناء هذه المدينة، التي تبلغ مساحتها 26495 كيلومترًا مربعًا، سيكلف أكثر من 500 مليار دولار، وهو أمر صعب بسبب نقص الموارد المالية. كما يدعي السعوديون، ان نظام وخدمات إدارة المدينة بأكملها سوف يعتمد على التكنولوجيا الذكية واستخدام الروبوتات. ويُقال إن مشروع نيوم هو أحد خطط رؤية 2030 والذي يبدو وكأنه دعاية سعودية لتمهيد نقل السلطة إلى ابن سلمان. نيوم هو أحد المشاريع التي يحاول ابن سلمان إظهارها ليكون قائدًا حديثًا في العالم. بمعنى آخر، يحاول ابن سلمان تقديم نفسه كقائد فكري تجاوز النظام الثقافي المنغلق الذي عانت منه المملكة العربية السعودية لقرون ويريد القيام بعمليات تحديث في المملكة العربية السعودية. في غضون ذلك، إلى جانب زيادة التحركات السعودية في اتجاه عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، يبدو أن الاستفادة من الفوائد الاقتصادية للتطبيع في دفع مشروع مدينة نيوم، هو من الأهداف الرئيسية التي من أجلها يريد ابن سلمان إقامة علاقات مع إسرائيل.
استقطاب المستثمرين الصهاينة
وفقًا لهذا المشروع، فإن نيوم تحتاج تكاليف كبيرة، وبما أن المملكة العربية السعودية وحدها لا تستطيع تغطية جميع هذه التكاليف، فهي تعتمد على الاستثمار الأجنبي لتتمكن من توفير بعض هذه الأموال من خارج المملكة العربية السعودية. وقد أعلنت بعض الشركات الأجنبية عن استعدادها للاستثمار في المشروع منذ البداية، لكن اغتيال الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقجي على يد ابن سلمان دفع الشركات الأجنبية إلى التراجع، وقال ابن سلمان نفسه إنه لن يستثمر أحد في المشروع لسنوات بسبب رد الفعل العالمي. كما نظم ابن سلمان مؤتمر "دافوس الصحراء" في الرياض في نوفمبر 2017 من أجل خلق فرص للنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية وجذب الاستثمار الأجنبي لمشروع نيوم. لكن بسبب مقاطعة هذا الاجتماع من قبل المسؤولين والإعلام الغربيين وبعض دول المنطقة رداً على اغتيال خاشقجي، فشل ابن سلمان عملياً في تحقيق هدفه ولم يستطع توفير الموارد اللازمة لبناء مدينة أحلامه. ولكن مع انحسار الغضب العالمي من تصرفات ابن سلمان، سعى السعوديون مؤخرًا إلى البحث عن مستثمرين أجانب لإكمال بناء هذه المدينة الذكية. وستتم متابعة هذه القضية بجدية عندما يتولى ابن سلمان قريبًا عرش المملكة العربية السعودية.
بالنظر إلى أن الرأسماليين الصهاينة لديهم الكثير من الموارد المالية وأنهم مساهمون رئيسيون في العديد من الشركات متعددة الجنسيات، فقد اعتمد السعوديون أولاً وقبل كل شيء على الصهاينة لتلبية احتياجاتهم المالية. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، إلا أن العلاقات الاقتصادية قد بدأت وعملية تطبيع العلاقات جارية. وحسب تقارير إعلامية، تجري السعودية وإسرائيل محادثات تطبيع بوساطة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن هذه القضية خلال الشهر المقبل. سيحاول ابن سلمان، الذي سيتولى السلطة قريبًا كملك، استخدام جميع البلدان وحتى إسرائيل في خطة نيوم. التقى ابن سلمان بمسؤولين صهاينة عدة مرات في السنوات الأخيرة، ويقال إنه سافر سراً إلى تل أبيب. حتى أن البعض يعتقد أن تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل تم على يد ابن سلمان الذي يقود العرب إلى هذا المسار.
