الوقت_ لا يُخفي الإسرائيليون رغبتهم العارمة في جعل ذكرى المحرقة "الهولوكوست" في متناول المجتمعات العربيّة وجعلها رواية مؤكّدة رغم كل الشكوك والتساؤلات التي حولها، باعتبارها إبادة جماعية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939-1945 وقُتِل فيها نحو ملايين اليهود الأوروبيين على يد ألمانيا النازية وحلفائها، حيث جرت عمليات القتل في جميع أنحاء ألمانيا النازية والمناطق المحتلة من قبل ألمانيا في أوروبا وكانت "الهولوكوست" مثالاً للإبادة الجماعية، التي تعني قتل مجموعات بشرية كبيرة فقط بسبب انتمائهم لجنسية أو عرق أو دين معين، واليوم يستغل الإسرائيليون هذا الحدث لجذب التعاطف نحوهم وتبرير جرائمهم منذ احتلال فلسطين عام 1948، ومؤخراً بات بعض المسؤولين العرب من الدول التي أدخلت إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع "إسرائيل" لتحقيق تلك الغاية.
وإنّ حديث صحيفة "ناشونال نيوز" العبريّة عن مغادر وفد عربي - إسرائيلي من فلسطين الواقعة تحت سيطرة العصابات الصهيونيّة، متوجها إلى بولندا للتعرف على محرقة "الهولوكوست" والمشاركة في احتفال وصفته بـ "التاريخي" باللغة العربية في معسكر اعتقال "أوشفيتز"، أثار ضجة أغضبت بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ، معتبرين أنّ تلك الخطوة بمثابة دعم للاحتلال وآلته العسكريّة ومنهجه العنصريّ الدمويّ، ومشيرين إلى أنّ تلك المشاركة يجب أن تكون إلى غزة المدمرة والمحاصرة منذ ما يقارب 15 عاماً أو إلى القدس التي تتعرض لعمليات التهويد والتدنيس أو الضفة الغربية التي يرتكب المحتل فيها أبشع الجنايات.
وبعيداً عن مدى صحة المجزرة أو دقة أرقام ضحاياها، بات واضحاً بالنسبة لكثيرين أن الصهياينة وآلتهم الإعلاميّة التي توصف بالقوية عالميّاً نجحوا خلال العقود الماضية في إلقاء الضوء على تلك القضية وعمدوا إلى على تشويه الاحداث التاريخية للتطورات الميدانية على الساحة الفلسطينية وذلك بالاستعانة إلى حد كبير بهوليوود واليد الطولى في وسائل الإعلام المختلفة، أما حاليّاً فبات التركيز على المجتمع العربيّ والإسلاميّ لاختراقه عبر تلك الروايات المخادعة من ناحية إظهار القاتل على أنّه ضحية، والمقصود هنا "إسرائيل" التي سلبت الأرض وهجرت الملايين وارتكبت مجازر لا حصر لها والتاريخ والحاضر أكبر شاهد على الإجرام والاحتلال الصهيوني.
ومع التذكير على أنّ كيان الاحتلال اللقيط منذ ولادته غير الشرعية بني على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، يدعي الرئيس التنفيذي لجمعية "معا نشهد لبعضنا البعض" يوسف حداد، أنّهم متحمسون للسفر إلى بولندا وإقامة حفل مهم عشية يوم ذكرى المحرقة، فمن المهم بالنسبة للمشاركين أن يجعلوا ذكرى المحرقة في متناول المجتمع العربي الإسرائيلي والعالم العربي، لأن كل شخص يجب أن يكون على دراية بأفظع حدث في تاريخ البشرية وأن يتعلم عنه ومنه وبالتالي محاربة حقيرة الظواهر، من إنكار الهولوكوست إلى جميع أشكال التعبير عن العنصرية التي يتهم بها الكيان عالميّاً.
والأولى أن يزور الوفد من طردوا من منازلهم أو عائلات من قتلهم الإسرائيليون ميدانيّاً أو الأسرى والمحاصرون منذ سنين طويلة، بالتزامن مع تصاعد إجرام العدو الكيان الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، والدليل اتهامه من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، مؤكّدين على أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، والأخبار التي تأتي من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك.
وفي الوقت الذي ترتكب فيه الآلة العسكريّة الصهيونيّة وعصاباتها التي جُمعت من شتات الأرض أشنع الجرائم ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وترتكب أقذر الجنايات الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الأبرياء، تناسى المشاركون مواصلة قوات العدو حملاتها الدموية بحق أصحاب الأرض ما يُظهر "النفاق الأعمى" في أبهى صوره مع عدو العرب والمسلمين والأحرار الأول، لمساعدة الإسرائيليين في الوصول لتطلعاتهم ويزعمون أنّه "شراكة حقيقية بين المجتمعات"، لأنّ المجتمع الإسرائيليّ إن صح التعبير هو مجتمع لقيط يسعى لفرض وجوده ضمن المجتمع الفلسطينيّ من خلال حرب ثقافية تسبقها غالباً الرشاشات والمدافع، رغم أنّ مشاركة عدة أشخاص في المحرقة المزعومة لا تعني أن "إسرائيل" في أي حال من الأحوال اخترقت الشعب العربيّ ذي المواقف العظيمة تجاه الفلسطينيين والعرب.
" إن لم تستحِ فاصنع ما شئت"، هذا ما قاله العرب حول تلك المشاركة مع قاتل العرب والمسلمين بالتزامن مع تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بسبب الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية العدوانيّة في القدس والضفة الغربية المحتلة، حيث استنكر نشطاء كُثر على مواقع التواصل الاجتماعي زيارة الأراضي التي يحتلها الكيان والمشاركة في خداعه ودعايته السوداء مؤكدين أنّها تأتي لخدمة الصهاينة، ومشيرين إلى أن التعويل كان وما زال على الشرفاء والأحرار الذين اختاروا المقاومة نهجاً رابحاً مهما كثرت الضغوط، كُرمى عيون المظلومين والمقهورين في فلسطين المقدسة وغيرها.
خلاصة القول، يسعى المحتل الأرعن بكل ما أوتيّ من قوة أو أدوات خانعة في المنطقة لحرف الأنظار عن جناياته وجرائمة التي لا عد لها، رغم الشهادة الدولية القويّة والمحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، وإنّ على المشاركين الممثلين لعواصم خاضعة باعترافها أن يهتموا بمسؤولياتهم تجاه إنسانيتهم ودينهم وفلسطين بدل دعم أكبر كيان إرهابيّ على وجه الأرض، وإنّ تل أبيب مهما حاولت التنصل من جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ لن تفلح في ذلك لأنّ جرائمها أكبر وأشدّ دمويّة من أن تنسى.