تقيم السعودية علاقات سرية مع الكيان الصهيوني منذ سنوات، لكن الكشف عن علاقتهما في الأشهر الأخيرة غير مسبوق، ويقال إن قضية التطبيع تتم من خلال شركات إسرائيلية مسجلة رسميًا في أوروبا أو دول أخرى. قال مسؤول سعودي بالقطاع الخاص إنه من المستحيل الإعلان عن مشاركة إسرائيل في المشروع السعودي ما لم تكن هناك علاقات دبلوماسية عامة بين الجانبين. ولم ينف المسؤول السعودي مشاركة إسرائيل في الأجزاء الرئيسية من المشروع، قائلا إن الرياض بدأت محادثات مع شركات دولية للعمل في المشروع. في نوفمبر 2017، نقلت إحدى وسائل الإعلام الصهيونية عن رجل الأعمال الإسرائيلي البارز أرييل ماراليت قوله إن هناك وظائف لشركات إسرائيلية في مشروع نيوم.
إضافة إلى السعوديين، الذين يتلهفون لإقامة علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني، هناك ظروف مماثلة للصهاينة، فهم يرحبون أيضًا بإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الرياض. لذلك، فإن مشروع نيوم ووجود الشركات الإسرائيلية في تلك البوابة هو مدخل الصهاينة إلى السعودية، والذي سيتم استكماله مع تطبيع العلاقات في المستقبل بهذه العلاقة التعيسة. ستساعد خطة نيوم إسرائيل على دخول المنطقة من أجل تعزيز نفوذها في الخليج. بما أن وسائل الإعلام الصهيونية تقدر هذا المشروع على أنه مهم لإسرائيل وقالت إن الشركات الصهيونية العاملة في القطاع الخاص تنوي الاستثمار في تنفيذ هذا المشروع، على وجه الخصوص، كون المدينة قريبة من خليج العقبة وحدود الأراضي المحتلة وتقع على ساحل البحر الأحمر.
وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين قد زعموا سابقًا في محادثات مع المملكة العربية السعودية أن المشروع لديه إمكانات للاستثمار في مختلف المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا والزراعة والمياه، ويمكن أن تساعد هذه المسألة دولا أُخرى في الخليج الفارسي. بالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية ليس لديها ما تقوله في مجال الاقتصاد والتقنيات المتقدمة، فهي بحاجة إلى تكنولوجيا تحت تصرف الصهاينة لتتمكن من تنفيذ هذه الخطة باستخدام خبراتهم وتجاربهم. منذ إنشاء المطارات الحديثة والذكية، تم تصميم المرافق السياحية والصناعية في نيوم، ويأمل ابن سلمان أن تتمكن الشركات الصهيونية من التواجد الفعال في مجال التكنولوجيا الحيوية والإنتاج والبناء المتقدم.
أفادت بعض المصادر، في الأشهر الأخيرة، بأن عشرات رجال الأعمال الإسرائيليين سافروا إلى السعودية للمشاركة في مشروع سعودي كبير على ساحل البحر الأحمر. حتى أن رجال الأعمال الإسرائيليين زاروا مشروع نيوم، ما يدل على أن الصهاينة مهتمون جدًا بالاستثمار فيه. وفي سياق زيارة رجال الأعمال الإسرائيليين، كشفت وسائل إعلام عن إبرام عدة اتفاقيات بين هؤلاء والسعودية، اثنتان منها في مجال الزراعة والأخرى في مجال التكنولوجيا. في وقت سابق، أفادت الأنباء بأن السعوديين كانوا يحاولون إقناع رجال الأعمال الإسرائيليين بالاستثمار في مدينة التكنولوجيا نيوم، بل خصصوا ملياري دولار للاستثمار في الأراضي المحتلة لإرضاء الصهاينة.
تهدف علاقة ابن سلمان الوثيقة مع جاريد كوشنير، الصهر اليهودي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في السنوات الأخيرة، إلى جذب اللوبي الصهيوني للمشاركة في خططه الطموحة. يتطلب مشروع كبير مثل نيوم شبكة من التبادلات بين البنوك، وبالنظر إلى تأثير اللوبي الصهيوني في البنوك الأمريكية والأوروبية، يعرف المسؤولون السعوديون أن العلاقات الواسعة مع الصهاينة يمكن أن تسهل التبادلات المالية السعودية في جميع أنحاء العالم. بل إن السعودية قدمت تسهيلات خاصة لجذب الاستثمارات الغربية والصهيونية لتكمل مشروعها الذي لا يزال في مهده.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تكسب مئات المليارات من الدولارات سنويًا من مبيعات النفط، إلا أن حرب اليمن المستمرة منذ ثماني سنوات كلفت البلاد كثيرا. وهي بحاجة إلى تمويل أجنبي لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية الكبرى، والشركات الإسرائيلية هي الخيار الأفضل للمسؤولين السعوديين. ويرى مراقبون أن إسرائيل بدخولها القطاعات الاقتصادية للدول العربية ستدخلها في هيكل يؤدي إلى تشكيل الشرق الأوسط الذي يطمح إليه الصهاينة؛ الشرق الأوسط، الذي تقع إسرائيل في مركز قيادته لكونها جزءا لا يتجزأ من الهيكل الإقليمي. بمعنى آخر، تريد إسرائيل أن تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الهياكل الإقليمية الجديدة، عسكريًا وأمنيًا، وكذلك في التحالفات السياسية.
إضافة إلى القضايا الاقتصادية، يسعى السعوديون إلى تحقيق أهداف أمنية من خلال الاقتراب من إسرائيل. إذ إن مشاركة الصهاينة بنشاط في المشاريع الاقتصادية للمملكة العربية السعودية ونيوم، سيؤدي إلى استخدام السعوديين لقوات الأمن الإسرائيلية للحفاظ على أمنهم. بالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية ليس لديها جيش وشرطة منظمان وقويان، فمن خلال تكليف الإسرائيليين بأمن مدينة الأحلام نيوم، يمكنها الاستراحة من توفير أمن هذه المدينة.
وأظهرت الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة اليمنية على منشآت النفط السعودية مدى عجز البلاد عن التهديدات الخارجية، ويخشى ابن سلمان من أن الأمن في مدينة نيوم سيتعرض للتهديد من الخارج إذا نفذ، ولهذا السبب يعتمد على إسرائيل. من ناحية أخرى، هناك الكثير من القواسم المشتركة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل في التعامل مع سلوك إيران الإقليمي، ويمكنهما مراقبة تحركات إيران معًا وتنسيق سياساتهما ضد هذا الخصم.
على الرغم من أن السعوديين يحاولون إشراك الشركات الإسرائيلية في مشروع نيوم، إلا أن بعض وسائل الإعلام الغربية قالت إن بعض الجهات الفاعلة الدولية، مثل روسيا والصين، تنوي أيضًا إشراك الشركات الإسرائيلية في مشروع نيوم. ويزعم المصدر أن روسيا والصين تسعيان إلى نقل صادراتهما عبر إسرائيل، التي تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، عبر شبكة السكك الحديدية الإسرائيلية، وتوفير تكاليف الشحن حول سيناء وقناة السويس في مصر. كما أن الصين، التي تسعى لإحياء طريق الحرير، تجد الوجود الإسرائيلي في خطة نيوم جذابًا للغاية، لأنه من وجهة نظر بكين يعتبر "مكسبًا للجميع" في الشرق الأوسط، وهو يدفع الصهاينة إلى الاستثمار في مشروع نيوم ومشروع "البحر الأحمر -البحر المتوسط" الصيني.
على الرغم من طموحات ابن سلمان لبناء مدينته الخيالية والذكية، والتي من المقرر أن تكون فريدة من نوعها في العالم، فإن هذه النظرة الاقتصادية في السنوات الأخيرة أظهرت أنها ليست أكثر من دعاية، وأن الاستثمار الأجنبي الذي من المفترض أن يتحمل معظم التكاليف، تم حصره بعدد من رجال الأعمال الإسرائيلين والذين هم أيضاً لن يتخذوا أي إجراء حتى يتم إعلان تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض على الملأ.
